البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

التحايل على المحرمات

العربية

المؤلف مراد الفرحاني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - أركان الإيمان
عناصر الخطبة
  1. التحايل سمة اليهود .
  2. صور التحايل على المحرمات .
  3. أضرار التحايل على المحرمات .
  4. عقوبة التحايل على المحرمات. .

اقتباس

يتورَّع المرء عن معاملات محرّمة صراحة، ولا يرى بها بأسًا حينما تأتيه بثوب مصبوغ، ولون مغاير، وينسى أو يتناسى وعيد الله ووعده، ويتجاهل نهي الله وزجره! فويل له كيف يتعامى وقد سمع رسوله الكريم –صلى الله عليه وسلم- يهتف: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّن"(البخاري ومسلم)، ويا ويحه! كيف تتسنى له مخادعة الله الذي لا تخفى عليه الخوافي، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض والجبال والفيافي..

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]،  أما بعد:

أيها الناس: لقد رهَّبَ الله العباد من عصيانه، وحذَّرهم من التعدي على حرماته، فشرَّع الشرائع، وحدَّ الحدود، ورتَّب على تجاوزها العذاب الأليم، (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].

عباد الله: في قرية مطلَّة على ساحل البحر، يقتات أهلها منه لحمًا طريًّا، ويبتغون فيه من فضل الله ونعمته، اختار الله لهم يوم الجمعة عيدًا، فأبوا خيرة الله، وابتدعوا لأنفسهم يوم السبت فعظَّموه، فابتلاهم الله بأن حرم عليهم الصيد فيه، فكان يومًا للعبادة والتفرغ، لا يقومون فيه بعمل، ولا يزاولون فيه مهنة؛ فكانت الحيتان تكثر يوم عيدهم، وتقلَّ أيام صيدهم، فهاجت مطامع فريق منهم، وسال لعابهم أمام هذا الإغراء، ففسقوا عن أمر ربهم، واحتالوا على نهي خالقهم؛ فلم يصطادوا، بل اصطادت شِبَاكُهُم، وأكلتها بطونهم، وقد حكت لنا الآيات حكايتهم: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)[الأعراف:163]؛ فاستحقوا بذلك العذاب، وأي عذاب؟ (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)[الأعراف:166]، فأصبحوا وقد مُسخَت صورُهم، يعرفون من يأتي إليهم بأنسابهم، ولا يعرفهم من يأتي إليهم لتشابه صورهم.

عباد الله: إن التحايل على حدود الله من سمات اليهود، وفتح الأبواب الخلفية والنوافذ المغلقة من صفات بني إسرائيل، فهم الذين احتالوا على الله في أكل الشحوم وقد حُرِّمت عليهم: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ)[الأنعام:146]، قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ"(البخاري ومسلم)، وهم الذين قال الله لهم: (ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا)[النساء: 154]، فدخلوا زاحفين على أدبارهم، وهم الذين قال الله لهم: (وَقُولُوا حِطَّةٌ)[الأعراف:161]، فقالوا: وما حطَّة؟ حبة في شعيرة، وهم الذين ناداهم المولى: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)[البقرة:93]، وهكذا هي حياتهم، سلسلة من التحايل على أوامر الله، ولَيِّ أعناق النصوص في شريعة الله؛ فكانت العاقبة ما أخبر المولى عنهم: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)[المائدة:60].

أيها المؤمنون: إن للتحايل على حرمات الله صورًا، وللتعدي على حدود الله سُبُلاً، ومن أهم هذه الصور:

أولًا: التحايل في الحصول على المال؛ فلأن الإنسان خلق هلوعًا، ولأنه جُبِلَ على حبه للمال حبًّا جمًّا، ولأن ذلك الحب أعمى لا يُبصر؛ فإنه قد غطى على كثير من البصائر، فطلب أهلها المال بكل الطرق، وجمعوه بكل الأساليب، فخاضوا في سبيل الحصول عليه كل غمار، وقعدوا له بكل مرصد، وابتكروا له كل حيلة وخديعة، ففي البيع والشراء غشٌّ وتطفيف، وفي الاقتراض إتيان للربا من غير بابه، عبر مبايعة بالعينة، والتي ليست سوى الوجه الآخر للربا، والباب السريّ للولوج إليه، فباع التاجِر بضاعةً لمقترضٍ بثمَن إلى أجل، ثم اشتراها منه نقدًا بسعر أقلّ، وهذا البيع ظاهره فيه السلامة، وباطنه من قبله الربا والعذاب، (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:9].

