البحث

عبارات مقترحة:

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

بركة الرزق

العربية

المؤلف ماجد بلال
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. تكفل الله بأرزاق خلقه .
  2. نعمة البركة في الرزق .
  3. أسباب الرزق والبركة .
  4. الأخذ بالأسباب الشرعية للرزق .
  5. الدنيا متاع زائل .

اقتباس

خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وقسم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رَفَعْتَ كف طعام إلى فمك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السموات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء، والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء، والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم...

الخطبة الأولى:

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله حقيقة التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبلى، وقرب المصير إلى الله -جل وعلا-.

عباد الله: إن الله أنعم علينا بنعم عظيمة، ومنن جليلة كريمة، نعم لا تعدّ ولا تحصى، ومننٍ لا تكافأ ولا تجزَى، فما من طرفة عين إلا والعبد ينعم فيها في نعم لا يعلم قدرها إلى اللهُ -جل وعلا-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6].

خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وقسم أرزاقهم وأقواتهم، فلم ينس منهم أحدًا، فما رَفَعْتَ كف طعام إلى فمك إلا والله كتب لك هذا الطعام قبل أن يخلق السموات والأرض، سبحان من رزق الطير في الهواء، والسمكة والحوت في ظلمات الماء، سبحان من رزق الحية في العراء، والدود في الصخرة الصماء، سبحان من لا تخفى عليه الخوافي، فهو المتكفل بالأرزاق، كتب الآجال والأرزاق، وحكم بها، فلم يعقب حكمه ولم يُردّ عليه عدله، سبحان ذي العزة والجلال مصرف الشؤون والأحوال.

وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أولاه من النعم، البركة في الأموال والبركة في العيال والبركة في الشؤون والأحوال نعمة من الله الكريم المتفضل المتعال، الله وحده منه البركة ومنه الخيرات والرحمات، فما فتح من أبوابها لا يغلقه أحد سواه، وما أغلق لا يستطيع أحد أن يفتحه.

لذلك -عباد الله-ـ: إذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه وقوته، إنها البركة التي يصير بها القليل كثيرًا، ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة وخير، فالعبرة كل العبرة بالبركة، فكم من قليل كثره الله؟ وكم من صغير كبره الله؟ وكم من كثير محقت بركته فأصبح صاحبه لا يهنأ بعيش بسبب محق بركته؟

وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له الأسباب، وفتح في وجهه الأبواب.

ومن أعظم الأسباب التي تفتح بها أبواب الرحمات والبركات:  تقوى الله -جل جلاله-، تقوى الله التي يفتح الله بها أبواب الرحمات، ويجزل بها العطايا والخيرات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)[الأعراف: 96].

الخير كل الخير وجماع الخير في تقوى الله -جل وعلا-، ومن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، فلن تضيق أرض الله على عبد يتقي الله، ولن يضيق العيش والرزق على من خاف الله واتقاه.

عباد الله: ومن أسباب البركات، ومن الأمور التي يفتح به الله أبواب البركات على العباد: الدعاء والالتجاء إلى الله -جل وعلا-، فهو الملاذ وهو المعاذ، فإن ضاق عليك رزقك، وعظم عليك همك وغمك، وكثر عليك دينك، فاقرع باب الله الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله -جل جلاله-: فهو الكريم الجواد.

وما وقف أحد ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبد فخيبه في دعائه ورجاه، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا إلى مسجده المبارك، فنظر إلى أحد أصحابه فوجده رجلاً وحيدًا فريدًا، ونظر إلى وجه ذلك الصحابي فرأى فيه علامات الهم والغم، رآه جالسًا في مسجده في ساعة ليست بساعة صلاة، فدنا منه الحليم الرحيم -صلوات الله وسلامه عليه-، وكان بأصحابه أبر وأكرم من الأب بأبنائه، كما وصفه الله- تبارك وتعالى-: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: 128].

وقف عليه رسول الهدى، فقال: "يا أبا أمامة، ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟" قال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هموم أصابتني وديون غلبتني، أي: أصابني الهم وغلبني الدين الذي هو همّ الليل وذل النهار، فقال: "ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟" -صلوات ربي وسلامه عليه-، ما ترك باب خير إلا ودلنا عليه، ولا سبيل هدى ورشد إلا أرشدنا إليه، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته،: "ألا أدلك على كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك؟".

قال: بلى يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "قل إذا أصبحت وأمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

قال رضي الله عنه وأرضاه: "فقلتهن فأذهب الله همي، وقضى ديني".

الله أكبر -عباد الله-: الدعاء حبل الله المتين، وعصمة بالله رب العالمين؛ لذلك في كل صلاة نقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5].

فإذا أراد الله أن يرحم المهموم والمغموم والمنكوب في ماله ودينه ألهمه الدعاء، وشرح صدره لسؤال الله -جل وعلا-، ومن بيده خزائن السموات والأرض إلا الله؟!

ومن أسباب البركات ومن الأسباب التي يوسَّع بها على أرزاق العباد: صلة الأرحام، قال: "من أحب منكم أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره وأن يزاد له في عمره فليصل رحمه".

