العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كم من رجل يشكو إلى الله -تعالى- تقصير زوجته في النظافة, إن كان في جسدها, وإن كان في ثيابها ورائحتها, وإن كان في بيتها، مع أننا نعلم جميعاً بأن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ربَّى الأمة رجالاً ونساءً على النظافة بكلِّ ميادينها, ولكن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن طاعة سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- فرضٌ علينا, وهي سرُّ سعادتنا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].
وهل العبد الذي ينعم الله عليه في الآخرة بهذه المعية لا يكون منعماً في الحياة الدنيا؟
ومخالفة أمره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هي سبب للفتنة والعذاب الأليم, قال تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النــور: 63].
أيها الإخوة الكرام: إن واقعنا مرير من حيث الأسرة, حيث لا يجد الكثير من الناس السكن, بل الشقاء والخلاف الذي يوصل في كثير من الأحيان إلى أيمان الطلاق والحرام.
أيها الإخوة الكرام: إن الشقاء الذي يكون في الأسرة بسبب الزوجة يتحمَّل الزوجُ جزءاً كبيراً منه؛ لأنه ما سمع أمر رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي وجَّهه لحسن اختيار الزوجة, جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا, وَلِحَسَبِهَا, وَلِجَمَالِهَا, وَلِدِينِهَا, فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
نعم لُصِقَت يدك بالتراب حسرة وندامة؛ لأنَّك ما ظفرت بصاحبة الدين, لقد كنت حريصاً على الحسناء ولو بدون دين, حريصاً على الغنية ولو بدون دين.
المرأة غير الملتزمة لن تحقِّق لك السكن, ولن تجد عندها المودة والرحمة؛ لأنها لا صلة لها مع كتاب ربها -عز وجل- القائل: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)[النساء: 34].
ولا صلة لها مع سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- القائل لابن عباس -رضي الله عنهما-: "ألا أُخْبرك بخير ما يَكْنِزُ المرءُ؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سَرَّتْهُ، وإذا أمَرَهَا أطاعتْه، وإذا غاب عنها حفظتْه"(رواه أبو داود).
الكثير من النساء اليوم صلتها بالدين اسماً, وأما السلوك فهو تقليد لشرقٍ أو لغرب ممن لا صلة له بدين ولا أدب ولا قيم ولا أخلاق.
يا أخي الكريم: كن حريصاً على الزوجة صاحبة الدين والخلق, التي تؤمن بالله واليوم الآخر, كن حريصاً على هذه المرأة التي التزمت قول الله -تعالى-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ)[النساء: 34] فهي تخاف الله -عز وجل- فيك, وتحقق لك السكن؛ لأن الله -تعالى- رقيب عليها وسيحاسبها إن قصَّرت, وهي التي تسرك إذا نظرت إليها.
أيها الإخوة الكرام: إنَّ من أسباب الخلاف في الحياة الزوجية هو: تقصير المرأة في النظافة, وهذا أمر ملاحظ وبكلِّ أسف, فكم من رجل يشكو إلى الله -تعالى- تقصير زوجته في النظافة, إن كان في جسدها, وإن كان في ثيابها ورائحتها, وإن كان في بيتها.
مع أننا نعلم جميعاً بأن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ربَّى الأمة رجالاً ونساءً على النظافة بكلِّ ميادينها, ولكن وبكلِّ أسف صارت النظافة شعاراً وعنواناً لغير المسلمين.
واقعنا مرير في مسألة النظافة, انظروا إلى شوارع المسلمين في مسألة النظافة, انظروا إلى شوارع المسلمين وإلى أسواقهم ومحلاتهم التجارية, وانظروا إلى بيوتاتهم -إلا من رحم الله تعالى- لا تجد فيها النظافة, وإن دلَّ هذا على أمر, فإنه يدلُّ على قلة الإيمان وضعفه, ألم يقل سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الإِيمَانِ"(رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).
الاهتمام بنظافة الجسد بشكل عام:
أيها الإخوة الكرام: اسمعوا وأسمعوا نساءكم ومحارمكم حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي يرويه الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ".
يا عباد الله: وإن كان ظاهر الحديث يخاطب المسلم فقط, بل هو في الحقيقة يخاطب المرأة كما يخاطب الرجل؛ لأن حال المرأة في ديننا مبنيٌّ على الستر, فكما يقول الله -تعالى- في القرآن العظيم مخاطباً الرجال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) فهو شامل المرأة كذلك, وهكذا في هذا الحديث الشريف.
يا أختاه: إن كان الرجل مأموراً بالاغتسال في كل أسبوع مرَّة فأنتِ من باب أولى وأولى؛ لأن الله -تعالى- وصف المرأة بقوله: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف: 18].
يا أختاه: إن الاهتمام بنظافة الجسد بشكل عام, سبب كبير من أسباب سرور الزوج, وبذلك يتحقَّق قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إذا نظر إليها سَرَّتْهُ".
ومن أدخلت السرور إلى قلب زوجها لا شكَّ ولا ريب بأنه سيُدخل السرور إلى قلبها, وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
فأولاً: الاهتمام بنظافة الجسد.
ثانياً: الاهتمام بنظافة الثياب والشعر:
يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف: 26].
وأخرج الإمام أبو داود في سننه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ, فَقَالَ: أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ, وَرَأَى رَجُلاً آخَرَ وَعَلْيِهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ: أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ".
اسمعي -أيتها الزوجة الصالحة- إلى توجيه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- للاهتمام بنظافة الشعر والثياب, فالإسلام هو دين النظافة, وبكون الإنسان ينظر إلى ظاهر الإنسان فيجب عليه الاهتمام بنظافة ثوبه وشعره حتى لا يكون منفِّراً, فكيف بالزوجة أمام زوجها؟ فهي من باب أولى وأولى يجب عليها أن تهتمَّ بنظافة ثوبها وشعرها, وإلا نفَّرت زوجها منها.
المرأة الصالحة إذا نظر إليها زوجها سرته, ومن دواعي سرور الرجل أن يرى زوجته مهتمة بنظافة ثيابها وشعرها, وهذا ما أكَّده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقوله: "مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ"(رواه أبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه-).
أيها الإخوة الكرام: كثير من النساء تهتمُّ بنظافة ثيابها وترتيب شعرها إذا أرادت الخروج من البيت, أما داخل البيت أمام زوجها فتراها مقصِّرة في هذا الجانب, وهذا ما يجعل خلافاً شديداً بينها وبين زوجها, بحيث لا تحقِّق المرأة لزوجها السكن النفسي من خلال قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إذا نظر إليها سَرَّتْهُ".
فاتقي الله -يا أختاه- في زوجك, واعلمي بأن الزوجة الصالحة هي التي تهتمُّ بنظافة ثيابها، وترتيب شعرها، لتحقِّق السكن النفسي لزوجها, ولتعفَّه عن الحرام.
واعلمي -يا أختاه- بأن المرأة الصالحة هي التي تطيع ربها -عز وجل- من خلال اهتمامها بنظافتها في ثيابها، وترتيب شعرها لزوجها.
ثالثاً: الاهتمام بنظافة الفم والأسنان: أخرج الإمام أحمد عن جَعْفَرُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَوْا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أَوْ أُتِيَ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا, اسْتَاكُوا لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ". القلح: الذي يسبب رائحة كريهة في الفم, فكيف لا تهتم المرأة المسلمة بنظافة فمها وأسنانها حتى لا يجد زوجها منها إلا الرائحة الطيبة؟
كم من مشكلة حصلت في البيت بين الزوجة وزوجها بسبب عدم اهتمام الزوجة بفمها وأسنانها, وربما دفع الزوج للنفور من زوجته وكراهيته لها؟
فاتق الله -يا أختاه- في الزوج من خلال الاهتمام بنظافة الفم والأسنان, فأنت مسؤولة أمام الله -عز وجل-, وحافظي على السواك الذي هو مطهرة للفم ومرضاةٌ للرب -عز وجل-.
رابعاً: الاهتمام بنظافة البيت:
أخرج الإمام عن سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ -رضي الله عنه- قال: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ, نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ, كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ, جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ, فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ".
يا أختاه: اسمعي وصية سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, واسمعي أمره, وهو يقول: "فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ".
واحذري من التقصير في هذا الجانب, ولا تتشبَّهي باليهود, واعلمي بأن الله -تعالى- يحبُّ النظافة؛ لأن النظافة راحة للإنسان, وإن اهتمامك بنظافة البيت يحقِّق السكن للزوج الذي ينشده من خلال حياته الزوجية, فلا تقصِّري في نظافة البيت حتى لا يكون سبباً للخلاف في حياتك الزوجية.
خامساً: التجمُّل بشكل عام:
اسمعي -يا أختاه- إلى ما رواه الإمام الترمذي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ, وَلا يَدْخُلُ النَّارَ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ, قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا وَنَعْلِي حَسَنَةً, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ, وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ، وَغَمَصَ النَّاسَ".
يا أختاه: شأن المرأة المسلمة هي التي تحبُّ الجمال والتجمُّل؛ لأن الله -تعالى- يحبُّ الجمال, ولكن اجعلي هذا لزوجك حتى تصونيه عن الحرام.
يا عباد الله: انقلوا هذا الحديث لنسائكم وبناتكم ومحارمكم, أخرج الإمام الترمذي عن عمرو بن شُعْيبٍ عن أَبيه عَنْ جدِّهِ -رضي الله عنه- قال: قالَ رسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم-: "إِن اللَّه يُحِبُّ أَنْ يُرى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلى عبْده".
ومن آثار النعمة التي يحبُّ مولانا أن يراها: النظافة بكلِّ صورها وأشكالها, ومسؤولية هذا الأمر تقع على الرجال؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- يقول: "والرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمسؤولٌ عنْ رَعِيَّتِهِ"(رواه البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما-).
فمن رعايتك لأسرتك: أن تعلِّمهم ما سمعت, قولاً وسلوكاً, وخاصة قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "إذا نظر إليها سَرَّتْهُ".
أيها الإخوة الكرام: عالجوا هذا الموضوع مع نسائكم بالحكمة والموعظة الحسنة, ولا تعالجوه من خلال أيمان الطلاق والحرام إذا قصَّرت المرأة في النظافة بشكل عام, عالجوا هذا الموضوع بالتعليم لنسائكم ولا تعالجوه بالضرب والشتم واللعن والقسوة والإهانة والتحقير.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.