ثانيًا: التحايل على التشريعات الربانية: فلم تسلم تشريعات الله من الاحتيال عليها، وإظهارها بمظهر عدم مطابقتها لواقع ابن آدم ومتطلباته، فانبرى أقوام يحادُّون الله ورسوله، ويتحايلون على تشريعات الدين الحنيف، فأحلوا ما حرَّم الله افتراء عليه؛ فمنعوا بعض الورثة من نصيبهم بوصية جائرة، وحرموا آخرين بقسمة ظالمة، وتلك لَعَمْرُ الله الفاقرة، والتي أوقدت في القلوب اللواعج، وأرسلت على جدران الأخوة والألفة شواظًا من نار، وتلاعب آخرون بشريعة الله في الطلاق بتيس مستعار، يُحلِّلُ للمرء زوجته بعد أن بانت منه لتعود إليه، وهو لا يريدها زوجًا، ولكنه استُعير لمهمة استلم حقها مسبقًا.

وميَّع أقوام دين الله بتتبع الرخص، واقتفاء زلات العلماء، فتنقلوا بين المذاهب، ونقبوا في بطون الكتب، وأخذوا بالشاذ والضعيف؛ يبتغون رخصة، ويبحثون عن عذر، ويستنتجون إباحة، ففي كل واد لهم أثر، وفي كل ناد لهم قدم، يُميِّعون الدين باسم التيسير، ويضيِّعون أحكامه بدعوى المرونة والمواكبة: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:132].

ثالثًا: تلك الحيلة الآثمة التي تهوِّنُ ارتكاب الحرام، فتزيِّنه بعد أن كان شنيعًا، وتجمِّلُه بعد أن أمسى قبيحًا: ألا وهي تسمية الشيء بغير اسمه، وإلباسه غير لباسه، وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، وتلك هي الطامة الكبرى، والخديعة العظمى، والتي قد تنطلي على من ليس له في العلم نظر، وليست له في الفقه يد، فالربا الذي يعلم القاصي والداني حرمته، ويفرُّ من التعامل به فراره من الأسد، يتعامل به المرء بأريحية حين يكون تحت مسمى الفوائد والأرباح، والخمر الذي تعافه النفوس، وتنفر منه الطِّباع، تشربه بعضها حين يسمونه مشروبًا روحيًّا، وقد تنبأ بذلك سيد المرسلين –صلى الله عليه وسلم- فقال: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا"(أبو داود وصححه الألباني)، والقمار الذي ترتعد عند ذكره الفرائص، يدخله أقوام من بوابة المسابقة والسحب على الجائزة، أما الزنا وما يرافقه من الرقص والاختلاط والفجور، فتلك الفاحشة المقيتة، والتي لا يذكرها لسان إلا وقال: العياذ بالله، فإنه يخف وقْعُ هذا التعوُّذ، ويضعف تصور حجم تلك الفاحشة حين يكون على شكل ليلة حمراء.

وأشد من ذلك وأفظع: أن يكون التطاول على المقدسات، والطعن في المسلَّمات، وردُّ الآيات البينات، والتطاول على الذات الإلهية، والجناب النبوي، والشرع الرباني، نوع من أنواع حرية التعبير، والرأي والرأي الآخر.

عباد الله: إن لهذه الطرق الملتوية أضرارًا جسيمة، وعواقب وخيمة، فهي نذير بالفساد العميم، وداعية لتنكب الصراط المستقيم، ونزول العذاب المقيم، فمن كانت سمته التمويه والخداع، وذريعته التحايل والالتواء، على حدودِ ملك الأرض والسماء، باء بسخط من الله، واستوجب عقوبة مولاه، كيفَ والحيلُ محرّمةٌ بالكتابِ والسنّة، والعرف والأجماع؟!

قال ابن القيم -رحمه الله-: "الحيَل المحرمة مخادَعةٌ لله، ومخادَعَة الله حَرام، فحقيقٌ بمن اتقى الله وخاف نكالَه أن يحذرَ استحلال محارِم الله بأنواع المكرِ والاحتيال"(إعلام الموقعين).