صِلُوا الأرحام، فإن صلتها نعمة من الله ورحمة يرحم الله بها عباده، أدخل السرور على الأعمام والعمات والأخوال والخالات وسائر الأرحام والقرابات، فمن وصلهم وصله الله وبارك له في رزقه ووسع له في عيشه.

ومن أسباب البركات التي توجب على العباد الرحمات: النفقات والصدقات، فمن يسر على معسر يسر الله له في الدنيا والآخرة، ومن فرج كربة المكروب فرج الله كربته في الدنيا والآخرة.

فارحموا -عبادَ الله- يرحمكم من في السماء، والله يرحم من عباده الرحماء، وما من يوم تصبح فيه إلا وملكان ينزلان، يقول أحدهما: "اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".

وإذا علم الله من العبد أنه ينفق المال على الضعفاء من الآباء والأمهات والأقارب والجيران من الفقراء والمساكين فتح الله له أسباب الرزق، وذلك مصداق قول الحبيب المصطفى: "وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلا بِضُعَفَائِكُمْ؟!".

يا ابن آدم، أنفق ينفق الله عليك، وارحم الضعفاء يرحمك من في السماء، فرّجوا الكربات، وأغدقوا على الأرامل والمحتاجين، فإن الله يرحم برحمته عباده الراحمين، قال: "يا أسماء، أنفقي يُنفق الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك".

فمن أنفق لوجه الله ضاعف الله له الأجر؛ فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، ولك الخلف من الله، فما نقصت صدقة من مال.

ومن أسباب الرزق والغيث وكثرة الخيرات والبركات والأمطار  -عباد الله -ـ الاستغفار، قال سفيان الثوري: "إذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار".

وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍ فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب"[رواه أبو داود].

ويكفينا قول الله -جل وعلا- على لسان نوح -عليه السلام- لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)[نوح: 11-14].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

وبعد:

عباد الله: ومن الأسباب التي يبارك الله بها في الأرزاق، بل يبارك بها في الأعمار، وفي أحوال الإنسان: العمل والكسب الطيب، الإسلام دين العمل، دين الكسب الحلال الذي يعف الإنسان به نفسه عن القيل والقال، وسؤال الناس، فـ"من سأل الناس تكثرًا جاء يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم" -والعياذ بالله-.

خذ بأسباب الرزق، وابحث عن مظانه تجده -بإذن الله-: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[الملك: 15].

بسط الله الأرض، وأخرج منها الخيرات والبركات، وجعل الخير في العمل والشر في البطالة والكسل، والإسلام دين الجهاد والعمل، قال يرشدنا إلى فضل الأعمال وما فيها من الخير في الأرزاق: "وجعل رزقي تحت ظلّ رمحي".

فليست الأرزاق أن يجلس الإنسان في مسجده، فلا رهبانية في الإسلام، فإن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، خذوا بالأسباب واطلبوا الرزق الحلال من أبوابه يفتح الله لكم من رحمته، وينشر لكم من بركاته وخيراته.

الرجل المبارك يسعى على نفسه وأهله وولده، فيكتب الله له أجر السعي والعمل، ليس العمل بعيب ولا عار، فقد عمل أنبياء الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، كان نبي الله داود يعمل صنعة لبوس، فكان يعمل في الحدادة، فكانت منة من الله على عباده. ليس بعار أن تكون حدادًا، أو نجارًا.

ولكن العار كل العار في معصية الله -جل وعلا- والخمول والكسل والبطالة، حين يعيش الإنسان على فتات غيره، حين يعيش الرجل على فتات غيره مع أنه صحيح البدن قوي في جسده، فهذا من محق البركة في الأجساد.

فخذوا  -رحمكم الله -: بأسباب البركة بالعمل المباح، والكسب المباح، فلن يضيق الرزق -بإذن الله- على من اكتسب، قال صلى الله عليه وسلم:  "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا".

فأخبر أنها تغدو وتروح، فمن ذهب للرزق يسر الله أمره، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه"[رواه مسلم (2/721)].

إذا المرء لم يكسب معاشًـا لنفسـه

شكا الفقرَ أو لام الصديق فأكثرا

وصـار على الأدنين كلاً وأوشكت  

صِلات ذوي القربَى له أن تنكَّرا

فسـر فِي بـلاد الله والتمس الغنى  

تعش ذا يسار أو تَموت فتُعـذرا

فما طالب الحاجات من حيث  

يبتغي من الناس إلا مـن أجدّ وشمـرا

ولا ترض من عيش بدون ولا تنم  

وكيف ينام الليلَ من كان معسرا

ولا تحزن  -يا عبد الله-: إذا لم يصبك شيء من متاع الدنيا، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب، وليكن لسان حالك الحمد لله على كل حال، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ".

اللهم بارك لنا فيما أعطيت، اللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ همِنا ولا مبلغَ علمِنا ولا إلى النار مصيرنا.

واعلموا  -رحمكم الله -: أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله عل الجماعة، ومن شذ شذ في النار -عياذا بالله-.

وصلوا وسلموا  -رحمكم الله- على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (يَا إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك وحبيبك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين من اليهود والنصارى والزنادقة الملحدين.