الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | محمود بن أحمد الدوسري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان - التوحيد |
فمن أحب إنسانًا، أو صنمًا، أو نظامًا، أو غيره حتى أصبح يذل له ويقدم طاعته وحبه على حب الله -تَعَالَى- وطاعته، ويقدم أمره ونهيه على أمر الله ونهيه، وقع في هذا النوع من الشرك بدون أن يشعر، فليحذر المسلم الغلو في محبة أي شيء كان، وليعلم...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ؛ صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29]، اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ واحذروا من الشرك وأهله؛ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48].
عباد الله: إن الأصل الأعظم الذي لا تصح عبادة الله إلا به والجنة حرام على من تركه ونقضه، هذا الأصل هو إفراد الله بالعبادة وهو الأصل الذي أمر الله به عباده وبعث به الرسل جميعا قال -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وقال -تَعَالَى- (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، وقال -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].
فالرُسل كلهم بُعثوا بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، فكل ما عُبد من دونه فهو معبود بالباطل، عبد غير الله فهو مشرك كافر والجنة عليه حرام، قال -تَعَالَى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72].
والشرك أعظم الذنوب، ومحبط لكل الأعمال، وسبب للخسارة والهوان، قال -تَعَالَى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر: 65].
وهذه أمثلة على بعض العبادات التي جعلت لغير الله في كثير من بلدان المسلمين فمنها الدعاء والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقد نهى الله عباده عن دعاء غيره معه فقال -تَعَالَى- (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 18]، وبيَّن لهم أنه وحده بيده دفع الضر وكشفه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى، قال -تَعَالَى-: (وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ)[يونس: 106]، وقال -تَعَالَى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فاطر: 14].
فبيَّن –سبحانه- أن المدعو من دون الله، من أصنام أو جن أو ملائكة أو أنبياء أو أولياء أو صالحين، لا يسمعون دعاء من دعاهم: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ)؛ لأنهم مخلوقين ضعفاء ليس بيدهم نفع أو ضر، ولا يملكون من قطمير، وهو اللفافة التي على نواة التمر، فهم لا يملكون ما يطلب منهم ولا يسمعون دعاء من دعاهم: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ)؛ ثم قال -تَعَالَى-: (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ)؛ فلو فُرض أنهم سمعوا لم يستجيبوا لعجزهم، ثم قال -تَعَالَى-: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ)، فسمى دعاءهم إياهم شركاً، فلله ما أعظمها من آية كافية شافية في إبطال حُجج المشركين.
ومن أنواع العبادة الشرك: اتباع من يحلل ما حرم الله أو يحرم ما احل الله.
لما سمع عدي بن حاتم -رضي الله عنه- رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتلو قوله -تَعَالَى- (اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَاباً مِن دُونِ اللَّهِ)[التوبة: 31]، فقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَجَلْ، وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللهُ، فَيَسْتَحِلُّونَهُ، وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللهُ، فَيُحَرِّمُونَهُ، فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ" قال الله -تَعَالَى- عنهم: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ)[يونس: 59].
ومن مظاهر الكفر التي استهان بها الناس: السحر والكهانة والعرافة، قال- تبارك وتعالى-: (وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ)[البقرة: 102]، وكسب الساحر حرام، وحكم الساحر القتل، ويشارك الساحر في الإثم الذين يذهبون إليه ليعمل لهم سحرا، يعتدون به على الآخرين أو ينتقمون منهم، ويحرم فك السحر بالسحر الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لا يجوز؛ لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة والعرافين والمشعوذين واستعمال ما يقولون؛ لأنهم لا يؤمنون ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب ويلبسون على الناس.
وقد حذر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم حتى لو كان من باب التسلية أو التجربة دون أن يصدقهم فلا تقبل له الصلاة أربعين ليلة، أي أنه لا يؤجر على صلاته أربعين ليلة، مع وجوب أدائه لهذه الصلوات لتسقط عنه الفريضة بأدائها، ولكنه لا يؤجر عليها، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة"، وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد"، فالسحرة كفرة لا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم.
ومن أعمال السحرة صبّ الرصاص على رأس المريض؛ فهذا من عمل السحر، والعياذ بالله.
ومن أخطر صور الشرك التي إذا غلا صاحبها فيها أصبحت من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام: شرك المحبة أو الغلو في محبة المخلوقين. قال- تبارك وتعالى -: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبٌّونَهُم كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدٌّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَو يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذ يَرَونَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ)[البقرة: 165]، فمن أحب إنسانًا، أو صنمًا، أو نظامًا، أو غيره حتى أصبح يذل له ويقدم طاعته وحبه على حب الله -تَعَالَى- وطاعته، ويقدم أمره ونهيه على أمر الله ونهيه، وقع في هذا النوع من الشرك بدون أن يشعر، فليحذر المسلم الغلو في محبة أي شيء كان، وليعلم أن كل طاعة وكل محبة يجب أن تكون مقيدة بأن لا تتعارض مع طاعة الله -تَعَالَى- ومحبته، ولا تقدم أي طاعة أو محبة على محبة الإنسان لله -تَعَالَى- وطاعته ومحبة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطاعته.
