الجميل
كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الرحمن الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
الصراع باختصار، هو بين ملة الإسلام التي تُمثِّل: "الحق المُنزَّل"، والدين المُكمَّلَ، وبين هاتين الملتين الضالَّتين المُضِلَّتين. ونظرة فاحصة لما يدور في العالم اليوم من حروب ومآسٍ، ومصائب وكوارث، وفسادٍ خلقّيٍ واقتصاديٍ، وظلمٍ وطغيانٍ، تجد وراءه اليهود والنصارى. والناس كشأنهم في كل زمان الغالبيةُ الغالبةُ والسوادُ الأعظمُ منهم واقعون في براثن هؤلاء المفسدين.
فهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليٌّ من الذل وكبّره تكبيراً.
وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه الله شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
اللهمَّ صل عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وسَلِّمْ تسليماً كثيراً.
أَمَّا بعد:
فلا مخرج من الأزمات، ولا فلاح للعبد، ولا نجاة إلا بتقوى الله، عالم السر والخفيات، ومنجي عباده عند نزول الشدائد والملمات، وسامع صوت يونس في بحار الظلمات.
فنسألك اللهم الهدى والتقى، والعفاف والغنى.
اللهم اجعلنا ممن يخافك ويتقيك، ويؤمن بك ويتوكل عليك أنت حسبنا ونعم الوكيل.
عباد الله: إننا نعيش في عصر تقدم فيه الإنسان في مجالات التصنيع والتسلّح والاختراع، وتوفرت فيه وسائل الراحة، وسبل الترف والرفاهية، فهل سعدت الإنسانية بهذا هل شعرت بالطمأنينة وراحة النفس؟
كلا.
سباقٌ محموم إلى التسلح النووي، واقتناء أحدث الأسلحة لتدمير الحرث والنسل، فهل تحقق السلام والهناء، والراحة والهدوء؟.
هاهو العالم اليوم يعيش فوق بركان من القلق والفزع، وفوق زلازل من الحيرة والاضطراب، وما يكاد العالم يخلص من مشكلة، أو أزمة إلا ليستقبل أزمة أكبر، أو مشكلة أمر، وما ذلك إلا لأن هذا التقدم المادي الحسي لم يصاحبه ما يماثله من التقدم الروحي النفسي.
بل نحن نعيش في عالم لا يدين أكثره بالمثل العليا، ولا بالعقائد الصحيحة.
قد انفصمت عرى الإيمان في النفوس، وقَلَّ عمل الخير بمعناه الصحيح، وضعف سلطان العدل، وضاع صوت الحق في زحمة الباطل.
ولو أن رجلاً من السلف الصالح رجع إلينا لهاله ما يرى.
أما المسلمون، فالكثير الغالب منهم قد ضيعوا مجدهم وعزهم، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ساروا خلف أعدائهم فأوردوهم موارد الذل والهوان، تركوا الجهاد، وركنوا إلى الدنيا، وتنازلوا عن عزتهم وعلوهم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون: 8].
(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139].
وأمَّا الغرب الكافر، فـ (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).[الروم: 7].
يعيش أحدهم فيأكل كما تأكل الأنعام: (وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)[محمد:12].
أعطوا ذكاءً ولكن بدون ذكاء، ووهبوا علوماً بدنياهم، ولكنها صارت من أسباب شقائهم.
لهم عقول ولكن لا يعقلون بها، مكنوا من الأسباب المادية، وحرموا عبادة رب البرية.
فيا الله ما أعظم خسارتهم، وما أشد تعاستهم، وما أبئس حالهم: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)[الأحقاف: 26].
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[الملك: 10].
(لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ)[آل عمران: 196].
(وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ)[الأنفال: 59].
إن ما تعانيه الإنسانية اليوم من بلاءٍ وشقاء، وظلم واستعلاء، وشرور ووباء بحاجة إلى علاج ودواء، ولربما يتفلسف أناس، ويتفيهق آخرون في وصف العلاج فيطيلون ويرهقون، ثم لا يأتون إلا بالفشل الذريع.
ولكن الله -تبارك وتعالى- رسم لعباده العلاج، ووضح لهم المنهاج الذي إن أخذوا به خرجوا من الظلمات إلى النور، ومن سبل الشقاء إلى طريق الهدى والارتقاء.
رسم هذا المنهج في سورة قصيرة ذاتِ آياتِ ثلاث، لكنَّ فيها المنهج الكامل للحياة الحقيقية.
إنها تشخّص العلة، وتحدد الداء، وَتُرَسّخ طريق الخلاص، ووصف الدواء، تلكم هي "سورة العصر".
والتي يقول عنها الشافعي -رحمه الله-: "لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم"[تفسير ابن كثير 4/582)].
وذكر الطبراني عن عبيد الله بن حفص قال: "كان الرجلان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها"[تفسير سورة العصر عبد العزيز القارئ، ص 26)].
ليذكر أحدهما صاحبه بما في هذه السورة من منهج السعادة، وعوامل النجاح، وطريق الفلاح.
ويقول ربنا -سبحانه- في هذه السورة: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر:1-3].
أقسم الله -تعالى- بالعصر، وهو الدهر والزمان الذي يحصل فيه حركات بني آدم، من طاعات ومخالفات، وخير وشر.
أقسم الله لما فيه من دلائل القدرة على الخالق -سبحانه-، فهو مشتمل على الأعاجيب.
فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر.
وفي ذلك تنبيه للإنسان على أن هذا الزمان ظرفٌ لأعماله، وأنه يمرُّ وينقضي سريعاً إذا لم يستفد منه ضاع عليه، فكل يوم مضى نقص في العمر.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يومٍ مضى نقصٌ من الأجلِ |
إن الزمان بحركته الدائبة يجري بالإنسان نحو نهايتهَ المحتومة، وإن كان لا يحس بذلك.
وأرى الزمانَ سفينةً تجري بنا نحو المنونِ، ولا نرى حركاتِهِ والزمان، بتعاقب أيامه ولياليه، عبرةٌ لمن أراد أن يعتبر، وواعظ لمن أراد أن يتعظ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)[الفرقان: 62].
تمر دولٌ وأمم ثم تبيد وتزول، ومنهج الحق واضح، والخالق لا يزول ولا يحول، حي لا يموتُ قيوم لا ينام.
والزمان -عباد لله-: فرصةٌ يضيعها الإنسان غالباً هذه هي حال أهل الخسران مع أنه من أصول النعم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
أليس من الغبن والحرمان أن تمضي على بعض الناس سنوات إثر سنوات، وشهورٌ ودهور، وهو لاه يلعب، يرى العبر بعينه، ويسمع المواعظ بأذنيه، ويرى تقلّب الزمان بأهله وهو بمعزلٍ عن الاتعاظ.
يا أهل الإسلام: لا وقت للهو ولا للبطالة.
أنلهـو وأيـامنا تذهبُ | ونلعبُ والموت لا يلعبُ |
أيلهو ويلعب من نفسه | تمـوت ومنـزله يخربُ |
والعجيب أن عصر الإنسان الذي هو عمره مهما طال لا يفيد منه إلا لحظة الهداية، فلو ضيعّ الإنسان مئة سنة في الشقاوة، ثم تاب واهتدى في اللحظة الأخيرة من عمره دخل الجنة بسببها، وَنُعِّم بنعيمها أبد الآباد، ولو أمضى مئة سنةٍ في العمل الصالح، ثم انتكس في اللحظة الأخيرة، وكفر ذهبت أعمالها كلها هباءً منثوراً، وضاع عليه جميع العمر، فليدرك العاقل نفسه، وليختم بخير فما يدري متى تطوى صحيفته، وتقوم قيامته: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)[العصر:2].
أقسم تعالى بالعصر على هذه الحقيقة: وهي أن جنس الإنسان الغالبُ عليه الخسر، وهو الغبن والنقص، فالناس جميعهم في خسران ونقصان، من تجاراتهم إلا الصالحين، وحدهم؛ لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا فربحوا وسعدوا.
ومن عداهم، تجروا غير تجارتهم، فوقعوا في الخسارة والشقاء قال الله -تعالى-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)[الكهف:103- 104].
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ)[الشورى: 45].
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر:3].
فاستثنى من جنس الإنسان من الخسران الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، فلا إيمان صادق إلا بعملٍ صالح، فالعمل الصالح من صدقة، وذكر ودعاء، وجهادٍ، وتفكرٍ ودعوةٍ، وصلاة وصلة، ونسكٍ وإخلاص، والثمرة الطبيعية للإيمان.
ومن جمع الإيمان، والعمل الصالح، فقد أدرك السعادة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ)[النحل: 97].
فاز بدفاع الله عنه: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج: 38].
وظفر بولاية الله له: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)[البقرة: 257].
ومحبة الله له: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً)[الصف: 4].
(فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)[المائدة: 54].
(إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)[التوبة: 222].
(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر: 3].
إي وصّى بعضهم بعضاً بالحق، وهو الإيمان بالله وتوحيده، والقيامُ بما شرعه سبحانه، وأداء الواجبات والمفروضات، وترك المحرمات والمنهيات.
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
بالصبر عن المعاصي، وعلى أداء الطاعات، وبالصبر على الأقدار، وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.
جعلنا الله وإياكم من المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وممن يتواصون بالحق وبالصبر، إنه جوادٌ كريم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله.
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أمَّا بعد:
فقد أتضح مما سبق أن عوامل النجاح أربعة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
فأين هذه العوامل من حياة كثير من الناس اليوم الغيور ينظر يميناً وشمالاً ليبحث عن آثار الإيمان، وأنواره الساطعة، في حياة الناس، فيفاجأ بأمواج الفتن، وأمراض النفاق، والتطاول على الحرمات، والنيل من الدعوة والدعاة، حتى كتب أحد المنافقين، وما أكثرهم -لا كثرهم الله- يزعم بأن الدعوة إلى الله، وقيام المعلمين والمعلمات، بواجب النصيحة، والدعوة والتذكير، سبب مهم في تدني مستوى التعليم.
فأين نفع علمٍ بلا إيمان لو كان هذا وأمثاله يعقلون؟
هم كثير مَنْ لا هَمَّ لهم إلا التفنن في الحصول على رغباتهم وشهواتهم، مهما كانت الوسائل، مهما وطئوا في مسيرهم غيرهم من الناس.
بسند ما يضعف الإيمان، أو ينعدم يَظْلِمُ المرء غيره، ويسئُ الظنَّ بإخوانه، وَيُضَيِّعُ حقوق الآخرين، ويهدِرُ كرامة المسلمين، ويتسلّط على البائسين والمساكين.
أين الحق في العالم اليوم وكل من بيده سلاح يريد أن يستعد به من كان مجرداً منه أو يقضي عليه إن رفض العبودية له؟.
عباد الله: سورة العصر، رسمت منهجاً كاملاً، واضح المعالم، من أراد النجاح فليلتزم به، ليحصل الخلاص من حياة البؤس والضياع، فإن الغالب على البشر في كل زمان ومكان، هو غرقهم في الفساد وسيرهم إلى الهلاك والدمار.
وإذا تأملت الحال اليوم وجدت هذه الحقيقة واضحةً ماثلة للعيان.
لا نمثل بالأمم الوثنية التي مَسخت عقولها عندما انحدرت إلى هذا الدرك باتخاذ آلهة من الحجر، أو الشجر، أو البقر، أو غير ذلك من الحيوانات والجمادات، فإن الخضوع لمثل هذه الآلهة أوضح دليل على الفساد المريع في عقول هؤلاء وفِطَرهم.
لكن لنا أن نضرب المثل بمن يسميهم القرآن: (أَهْلِ الْكِتَابِ).
اليهود والنصارى: إنهم الطرف الرئيسي في الصراع بين الكفر والإيمان، فما يعتلج في العالم اليوم من مشكلات مدمرة، هو بسبب هاتين الملتين، اللتين تقودان العالم نحو الدمار.
اليهود والمغضوب عليهم، قتلة الأنبياء، ومصدر الفساد والشرور.
والنصارى الضالون، الذين هم الروم ذات القرون، كلما هلك منهم قرن أتى قرن، ويقف أمام هؤلاء وأولئك أهل ملة الإسلام.
فالصراع باختصار، هو بين ملة الإسلام التي تُمثِّل: "الحق المُنزَّل" والدين المُكمَّلَ، وبين هاتين الملتين الضالَّتين المُضِلَّتين.
ونظرة فاحصة لما يدور في العالم اليوم من حروب ومآسٍ، ومصائب وكوارث، وفسادٍ خلقّيٍ واقتصاديٍ، وظلمٍ وطغيانٍ، تجد وراءه اليهود والنصارى.
والناس كشأنهم في كل زمان الغالبيةُ الغالبةُ والسوادُ الأعظمُ منهم واقعون في براثن هؤلاء المفسدين.
فهم سائرون من ورائهم كالعميان يقودونهم إلى المصير المحتوم.
ومما يزيد من فداحة الأمر أن الشهوات والغرائز كلها تحث الناس على اندفاع في طريق الدمار، والاستسلام لحبائل المفسدين، بينهما طريق النجاة محفوفة بالعوائق المكاره وتكاليفها شاقة، وعبئها ثقيل، فلذلك كثر الهالكون وقلَّ السالكون.
فاللهم اجعلنا من القليل.
وهذا يبين عظم شأن هؤلاء القليل الناجين الذين سَمَتْ عقولُهُم وفِطَرُهُم ونفوسُهُم وعزائُهُم عن الاستسلام، لما استسلم له الأكثرون، فسَلِمُوا بذلك من التردِّي في الوهدة التي تردَّي فيها الهالكون.