البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

أيها الزوج

العربية

المؤلف عبدالله بن عمر السحيباني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الزواج وفضائله .
  2. بعض واجبات وحقوق الزوجة على زوجها .
  3. عظم حق الزوج على زوجته ودور الوالدين في تهيئة الفتاة للزواج .

اقتباس

الزواج معمار الكون، وسكن النفس، ومتاع الحياة. بالزواج تنتظم الحياة، ويتحقق العفاف والإحصان، يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة، والأنساب المتفرقة. ولا يجادل عاقل في أهمية الزواج وفضائله، ومنزلة النكاح وفوائده، وأنه...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، فمن اتقى ربه علا، ومن أعرض عنه غوى.

أيها المسلمون: لقد جَبَل الله -تعالى- النفوس على الفطرة، وصيّرها مُنجذِبة إليها، ومن رحمته وحكمته أن جعل الشريعة داعية إليها، والسعادة والثواب لمن سار عليها، ومن ذلك: الارتباط بين الذكر والأنثى بالزواج.

أيها المسلمون: الزواج معمار الكون، وسكن النفس، ومتاع الحياة.

بالزواج تنتظم الحياة، ويتحقق العفاف والإحصان، يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة، والأنساب المتفرقة.

ولا يجادل عاقل في أهمية الزواج وفضائله، ومنزلة النكاح وفوائده، وأنه السبيل الطَبَعِي لاستقرار النفوس، وسَكَن القلوب، واستقرار المجتمع ونمائه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].

بالزواج تنحسِر المنكرات، وتظهر الخيرات والبركات، ويعيش المجتمع رفاهية الأمن الخلقي ورغد العيش الاجتماعي.

لقد جعل الله -تعالى- الزواج فضيلة، وأمر به في قوله: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)[النساء: 3]، وقال المصطفى -صلى الله وعليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضّ للبصر، وأحصن للفَرْج" الحديث.

أيها المسلمون: الحديث عن الزواج وما قبله وما بعده حديث ذو شجون.

وحسبنا اليوم أن نقف وقفة تذكير وموعظة لما يجب للزوجة على زوجها من الأدب، وحسن العشرة، وطيب المودة: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].

أيها الزوج: هل تريد السعادة في بيتك وحياتك أحسن إلى زوجك، واستوص بها خيراً.

الزوج الأديب العاقل يتجاوز عن زلل زوجه، ويعفو عن خطئها، فالمرأة خلقت من ضلع أعوج، وبمداراتها والصبر على ما يكرهه منها تستقيم الأمور، يقول المصطفى -صلى الله وعليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً" (متفق عليه).

أيها الزوج: من كرُم أصله لان قلبه، وزوجتك هي حاملة أولادك، وراعية أموالك، وحافظة أسرارك.

اخفض الجناح معها، وأظهر البشاشة لها، فالابتسامة تحيي النفوس، وتمحو ضغائن الصدور، وقد كان سيد الخلق -صلى الله وعليه وسلم- ألطف الناس بأهله، دائم البشر معهم والمداعبة لهم، عن عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رسُولُ اللّهِ -صلى الله وعليه وسلم-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأهلِي".

واللطف بالنساء واللين معهن لا يعني الانسياق مع أهوائهن وملذاتهن، بل التبسط معها ونبذ الغموض والكبرياء، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي (أي في الأنس والسهولة) فإن كان في القوم كان رجلاً".

والثناء على الزوجات في الملبس والمأكل والزينة جاذب لأفئدتهن، وقد أباح الإسلام الكذب مع الزوجة لزيادة المودة لها، والهدية بين الزوجين مفتاح للقلوب، تنبئ عن محبة وسرور، وإكرام واحترام.

أيها الزوج: كن مستقيماً في حياتك تكن هي بإذن الله أقوم، ولا تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك، فالمعصية شؤم في بيت الزوجية، وقد قال بعضُ السّلف: "إني إذا عصيتُ الله رأيتُ أثَرَ ذلك في دابّتي وخُلُق زوجتي".

واعلم -أيها الزوج- أن من حق الزوجة: أن تأمرها بإقامة دين الله، والمحافظة على الصلاة، لقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طـه: 132].

كما يجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، إذ هو الراعي المسؤول عنها، وله القوامة عليها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)[النساء: 34].

أيها الزوج: إكرام المرأة دليل الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على الخسّة واللؤم، ذلك الذي لا يرى في زوجته سوى النقائص والعيوب وتعمى عينه عن كل خير في المرأة، في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله وعليه وسلم-: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ".

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

أيها الزوج: اعلم أنّ الكمَالَ عزيز، وأنّ الاختلافَ من طَبيعة البشَر، وأنّ الزوجين لا يمكِن أن يكونا نسخةً لبعضهما في الطبائع والأخلاقِ والرَّغَبات والتّفكير، فيكفي من المفارَقات أنهما ذَكرٌ وأنثى، كما أنهما لا يعيشان منعَزِلين، بل في داخِلِ مجتمَعٍ له متطلّباته وتأثيراته، لذا فاعلم -أيها الزوج- أن الغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة، وآثر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "النساء عورة فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت".

أيها الزوج: من علو النفس أن لا يأخذ الزوج من مال زوجته شيئاً إلا برضاها، فمالها ملك لها، ونفقتها واجبة بالمعروف فلا تبخل عليها، فالكرم بالنفقة على أهل بيتك أفضل البذل، وقد أخبَرَ النبيّ -صلى الله وعليه وسلم- أنّ المسلمَ يؤجَر حتى في اللقمةِ يضعُها في في امرأتِه.

ثم تذكر أن زوجتك تود الحديث معك في جميع شؤونها فأرعِ لها سمعك، فهذا من كمال الأدب، وقد كان نساء النبي -صلى الله وعليه وسلم- يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن.

أيها الزوج: لا يطغى بقاؤك عند أصحابك على حقوق زوجك وأولادك، فأهلك أحق بك، والزوج العاقل يعترف بما لزوجته عليه من الحقوق؛ كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228]، فكن لزوجتك كما تحب أن تكون لك.

إن حق الزوجة على الزوج عظيم، أُسرت بالعقود وأوثِقت بالعهود.

الزوجات يكرمهن الكريم، ويعلي شأنهن العظيم، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر ذكر خديجة -رضي الله عنها-، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة!!" (رواه البخاري).

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)[الفرقان: 54].

الخطبة الثانية:

حق الزوج أعظم الحقوق والزوجة الصالحة تعترف بجميل الزوج وفضله، وتقوم بحقوقه، تؤمن بعلوِّ منزلته وعظيم مكانته، يقول عليه الصلاة والسلام: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها"، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج".

أيها المسلمون: إن الواجب على الوالدين حسن التربية، وأداء الأمانة، وتهيئة الفتاة لحياتها الزوجية، وتحمّل المسؤوليات، وإنك لتأسى لحال فتاة تُزفّ لبيتها الجديد وهي لا تعرف الحقوق والواجبات، ولا كيف تتعامل مع الرجل وأهله وقرابته، وكيف تُربّي الأولاد، ولا كيف تدير شؤون منزلها وتدبّره، ممّا أفرز حالات كثيرة من الشِّقاق، ورفع مُعدّلات الطلاق، يجب أن تربى الفتاة على أن النكاح تعبّد لله بالعشرة بالمعروف والخلق الحسن، والتعاون على البرّ والتقوى، والبُعد عن الأنانية، وإدراك مفهوم القِوَامة الشرعي والإقرار به، وأنه حفظ وصيانة، وضبط وتربية، وحسن إدارة ومسؤولية يُسأل عنها يوم القيامة: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".