فاتقوا الله، واعلموا أن الله هو النافع والضار، وهو يُمرِض ويَشفي، ويُحيي ويميت، ويغفر الخطايا يوم الدين. (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107]
فلا يجوز للمسلم أن يُعلِّق شفاءه من الأمراض، أو حمايته للنفس والعين بما يُسمَّى التمائم، وهي: ما يُعلَّق في الأعناق، أو تحت الوسائد، أو في الصناديق، لمن لا يُولَد لها، وتسمى تعويذة وحظّاظَة وكل ذلك حرام، وشرك بالله، ومِثل ذلك ما يُعلَّق بالسيارات مخافةَ العين، أو جلب الرزق، أو ما يُتَّخذ من الرقى، وهي: العزائم المخالفة للطريق المشروع، والتي تكتب بحروف مقطَّعة أو بغير العربية.
فهذه التمائم التي تعلق على السيارات، حيث توضع خرقة في مقدمة السيارة أو مؤخرتها يعتقد أنها تدفع الحسد وتمنع الحوادث فإن هذا من جنس عمل أهل الجاهلية حيث كانوا يقلدون البهائم خوفاً عليها من العين، وقد أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقطعها، فعن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره فأرسل رسولاً: "ألَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ"(متفق عليه). ورسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" والتولة شيء تصنعه بعض النساء لأزواجهن لتزداد محبته لها. وقال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَلَّقَ فَقَدْ أَشْرَكَ".
وكذلك لا يجوز وضع المصحف أو آيات بناء في السيارة أو البيت خشية العين أو بنية دفع العين، هذا لا أصل له، بل بدعة، بل من جنس التميمة من جنس الحروز حرز وهذا لا يجوز.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم…
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله -تَعَالَى- كما أمركم بذلك فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
عباد الله: إن من البدع المنتشرة في زماننا, فعل قام به بعض المحبين للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنهم أخطأوا في طريقتهم وسلكوا طريق البدعة والخرافة, فقاموا ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي، بل وجعلوا هذا الاحتفال دليلاً على محبة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
الاحتفال بالمولد من البدع المحدَثة في الدين التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشرّعه لا بقوله، ولا فعله، ولا تقريره، وهو قدوتنا وإمامنا، قال الله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَاب)[الحشر: 7]، وقال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21]، وقال –سبحانه- مبيناً الطريقة الصحيحة لإظهار محبة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[آل عمران: 31].
فلا يجوز التقرب إلى الله بعبادة لم يشرعها لنا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا مستفاد من نهي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن البدع ، والبدعة هي التقرب إلى الله -تَعَالَى- بما لم يشرعه ، ولهذا قال حذيفة -رضي الله عنه-: "كلُّ عبادةٍ لمْ يتعبَّد بها أصحابُ رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تتعبَّدوا بها".
فليس في شريعة الإسلام ما يسمَّى "عيد المولد النبوي"، ولم يكن الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم من أئمة الإسلام يعرفون مثل هذا اليوم فضلاً عن الاحتفال به، وإنما استحدث هذا العيد بعض المبتدعة من جهلة الباطنية، ثم سار عوام الناس في كثير من الأمصار على هذه البدعة.
ومحبة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكون قوتها تبعًا لإيمان المسلم؛ فإن زاد إيمانه زادت محبته له ، فحبه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاعة وقربة ، وقد جعل الشرع محبة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الواجبات.
قال الله عز وجل: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 24]، وقال الله -تَعَالَى-: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)[الأحزاب: 6].
وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".
عباد الله: إن الدفاع عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونصرته، آية عظيمة من آيات المحبة والإجلال، قال الله -تَعَالَى-: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحشر: 8]
نسأل الله أن يرزقنا محبة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يجعله أحب إلينا من أولادنا وآبائنا وأهلينا ونفوسنا.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم، فقال في محكم تنزيله، وهو الصادقُ في قِيلِه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ وولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى يا رب العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم اجمع كلمتَهم، وأصلِح أحوالَهم، واجعل لهم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافيةً، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.
اللهم اجعلنا من أهل التوحيد والسنة واجعلنا ممن دعا إلى ذلك وتوفيته عليه.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).