فواعجبًا! عمن يتورَّع المرء عن معاملات محرّمة صراحة، ولا يرى بها بأسًا حينما تأتيه من الأبوابِ الخلفية بثوب مصبوغ، ولون مغاير، فيتقبلها بقبول حسن، وينسى أو يتناسى وعيد الله ووعده، ويتجاهل نهي الله وزجره! فويل له كيف يتعامى وقد سمع رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- يهتف: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّن"(البخاري ومسلم)؟ ويا ويحه! كيف تتسنى له مخادعة الله وهو الذي لا تخفى عليه الخوافي، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض والجبال والفيافي!.

فيا عبد الله: لِمَ التحايل في تحصيل الرزق والرزاق متكفل بإيصاله إليك؟ ولِمَ الاتكال على الطرق الملتوية في الحصول على المال وهو يطلبك كما يطلبك أجلك؟ فلتقرَّ عينًا، ولتهدأ نفسًا، ولتؤمن بالله وقضائه، ولتسْعَ في التقرب إليه وإرضائه.

اعتبِرْ نحنُ قسَمْنا بينهُم

تلْقَهُ حقًّا وبالحقِّ نزَلْ

فَاترُكِ الحيلةَ فيهَا واتّئِدْ

إنَّما الحيلةُ في تركِ الحِيَلْ

اللهم اهدنا رشدنا، وبصَّرنا عيوبنا، واسلل سخيمة قلوبنا، وتوفنا وأنت راض عنا، إنك سميع الدعاء.

أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

أيها المؤمنون: في قرية أخرى من قرى اليمن، وفي جنة يأكل منها أهلها رغدًا حيث شاءوا، مات الأب، فتغيرت نفوس الأبناء، واستولى على أفئدتهم الحرص، فاحتالوا على إيتاء الفقراء حقهم الذي كان في حياة أبيهم معلومًا، فأقسموا ليصْرِمُنَّها مصبحين، وتواطؤوا أن لا يدخلنَّ عليهم مسكين، وعقدوا على ذلك نيَّاتهم، فأصبحوا إليها مسرعين، وتوجهوا لصَرْمِهَا عازمين، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[آل عمران:54]، فلم يرعهم إلا منظرها، ولم يفجَأْهُم سوى حالها، فبعد أن كانت قطوفها دانية، وثمرتها طيبة هانئة، أصبحت سوداء كالليل البهيم، فأحرق الله عليهم جِنَانَهُم، وروَّع جَنَانَهم؛ عبرةً لكل مُحتال، وتربيةً على الطاعة والامتثال، فرجعوا إلى أنفسهم، وتذكروا سوء فعلتهم، وعرفوا خطأ احتيالهم، فقالوا: (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ)[القلم:29-32].

لقد كانت العاقبة من نفس الفعل، وكان الجزاء من جنس العمل، فحُرموا ثمرة الجنة بعد أن عزموا على حرمان المسكين والمحتاج، وعوقبوا بالمنع بعد أن منعوا حق البائس الفقير، (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[آل عمران:182].

إن الله -تعالت كلمته- حين حرَّم التحايل على الحرمات، سدَّ كل طريق مؤَدِّية إليه، وخاطب القلوب بتفعيل الرقابة الذاتية، وأيقظ فيها المخافة الربانية، ونعى لها ما حصل على اليهود باحتيالهم على حدود الله؛ كل ذلك لتنزجر، وإلا فما أكثر الحيل حين تغيب رقابة الله! وما أسهل تعدي الحدود حين يضعف الخوف من الله!

ولما كان في هذه الأمة إمَّعات يتبعون كل ناعق، ويقتفون اليهود حذو القذة بالقذة، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، جاء التحذير للعاصي من مغبة احتياله، وبيَّنت النصوص أن ذلك المسخ الذي حصل ليهود ليس خاصًا بهم، وليست هذه الأمة من تلك العقوبة في مأمن، ولا هي عنها بمنأى، فإن سارت في درب التحايل فإلى العقوبة وصلت، وإن مشت في طريق الهداية فلنفسها من عذاب الله منعت، فقد روى البخاري عن أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، -إلى أن قال:- وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ".

فليعلم المتحايل على شرع الله أن أمره إلى تباب، وأن مكره إلى يباب، (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)[فاطر:43]، وليتذكر أنه حين يخادع الله فإن الله خادعه، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور:63].

اللهم ردنا إليك ردًّا جميلًا، واجعلنا من الهداة المهتدين، وتول أمرنا فإنك أرحم الراحمين.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه.