البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أركان الإيمان |
الرقية الشرعية باب من أبواب الخير، من أبواب النفع، من أبواب البركة، من أبواب الرحمة الإلهية، الرُّقْيَة الشرعية تطلق على العلاج والتداوي بالقرآن الكريم وبالأدعية النبوية الصحيحة فقط لا غير، الرقية الشرعية، هذا الباب المبارك، غفل عنه كثير من المؤمنين اليوم، ونجّسه بعض الناس بالشركيات والخرافات...
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد:
أيها المؤمنون: الرقية الشرعية باب من أبواب الخير، من أبواب النفع، من أبواب البركة، من أبواب الرحمة الإلهية، الرُّقْيَة الشرعية تطلق على العلاج والتداوي بالقرآن الكريم وبالأدعية النبوية الصحيحة فقط لا غير، الرقية الشرعية، هذا الباب المبارك، غفل عنه كثير من المؤمنين اليوم، ونجّسه بعض الناس بالشركيات والخرافات، نعم غفلنا عنه اليوم، وكدنا ننساه، وكدنا نفقد الثقة به، لا نلجأ إليه إلا على استحياء، وحينما يزف الرحيل.
نعم؛ غفلنا عنه وتناسيناه، حتى إنك لتجد المؤمن فينا يصاب بالأسقام ويعاني أهله من الأوجاع لأيام وأيام، وهو لا يطرق باب الرقية الشرعية، ولكنه يطرق باب العيادات الطبية ليل نهار، وباب الأدوية الصناعية صباح مساء، وهذا مطلوب ومشروع، نعم؛ لقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "تداووا عباد الله". ولكن لماذا -مع ذلك- لا نطرق باب الرقية الشرعية؟! لماذا تمرّ عليك الليالي وأنت تصارع الألم ولا تطرق باب السماء؟! لماذا ترى ابنك وزوجك طريح الفراش ولا تستنزل بركات آيات الرحمن الرحيم وأدعية النبي الرؤوف الرحيم -صلى الله عليه وسلم-؟!
أيها المؤمنون: الرقية قربة وعبادة ودليل صحة عقيدة، إن التداوي بالرقية الشرعية من آيات القرآن الكريم والأدعية النبوية والاستشفاء به من الأمراض الجسمية والآفات النفسية، وغيرها مما صغر أو عظم ومما ظهر أو خفي، هو من شرعنا، هو من ديننا، هو من هدي نبينا، التداوي بالرقية مستحب، وهو مذهب أهل السنة.
إن التداوي بالرقية الشرعية قربة عظيمة لله سبحانه، وعبادة جليلة لله سبحانه، تظهر تعلقك بالله، تظهر توكلك على الله، تظهر صحة عقيدتك بالله، تظهر انطراحك بين يدي الله، تظهر إيمانك بقول ربك: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80]، تظهر يقينك بقول ربك: (إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17].
إن تداويك بالرقية الشرعية -سواء مع الطب الصناعي أم بدونه- يدل على أنك عبد مؤمن مصدق موقن بقول ربك العظيم: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82]، ولفظ "شفاء" عام يتناول شفاء الأمراض القلبية والعقلية، كما يتناول الأمراض الجسدية والعوارض المادية الحسية، والأصل بقاء العام على عمومه؛ قال الآلوسي: استدل العلماء بالآية على أن القرآن يشفي من الأمراض البدنية كما يشفي من الأمراض القلبية؛ يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآَناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) [الرعد: 31].
يقول ابن القيم : فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة, وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نُزل على الجبال فصُدعت أو على الأرض لقُطعت.
أيها المؤمنون: إن الاستشفاء بالرقية الشرعية ليس دروشة وليس خاصاً بالمشايخ والبسطاء والمساكين، بل هو هداية ربانية وعبادة وقربة إلهية يفعلها ويأخذ بها كل عبد يؤمن بالله ويعرف الله، بل كلما ازداد إيمانك وعلمك وتدينك كنت أكثر أخذاً بالرقية الشرعية، فسيّد من رقى نفسه وسيّد من رقى غيره وسيّد من علّم المسلم الرقية وسيّد من حث ورغب بالرقية الشرعية هو أكمل الخلق إيماناً وديناً، هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
فهو -صلى الله عليه وسلم- رقى نفسه؛ تقول عائشة -رضي الله عنها- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات، وينفث، فلما اشتد وجعه كنت اقرأ عليه، وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها.
وهو -صلى الله عليه وسلم- رقى غيره، عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أتى مَرِيضاً أو أُتي بِهِ قال: "أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ الناس، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ الا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَماً".
وهو -صلى الله عليه وسلم- علّم غيره الرقية؛ فعن عُثْمَانَ بن أبي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إلى رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَجَعاً يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ، فقال له رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ضَعْ يَدَكَ على الذي تَأَلَّمَ من جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ"، ثَلَاثاً، وَقُلْ -سَبْعَ مَرَّاتٍ-: "أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ من شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ". أخرجه مسلم. كما في الصحيح عن أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رَأَى في بَيْتِهَا جَارِيَةً في وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فقال: "اسْتَرْقُوا لها؛ فإن بها النَّظْرَةَ -العين-".
أيها الإخوة: أتعلمون من تعبد لله بالرقية؟! والله إن بعضنا لو قام أحد أمامه بالرقية، أثناء زيارة مريض في مستشفى أو في بيته أو طلب منه أو ذكّره بها، لربّما يستخفن بهذا أو يستهيننّ بشأنه ولو في نفسه، ولربما قبلها على استحياء لا ثقة وطاعة برب الأموات والحياء، استمع معي إلى منْ زار منْ، ومنْ رقى منْ، لا أظنك ستتوقع ذلك، ولكن استمع؛ ففي الصحيح عن أبي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرَائِيلَ -عليه السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد: اشْتَكَيْتَ؟ قال: "نعم"، قال: "بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، من كل شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، من شَرِّ كل نَفْسٍ أو عَيْنٍ أو حَاسِدٍ، الله يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ".
ولذلك الرقية الشرعية سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-؛ فقد ثبت عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعوّذ الحسن والحسين، ويقول: "إنّ أباكما –إبراهيم- كان يعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامّة، ومن كل عين لامّة".
أيها المؤمنون: قد يتساءل بعض المسلمين: ما هي الرقية الشرعية؟! نريد أمثلة عليها.
أيها الإخوة: من أعظم ما وردت به الرقية مما هو مشروع في عقيدتنا الصحيحة، الآتي:
1-"بسم الله": هذه الكلمة فيها بركة عظيمة يشعر بها أي مسلم، فلو أكلت وقلت: باسم الله، حرم الشيطان الطعام، ولو دخلت البيت وقلت: باسم الله، حرم المبيت وجلس خارج البيت، ولو جامعت أهلك وقلت: "باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا"، فإنه يصرف عنكم، وإن قضي ولد فإنه يبرأ من الشيطان بإذن الله. وإن دخلت الخلاء وقلت: "باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"؛ حُفظت بإذن الله، وإن نزعت الثياب وقلت: باسم الله، كان بينك وبين أعين الجن والشياطين ستر وحجاب، بل أكثر من ذلك: مرّ رجل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دابته، فتعثرت الدابة فقال الرجل: تعس الشيطان. قال: "لا تقل: تعس الشيطان، فإن الشيطان يتعاظم حتى يصير كالبيت، ولكن قل: باسم الله، فإنه لا يزال يتصاغر في نفسه حتى يكون كالذباب".
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان جنح الليل أو أمسيتم، فكفوا صبيانكم؛ فإنّه حينئذ تنتشر الشياطين، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب, واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقاً, وأوكئوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم". وفي بعض الروايات: "فإن الشيطان لا يحل سقاءً ولا يفتح باباً ولا يكشف إناءً". فما أعظمها من كلمة يستشفي بها العبد.
2- ومن الرقية الشرعية: الفاتحة؛ ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رهطاً من أصحاب رسول الله انطلقوا في سفْرَةٍ سافروها، حتى نزلوا بحيٍّ من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبَوْا أن يضيِّفوهم، فلَدُغ سيِّد ذلك الحيِّ، فسعَوْا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوْهم فقالوا: يا أيها الرهط: إنَّ سَيِّدنا لُدِغ فسعَيْنا له بكل شيء، لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟!. فقال بعضهم: نعم، واللهِ إني لَرَاقٍ. فانطلق، فَجَعَل يتفل ويقرأ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 1]، حتى لكأنما نَشِطَ من عِقَال، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة، فَقَدِموا على رسولِ الله فذكروا له، فقال: "وما يُدريك أنها رُقية!!". يقول الإمام الرباني ابن القيم: مرَّ بي وقت بمكة، سقمت فيه، وفقدت الطبيب والدواء، فكنت أعالج بها –أي بالفاتحة- آخذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه، فوجدت لذلك البرء التام، ثم صرت أعتمد على ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع بها غاية الانتفاع. فاقرأها -يا عبد الله- وكررها بيقين وحسن ظن بالله تعالى.
3- ومن الرقية الشرعية "آية الكرسي"، أعظم آية في كتاب الله، آية لا تعدلها آية، ولا توزن بآية، ولا تساويها آية في كتاب الله، كلها صفات لله، وأوصاف للرب القدير، إنها أعظم آية، إذا قرأتها في الليل -مِنْ عظمها- لم يزل عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح، كما جاء في السنة الصحيحة، آية لا تطيقها الشياطين، آية فيها أوصاف ربّنا -جل في علاه-، فيها التوحيد (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)، والملك العظيم: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، والقدرة المطلقة: (وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)، أي: لا يعجز الله حفظ السماوات والأرض، إذا كان لا يعجزه حفظ السماوات والأرض، هل يعجزه حفظ عباده وشفاؤهم ودفع الضر عنهم.
4- ومن الرقية الشرعية: سورة الإخلاص، فكما في الصحيح، سأل الله بها رجل فقال: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي". فقال -عليه الصلاة والسلام-: "قد استجيب له". فتوسل إلى الله بهذه السورة التي كلها في التوحيد الخالص، ودعك من الشركيات المفلسة.
5- ومن الرقية الشرعية المعوذتان، اقرأهما دائماً في الصباح ثلاثاً -مع الإخلاص- وفي المساء ثلاثاً، وعوّد عليها زوجتك وأولادك الصغار، فإنها آيات تحطم الجبال، وتحطم ما تحتها؛ عن عبد الله بن خبيب -رضي الله عنه- قال: خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا فأدركته فقال: "قل", فلم أقل شيئاً، ثم قال: "قل", فلم أقل شيئاً، قال: "قل", فقلت: ما أقول؟! قال: "قل: هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء". إسناده حسن. وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟! قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس". وفي رواية: "ما سأل سائل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها".
الله أكبر، أي خير هذا؟! أي بركة هذه؟! وأي عطاء هذا من ربكم الكريم الحفيظ؟! فهل يستوي من يلجأ إلى هذه المعوذات الخالصة ومن يلجأ تلك الشعوذات الضالة.
6- ومن الرقية الشرعية الأدعية النبوية، أدعية نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أذهب البأس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً". "بسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، الله بشفيك". وكقوله: "من زار مريضاً فدعا له سبعاً: "أسأل اله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا شفاه الله". وغيرها مما ثبت في السنة.
أيها المؤمنون: ومن عجيب أمر الرقية الشرعية أنها رقية -أيضاً- من الأمراض النفسية، من الهموم والغموم وضيق الصدر، هذا في أي عيادات الدنيا تجده كدواء نافع لا كمخدر وقتي ولا مسكن ظاهري خادع؛ وفي الحديث الصحيح عن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قال رسول اللَّهِ -صلى اللَّهُ عليه وسلم-: "ما أَصَابَ مُسْلِماً قَطُّ هَمٌ أو حُزْنٌ فقال: اللَّهُمَّ إني عَبْدُكَ وابن عبدك وابن أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لك، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أو أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ، أو عَلَّمْتَهُ أَحَداً من خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وأبدله مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً"، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ: أَفَلا نَتَعَلَّمُ هذه الْكَلِمَاتِ؟! قال: "بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ".
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: كنا جلوساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم أو أحدثكم بشيء؟! إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من الدنيا دعا به فرج عنه"، فقيل له: بلى، قال: "دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن".
ومن عجيب أمر الرقية الشرعية أنها وقاية لدفع الضر قبل وقوعه؛ فكما في الصحيح عن سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ يقول: سمعت خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ: سمعت رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نَزَلَ مَنْزِلاً ثُمَّ قال: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ من شَرِّ ما خَلَقَ، لم يَضُرَّهُ شَيْءٌ حتى يَرْتَحِلَ من مَنْزِلِهِ ذلك".
أقول قولي هذا وأستغفر الله.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيها المؤمنون: يا أخي المؤمن: الآباء والأمهات لربما تمرّ الأسابيع والسنوات بل والعمر وما شاهدهم أبناؤهم يوماً وهم يقرؤون عليهم الرقية الشرعية، لا حين البأس ولا حين الفرج، نسيان كامل وهجر تام للرقية عند بعض المسلمين، أين أنت يا أخي المؤمن من هدي نبيك؟! عن عَائِشَةَ قالت: كان رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قال: "أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ الناس، وَاشْفِ أنت الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَماً". وتقول أيضاً: كان رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إذا مَرِضَ أَحَدٌ من أَهْلِهِ نَفَثَ عليه بِالْمُعَوِّذَاتِ. وعن ابن عباس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرقي الحسن والحسين –رضي الله عنهما– فيقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامّة".
وليس معنى العمل بالرقية الشرعية ترك التداوي والاستشفاء بالأدوية الطبيعية المادية، والاكتفاء بقراءة آيات من القرآن الكريم، فليس ذلك من الرشد في الدين، ولا من الفقه لسنن الله تعالى الكونية، ولكن الشأن هو الجمع بين هذا وذاك، والانتفاع بالأمرين؛ فلا تعارض بين أدوية الأرض وأدوية السماء، بل كلٌّ مشروع ومطلوب، واصدق في إيمانك؛ فلا تعتقد أن أي دواء ينفع بنفسه ما لم يأذن بذلك رب الداء والدواء: "إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ"، لا أحد غيره سبحانه.
وتذكر أن الرقية عبودية مباشرة لا تحتاج إلى متخصصين، واحذر المشعوذين والمدعين؛ فأي عبد مؤمن يستطيع فعلها لا تحتاج لمتخصصين؛ فالمهم هو الإخلاص واعتقاد أن الله هو الشافي أولاً وأخيراً، والأفضل أن يرقي الإنسان نفسه؛ لأنه لا أحد يحس باضطراره وحاجته بمثل ما يحس هو بنفسه ولا تستبطئ الشفاء.
اللهم تقبل ووفق وارحم ويسر، اللهم اجعلنا عباداً لك مخلصين.