البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

أحكام الاستئذان الخاصة داخل البيوت وآداب دخولها

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. نعمة البيوت .
  2. أحكام الاستئذان داخل البيوت .
  3. من الأذكار عند دخول البيت .

اقتباس

لقد منَّ الله تعالى علينا بالسكن، وجعله من النعم العظيمة، وهو يُعدد نعمة الكثيرة فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..) ووضع لمن يريد الدخول إليه من غير أهله أحكاماً وآداباً هي من الدين يثاب من تأدب بها، ويعاقب من تجاوزها وانتهكها، وجعل لأهل البيوت آداباً أوجب بعضها عليهم، وندبَهم لفعل بعضها الآخر؛ لتكون البيوت سكناً كما أرادها سبحانه لعباده ..

أما بعد:

أيها الإخوة: لقد منَّ الله تعالى علينا بالسكن، وجعله من النعم العظيمة، وهو يُعدد نعمة الكثيرة فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا..) [النحل:80] ووضع لمن يريد الدخول إليه من غير أهله أحكاماً وآداباً هي من الدين يثاب من تأدب بها، ويعاقب من تجاوزها وانتهكها، وجعل لأهل البيوت آداباً أوجب بعضها عليهم، وندبَهم لفعل بعضها الآخر؛ لتكون البيوت سكناً كما أرادها سبحانه لعباده..

نعم لقد أراد الإسلام البيوت أن تكون مكاناً للسكينة النفسية والاطمئنان الشعوري.. مكاناً يسوده التآلف والمودة بين ساكنيه.. وليس مكاناً للنزاع والخصام والشقاق بينهم.. ومن أجل توطيد هذه العلاقة بين أهل البيت شُرعت أحكام الاستئذان الخاص كما يسميها بعض أهل العلم، أو أحكام الاستئذان داخل البيوت..

أيها الإخوة: البيت إما أن يكون مقتصراً على الزوجين فقط أو يشاركهما فيه آخرون، ولكل واحد منهما أحكامه.. فمن السنة للزوج عند الدخول على بيت ليس فيه أحد إلا زوجته إيذانها بالدخول أي إعلامها.. إما بالتنحنح أو الطرق بالنعل أو نحو ذلك مما ينبهها لقدومه؛ لأنها ربما كانت على حالٍ لا تريد أن يراها زوجها عليها، ثم فيه إشعار لها لتقوم باستقباله والترحيب به، وهذا يدخل السرور على قلب الزوج ويزيد من الألفة بين الزوجين.. فعن زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنهما قَالَتْ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ تَنَحْنَحَ وَصَوَّتَ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

وسأل مهنا الإمام أحمد عن رجل إذا دخل على أهله هل ينبغي له أن يستأذن.؟ قال يحرك نعله إذا دخل.. وقال رحمه الله وإذا دخل على أهله تنحنح..

أيها الإخوة: أما إذا كان في البيت أحدُ محارمه، كأمه وأخته وغيرهما ممن لا يصح أن يراها عريانة حرم دخوله بغير إذن قال الله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا..) [النور: 59]. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا). أي ما معناها قَالَ: وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا إِذَا احْتَلَمُوا، أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا. وعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَسْتَأْذِنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: «اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا». فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي خَادِمُهَا فَقَالَ: «أَتُحِّبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً.! قَالَ: لاَ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنْ عَلَيْهَا». رواه مالك في الموطأ والبيهقي في السنن الكبرى وصححه ابن حجر وغيره مرسلاً.

وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع قال: كان بن عمر رضي الله عنهما إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن، وجاء رجل إلى بن مسعود رضي الله عنه فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: ما على كل أحيانها تريد أن تراها، وسأل رجل حذيفة رضي الله عنه أستأذن على أمي.؟ قال: إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره، وقال عطاء سألت بن عباس أستأذن على أختي، قال: نعم قُلْتُ: إنها في حجري.! قال: أتحب أن تراها عريانة. قال ابن حجر بعد أن ساق هذه الآثار: وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة. والمتأمل لهذه الآثار يرى أنها تعلل الأمر بالاستئذان حتى لا يدخل عليها وهي مكشوفة العورة فيقع بصره على ما لا يحل له النظر إليه منها ولذلك وجب الاستئذان..

