الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | فقه النوازل - |
نهاية العام تعني أن الله أغدق علينا نعماً عظيماً من الصحة والعافية والأرزاق والخيرات؛ فهل شكرنا ذلك بأداء حق هذه النعم وأداء ما أوجب الله علينا من الفرائض والطاعات؟
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين قدر الآجال والأعمار فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسباناً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)[الرحمن:26- 27].
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله ذاق طعم الموت كغيره من البشر فالبقاء والدوام لله وحده دون سواه؛ أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: ونحن على أعتاب نهاية عام مضى بما فيه من خير وشر وحلو ومر ورخاء وشدة حري بنا أن نتأمل ونتعظ ونعتبر؛ فالعقلاء يستفيدون مما يمر عليهم من تجارب في حياتهم ويخططون لمستقبل راشد فهم مستعدون لما يفجأهم من طوارق وحوادث؛ لأنهم يعلمون أن هذه الحياة لا تدوم لأحد ولا تثبت على حال وتتقلب من حال إلى حال، وهذا من تمام عمران هذا الكون؛ فسبحان من أبدعه وجعله مسرحاً لحوادث الزمان حسب تقدير العليم الخبير قال الحسن البصري: "إنما الدنيا ثلاثة أيام يوم مضى لا ترجوه ويوم أنت فيه ينبغي لك أن تغتنمه ويوم يأتي لا تدري أنت من أهله أم لا ولا تدري لعلك تموت قبله فأما أمس فحكيم مؤدب وأما اليوم فصديق مودع فخذ الثقة بالعمل واترك الغرور بالأمل قبل حلول الأجل".
عباد الله: الدنيا محفوفة بالأنكاد والأكدار نعيمها يزول وسعيدها يشقى وعزيزها يذل، مزجت أفراحها بأتراح وحلاوتها بمرارة وراحتها بتعب عيشها حقير وزمانها قصير، وصفها الخليفة الراشد علي بن أبي طالب فقال: "من صح فيها ما أمن ومن سقم فيها ندم ومن افتقر فيها حزن ومن استغنى فيها فتن في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وقد ذكر الله حقيقتها بقوله: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد:20].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ"(رواه الترمذي).
وقد حذر رسولنا -صلى الله عليه وسلم- من الاغترار بها وبين أنها من أخطر ما يفتن الناس وأنها كانت سبباً في هلاك أمم سابقة، قال صلى الله عليه سلم: "أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"(رواه البخاري ومسلم).
أيها المؤمنون: كم يعتني التجار وأصحاب الشركات والمؤسسات في حساباتهم اليومية والشهرية والسنوية وإعداد التقارير اللازمة لمعرفة الربح والخسارة ومدى التقدم في كفاءة العاملين وتطور العمل؛ كل ذلك يحرص عليه أصحابه لأنهم يرون له ثمرة في عملهم الدنيوي؛ فهل قام أصحاب العمل الأخروي بشيء من ذلك ويتبينوا حساباتهم لما أمامهم وما استودعوه فيما مضى من الأعمال الصالحة ليكثروا منه في العام الجديد.
فلا يكفي مجرد التحسر على ما مضى فتلك مطية الكسالى والعاجزين وما بقي من العمر لا ثمن له البتة؛ فلو جُمعت الدنيا كلها بما فيها ما مضى من العمر ما عدلت يوماً واحداً بقي من عمر صاحبه فلا نبع اليوم ولا نعدله من الدنيا بغير ثمنه.
عباد الله: نهاية العام تعني أن الله متع الإنسان وأمهله سنة كاملة؛ فماذا عمل فيها هل شكر هذه النعمة أم أنه ضيع الوقت وكان أسهل شيء عليه؟
نهاية العام تعني أن الله أغدق علينا نعماً عظيماً من الصحة والعافية والأرزاق والخيرات؛ فهل شكرنا ذلك بأداء حق هذه النعم وأداء ما أوجب الله علينا من الفرائض والطاعات؟
نهاية عام تعني أنه سُجَّل علينا أعمالا كثيرة؛ فهل كانت أعمالاً صالحة نرجو برها وذخرها أم كانت وبالاً علينا فلا نكررها في العام القادم؟
قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقال تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)[الكهف:49].
