البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

العربية

المؤلف أحمد السويلم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. التوجيه النبوي الكريم باغتنام الصحة والفراغ .
  2. تأملات في الحديث النبوي الكريم .
  3. اغتنام فراغ الإجازة .
  4. مسؤولية أولياء الأمور في حفظ أوقات أبنائهم .

اقتباس

إذا كان تتابعُ النعم، وترادُف المِنَنِ، وتعاقُب الآلاء، فَيْضًا من الربّ الكريم لا يَغِيض، وغَيْثًا مِدْرَارًا لا ينقطع، كما قال -عز من قائل-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [النحل:18]؛ فإن من هذا الفَيْضِ وتلك النعم نعمتين عظيمتين يفرط فيهما كثير من الناس حتى يغبنوا، والغبن خسارة وندامة، جاء ذكرهما في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري.

الخطبة الأولى:

الحمد لله حمدًا كثيرا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده -سبحانه- وهو للحمد أهل، وأشكره على وافر نعمه وجزيل الفضل.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينعم على عباده بالسراء ليبتليهم بالشكر، ويبلوهم بالضراء ليستخرج منهم الصبر.

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله الذي وَسِع كل شيء رحمةً وعلمًا، واشكروه على ما أسبغ عليكم من نعمه الظاهرة والباطنة، فقد وعد الشاكرَ بالمزيد، وتوعّد الكافر بالعذاب الشديد: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

أيها المسلمون: إذا كان تتابعُ النعم، وترادُف المِنَنِ، وتعاقُب الآلاء، فَيْضًا من الربّ الكريم لا يَغِيض، وغَيْثًا مِدْرَارًا لا ينقطع، كما قال -عز من قائل-: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [النحل:18]؛ فإن من هذا الفَيْضِ وتلك النعم نعمتين عظيمتين يفرط فيهما كثير من الناس حتى يغبنوا، والغبن خسارة وندامة، جاء ذكرهما في قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مَغْبُونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" رواه البخاري.

قال ابن بطال -رحمه الله-: معنى الحديث: إن المرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون.

وفي قوله: "كثير من الناس"، إشارة إلى أن الذي يوفق لاغتنام النعمتين قليل، ذلك أن الإنسان قد يكون صحيحا ولا يكون متفرغًا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون.

عبد الله: إذا مَتّعك الله بسمعك وبصرك وقوتك، وحفظ عليك نُضْرَة الشباب ورَوْنَقَه وبهاءه، وعافاك من خطير الأسقام وجليل الأمراض،  وجمع لك إلى ذلك خلوّ القلب من الشواغل والمكدرات، والهموم القاطعات، وأمتعك بالساعات الفارغات، ثم لم تستعمل ذلك فيما يبلّغك رضوان الله ودارَ كرامتِه، ولم تغتنمه فيما يصلح دنياك وآخرتك، وكنت ممن يصرف وقته ويقطع زمانه لهوًا ولعبًا وعبثًا وإسفافًا وتعلّقًا بالأدنى ورضًا بالخَسِيس، وركونًا إلى التافه من القول والعمل؛ فعُمُرَك أضعتَ، وزمانَك قطعت، وأنت المغبون الخاسر المحروم ولا محالة!.

فللنعم آفات كما للبدن آفات، وآفة النعم الزوال والاضمحلال، بينا ترى الرجل صحيحًا معافىً لا يشكو من عِلّة في نفسه أو جسمه إذ هجمت عليه الهموم، وكدرت قلبه الغموم، ونزل به السقَامُ، ووَهَنْتُه الأمراضُ، وأقضّت مضجعَه العِللُ، فسعت به إلى شيخوخة مبكّرة، وعِلّة مُسْتَحْكِمة، أو داءٍ حائل بينه وبين ما يشتهي من متع الحياة الأثيرة لديه المُذَلّلة المبذولة بين يديه، فإن كان ممن أبلى شبابه، وأفنى عمره، واستنفد قوته فيما يحب ربه ويرضاه، وابتغى فيه الوسيله لرضاه، وادخر زادًا يبلغه من الجنة مناه، وإلا غُبِنَ غَبْنًا أورثه حسرة، وأعقبه ندامة لا نظيرَ لها، حينها ينظر إلى أهل العافية والفراغ نظر الأماني، فيتحسر على ما كان منه من التفريط والتواني!.

ولذا؛ جاء التوجيه النبوي الكريم باغتنام فُرَصِ العمر التي هيّأها الله، ومَنَّ بها على عباده، وتوجيهها الوجهة التي أرادها الله لها، كما أخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سَقَمِك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغناك قبل فقرك".

وَفِي رِوَايَةٍ: "فَإِنَّكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدًا"، يَعْنِي: لَعَلَّكَ غَدًا مِنَ الْأَمْوَاتِ دُونَ الْأَحْيَاءِ!.

نَسِيرُ إِلَى الْآجَالِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ

وَأَيَّامُنَا تُطْوَى وَهُنَّ مَرَاحِلُ

وَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْمَوْتِ حَقًّا كَأَنَّهُ

إِذَا مَا تَخَطَّتْهُ الْأَمَانِيُّ بَاطِلُ

وَمَا أَقْبَحَ التَّفْرِيطَ فِي زَمَنِ الصِّبَا

فَكَيْفَ بِهِ وَالشَّيْبُ لِلرَّأْسِ شَامِلُ

تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى

فَعُمْرُكَ أَيَّامٌ وَهُنَّ قَلَائِلُ

عباد الله: في هذه الإجازات التي تعقب انقضاء عام من الدراسة والتحصيل العلمي، وما صحب ذلك من جَهْد وكدٍّ من الطالب والمعلم والأسرة، يكثر الفراغ، ويتسع الزمان لكثير من الأعمال.

والناس في هذا الفراغ أصناف، فمنهم الموفقون الذي يغتنمون فرصة الزمان، ويستثمرون نعمة الفراغ فيما ينفعهم ويصلح شأنهم في دينهم ودنياهم، يرتبون لأوقاتهم، ويخططون لأعمالهم، في مزيج من العبادة والترويح، فليست الإجازة في حسبانهم ليلاً ساهرًا يُقْضَى في مجلس لغو وقيلٍ وقال، أو في جولات عابثة بالأسواق وتضييق الطرقات، وإيذاء المؤمنين والمؤمنات، أو تتبع ما تبثّه كثير من الفضائيات وأمثالها مما لا يرضي الله ولا ينفع عباده، ولا يعين على حق، ولا يحجز عن باطل، ولا يحفظ خُلُقًا، ولا يهذّب سلوكًا.

وليست الإجازات أيضًا نومًا طويلاً يستغرق أكثر ساعات النهار، وتَفُوت به الواجبات من الجُمَعِ والجماعات، وتُعَطّل به المصالح والأعمال، وتَكْسُد به سوق الجدّ والنشاط، وتَرُوج به سوق العجز والكسل.

لكن الإجازة عندهم فرصة عظيمة للاستزادة من كل نافع تزكو وتكمل به العقول والنفوس والأبدان، وللتشمير عن ساعد الجد في استباق الخيرات، والتنافس في الباقيات الصالحات، والتمتع بالمباحات الطيبات؛ لأنهم يستشعرون عظم المسؤولية عند وقوفهم بين يدي مُسْدِي هذه النعم يوم القيامة، تلك المسؤولية التي أخبر عنها رسول الله -?- في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -? - قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم".

ألا فاتقوا الله عباد الله، وأحسنوا اغتنام أيامكم، واستشعروا نعمة زمانكم، فإنما المرء أيام إذا ذهب بعضها ذهب بعضه، ودنا من أجَلِه.

(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر:54-58].

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمد لله: أما بعد، فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن المسؤولية المنوطة بالأولياء من الآباء والأمهات والمربّين وأمثالِهم في حفظ أوقات الأبناء والبنات مسؤولية عظيمة، لا يصح الغفلة عنها أو التفريط فيها أبدًا.

وإنّ على من يسمع قول نبي الله -صلوات الله وسلامه عليه- في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته".

إن على من يسمع هذا البيان النبوي الكريم أن لا يُغْمِض الأجفان عن هذه المسؤولية المترتبة عليه في حق من استرعاه الله أمره من أولاده، فليست الإجازة سببًا يُسَوِّغ التفريط أو غضّ الطرف عما لا يجوز من أعمال وما لا يصح من سلوك بحجة الترفيه والتسلية وإرسال النفس على سَجِيّتها تفعل ما تشاء، وتذر ما تشاء، وإنما هي سبب يُقَوِّي جانب الرعاية، ويؤكد واجب العناية، ويتضح به شدة الحاجة إلى دوام التعهد، واستمرار الرقابة الحكيمة الواعية، الناشئة عن كثرة المخالطة واتصال السؤال ومتابعة الأحوال؛ لتنوّع الأخطار، وكثرة أسباب الفساد، مع سهولة التعرّض لها ويُسْر الاصطلاء بنارها. عافانا الله وإياكم وذرياتنا من كل سوء وفتنة.

وإن استشعار هذه المسؤولية لمن أعظم الامتثال لأمر ذي الجلال، إذ يقول في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

ألا وصلوا وسلموا...