أيها الأحبة: المتأمل لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيَّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور: 58].

يرى فيها أن الله سبحانه بين أحكام الاستئذان داخل البيوت فالخدم من الرقيق، والأطفال المميزون الذين لم يبلغوا الحلم يدخلون بلا استئذان. إلا في ثلاثة أوقات تنكشف فيها العوراتُ عادة، فهم يستأذنون فيها. هذه الأوقات هي: قبل صلاة الفجر؛ حيث يكون الناس في ثياب النوم عادة أو أنهم يغيرونها ويلبسون ثياب الخروج، ووقت الظهيرة عند القيلولة حيث يخلعون ملابسهم في العادة ويرتدون ثياب النوم للراحة، وبعد صلاة العشاء حين يخلعون ملابسهم كذلك ويرتدون ثياب الليل..

وسماها عَوْرَاتٍ لانكشاف العورات فيها، وفي هذه الأوقات الثلاثة لا بد أن يستأذن الصغار المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، كي لا تقع أنظارهم على عورات أهليهم..

وأما ما عدا هذه الأوقات الثلاثة فقد قال الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ) [النور: 58] أي: ليسوا كغيرهم، فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال: (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النور: 58] أي: يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم.. ويختم سبحانه الآية بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور: 58]؛ لأن المقام مقام علم الله بنفوس البشر، وما يصلحها من الآداب؛ ومقام حكمته كذلك في علاج النفوس والقلوب..

الله أكبر -أيها الإخوة- يا له من أدب رفيع غفلت عنه بعض بيوت المسلمين، فصارت الغرف في البيوت مع الأسف حلالاً لكل ساكن في البيت.. ليس للفرد في البيوت مكان يختص فيه، مستهينين بآثاره النفسية والعصبية والخلقية ظانين أن الخدم لا تمتد أعينهم إلى عورات السادة! وأن الصغار قبل البلوغ لا ينتبهون إلى هذه المناظر.. بينما يقرر النفسيون اليوم وبعد تقدم العلوم النفسية أن بعض المشاهد التي تقع عليها أنظار الأطفال في صغرهم قد تؤثر في حياتهم كلها، وقد تصيبهم بأمراض نفسية وعصبية يصعب شفاؤهم منها.. والعليم الخبير يؤدب المؤمنين بهذه الآداب؛ وهو يريد أن يبني أمة سليمة الأعصاب، سليمة الصدور، مهذبة المشاعر، طاهرة القلوب، نظيفة التصورات.

أيها الإخوة: مما سبق يتبن لنا أن الأولاد إما أن يكونوا بالغين، فعليهم الاستئذان في كل وقت، وإما أن يكونوا بعد التمييز ودون البلوغ، وهؤلاء يستأذنون في الأوقات الثلاثة، وقد حدد بعض أهل العلم من يلزمه الاستئذان بأربع سنين ومنهم غير ذلك.

أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالفقه في دينه إنه جواد كريم..

الخطبة الثانية:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 -71].

أحبتي: من السنة ذكر الله والسلام عند دخول البيت، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ: أَدْرَكْتُمْ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ». رواه مسلم.

قال النووي رحمه الله: معناه قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته، وفى هذا استحباب ذكر الله تعالى عند دخول البيت وعند الطعام.. قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله: في شرح رياض الصالحين: وفي هذا: حثٌ على أن الإنسان ينبغي له إذا دخل بيته أن يذكر اسم الله، والذكر الوارد في ذلك: «اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى الله رَبنَا تَوَكلْنَا». ثم يستاك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته فأول ما يبدأ به السواك ثم يسلم على أهله.

فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ: «اللَّهُم إِني أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللّهِ رَبنَا تَوَكلْنَا، ثُمّ لِيُسَلمْ عَلَى أَهْلِهِ». رواه أبو داود، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: صحيح الإسناد.

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ». رواه الترمذي، وقال الألباني حسن لغيره.

وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنةَ: مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللّهِ، وَمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ».. رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان، وقال الألباني: صحيح.

فما أجزل هذه العطية من الله تعالى وأغلاها..