فلنحرص جميعاً على ختام عامنا بالعمل الصالح؛ فالأعمال بالخواتيم ولنكثر من الدعاء أن يغفر الله لنا ما سلف من ذنوبنا، ونعقد العزم على أن نتخلص منها في العام الجديد فربنا -جل وعلا- غفور رحيم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التحريم:8].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، وأشهد ألا إله إلا الله توعد الظالمين بالعذاب الأليم، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله القائل في يوم عرفة: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ"(رواه البخاري)؛ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فنحمد الله ونشكره على ما تحقق من الإنجازات الأمنية الكبيرة التي تمثل خلال هذا الأسبوع في أمرين هما:
أولاً حينما أعلن الناطق الرسمي في وزارة الداخلية أن أجهزة الأمن أفشلت مخططات جديدة للنيل من أمن الوطن ومقدراته ورموزه المختلفة وقال المتحدث الرسمي: "لقد واصل رجال الأمن نزع أنياب هذه التنظيمات الإجرامية في عملية نوعية مزدوجة استهدفت الجانبين العملي والفكري لهذه التنظيمات الضالة، وكانت تنوي تنفيذ عمليات اغتيال بحق رجال أمن ومسئولين وإعلاميين ومستأمنين، وقد أوقفت أجهزة الأمن خلال الأشهر الثمانية الماضية مائة وتسعة وأربعين ممن لهم علاقة بالأنشطة الضالة من بينهم مائة وأربعة وعشرون سعودياً والبقية عددهم خمسة وعشرون من جنسيات مختلفة…".
أيها المؤمنون: لقد فرحنا فرحاً عظيماً حينما سمعنا هذه الأخبار؛ لأننا نعلم يقيناً أن هؤلاء ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم وأصبحوا يخدمون مخططات إجرامية تديرها شبكات مأجورة حاقدة على كل شيء له علاقة بالدين وله علاقة بمقدسات هذا البلد ورموزه ممن لهم أثر في مقاومة هذا الفكر ورد أباطيله، وإذا كان هؤلاء يسيرون من حيث لا يعلمون فعلى كل مسلم غيور وعلى كل مواطن صالح أن ينتبه لنفسه ولمن تحت يده أن تمتد إليهم هذه الأيدي العابثة وهذا الفكر الضال الذي ينخر في عقول بعض الشباب دون تمحيص أو تدقيق، وعلينا جميعاً أن نكون حراساً لديننا وأنفسنا ومن لنا علاقة بهم، بل علينا أن نكون يقظين في حميات مقدرات بلادنا ومكاسبها التي هي لنا ولأجيالنا من بعدنا وذلك بالتعاون مع أجهزة الأمن في كل ما يحقق الأمن والسلامة لبلادنا ومن يطأ على ثراها.
ثانياً: الأمر الثاني الذي أثلج صدورنا حينما أعلن العائد التائب النادم محمد العوفي عن تراجعه عن الفكر الضال وفضح بعض مخططاتهم، وكان رجوعه كما أعلن ذلك على الملأ عن قناعة بما رآه وسمعه وعايشه من منزلقات الفكر الضال، وقد تبين له أنهم يساقون إلى الموت من حيث لا يشعرون وأنهم ينفذون مخططات إجرامية لحساب جهات خارجية.
وقد أشار العوفي إلى استغلال السعوديين استغلالاً سيئاً والاعتماد على ما عندهم من النخوة والشجاعة وثقة الشعوب الإسلامية بهم؛ كل هذه الأمور تدفع أصحاب الفكر الضال لاستغلال السعوديين وتقديمهم وإعطائهم القيادة في كثير من المواقع .
وقال العوفي إن هناك جهات إقليمية تريد الفساد في بلاد الحرمين الشريفين وتريد تدمير اقتصادها وإحداث الفوضى، وهذه الجهات استغلت فكر التكفير لأنه يلتقي معها في القتل والتدمير والإفساد فأصبحوا يوجهون هؤلاء الشباب لتنفيذ مخططاتهم ويظهرون للناس إعلامياً أن هذه الأعمال من السعوديين أنفسهم فيقولون لحكام المملكة العربية السعودية ولشعبها هؤلاء هم أبناؤكم يقاتلونكم وينفذون العمليات في بلادكم، والواقع أن الذين يخططون ويفسدون ويجرمون هي تلك الجهات والشباب المخدوع يظهر في الصورة فقط كنواحي إعلامية.
وأخيراً يوجه العوفي نصيحة لزملائه وكل من خدع في تنظيم القاعدة أن يتقوا الله ويعودوا إلى صوابهم ويخبرهم بما قوبل به لما أعلن توبته وتراجعه.
أيها المؤمنون: وأنا من على هذا المنبر أوجه نصيحتي لكل مسلم ولكل ولي أمر ولكل شاب أن نكون يقظين حذرين، وأن نسد المنافذ أمام هذا الفكر وأن نحاربه بكل ما أوتينا من وسائل، وأن نفضحه في مجالسنا ولقاءاتنا ومناسباتنا لأن آثاره الخطيرة ظهرت للعيان.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين وأن يصلح أحوالهم، اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء اللهم أشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره، اللهم زد هذا البلد أمناً وطمأنينة، اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين ووفقهم لتحكيم شرعك المطهر، اللهم وفق ولاة أمرنا لكل خير اللهم خذ بأيديهم لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات اللهم اغفر لآبائهم وأمهاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث، اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وأغث الديار بالأمطار اللهم أنزل على أرضنا زينتها اللهم يا حي يا قيوم بادرنا بالخيرات بمنك وجودك وفضلك وعم به أوطان المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد.