البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

أعراض المسلمين ثمينة

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. موقف الشريعة الإسلامية من الاعتداء على الناس .
  2. تشريع الحدود لصيانة الأعراض .
  3. آليات تصدِّي الشريعة للاعتداء على الأعراض .
  4. احتياط الشريعة لصيانة المرأة المسلمة .
  5. مظاهر غير مقبولة يجب محاصرتها والقضاء عليها. .

اقتباس

ألا تَرَونَ تَسَارُعَ كَثِيرٍ مِنْ نِسَاءِ المُسْلِمينَ إلى مَحَلاَّتِ شُرْبِ القَهْوةِ، والمَطَاعِمِ، والوَجَباتِ، حَتَّى وَإنْ كَانَتْ مُخْتَلَطَةً، وَغَيرَ مَسْتُورَةٍ وَغَيرَ مُرَاقَبَةٍ وَلا مَحْمِيَّةٍ مِنْ المَارَّةِ والعَابِثِينَ؟! فَمَا الذي دَفَعَهُنَّ إلى ذَلِكَ؟ مَا الذي جَعَلَهُنَّ يَخْرُجْنَ لِوَحْدِهِنَّ وَحتَّى سَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِن الَّليلِ؟

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَنِقَمٍ دَفَعَهَا، وَذُنُوبٍ سَتَرَهَا، نَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ شَرَعَ لِعِبَادِهِ مَا يَصْلُحُ لَهُمْ وَيُصْلِحُهُم: (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ عَظُمَتْ بِهِ الْمِنَّةُ، وَتَمَّتْ بِهِ النِّعْمَةُ، فَصَلواتُ رَبِّي اللَّهُ وَسَلامُهُ وَبَارَكَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا لَهُ دِينَكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ وَاعْبُدُوهُ.

عِبَادَ اللهِ: شَريعَةُ الإسْلامِ حَاسِمَةٌ فِي ِسَدِّ أَبْوَابِ الِاعْتِدَاءِ، حَازِمَةٌ فِي مُعَاقَبَةِ الْمُعْتَدِينَ؛ فَالْقَصَاصُ وَالْحُدُودُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِذَلِكَ .ألا وَإنَّ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى النَّاسِ: اسْتِبَاحَةُ أَعْرَاضِهِمْ، وَالتَّعَدِّي عَلَى مَحَارِمِهِمْ، وَالتَّحَرُّشُ بِبَنَاتِهِمْ وَنِسَائِهِمْ؛ وَفِي الصَّحِيح أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ شُرِعَت الحُدُودُ صِيَانَةً لِلْأَعْرَاضِ مِنْ أَنْ يَنْتَهِكَهَا الْفُسَّاقُ، وَمَا شُرِعَ حَدُّ الْقَذْفِ إِلَّا لِحِفْظِ الْأَلْسُنِ مِنْ قَالَةِ السُّوءِ مِن اتَّهَامِ المُحْصَنِينَ وَالمُحْصَنَاتِ.

عِبَادَ اللهِ: وحِينَ شَرَعَ اللَّهَ -تَعَالَى- تِلْكَ الْحُدُودَ شَرَعَ مَا يَقْطَعُ طَرِيقَ لُصُوصِ الْأَعْرَاضِ إليهَا، فجَاءَ نَهْيُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يَضَعَ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي مَوْطِنِ رِيبَةٍ؛ لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ سُوءًا. فَكَيفَ بِمَنْ يَتَقَحَّمُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَهلِهِ لِأَمَاكِنِ الَّلِهْوِ والَّلعِبِ والعَبَثِ أو أَمَاكِنِ الفِسْقِ والغِنَاءِ والسُّفُورِ؟! إِذَا فَقِهْنَا ذَلِكَ جَيِّدَاً اسْتَحْضَرْنَا أَنَّ مُجَانَبَةَ مَوَاطِنِ الرِّيَبِ حَتْمٌ لَازِمٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ لِحِفْظِ الأعرْضِ، وَرَدِّ الْعُدْوَانِ عَنْهُمَ، أَو التَّحَرُّشِ بِهِمْ، أو بِنَاءِ عَلاقَاتٍ مُحَرَّمَةٍ مَعَهُمْ.

أَيُّهَا المُؤمِنُونَ: ألا وإنَّ مِنْ إِجْرَاءَاتِ شَرِيعَتنَا الغَرَّاءِ فِي حِمَايَةِ الْأَعْرَاضِ: أَنْ أَمْرَ نِسَاءَنا بِالْحِجَابِ الحَقِيقِيِّ السَّاتِرِ؛ إذْ إِنَّ إظْهَارَ الجَمَالِ وَالزِّيَّنَةِ دَعوَةٌ لِلنَّظَرِ إِلَيْهَا والافْتِتَانِ بِهَا وَلَوْ لَمْ تَقْصِدْ ذَلِكَ، أَلمْ يَقُلِ العَلِيمُ الخَبِيرُ: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)[النور:31]؛ سُبْحَانَ اللهِ! لِمَ كُلُّ هَذِهِ الاحتِياطَاتِ، والتَّشْدِيدَاتِ؟ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَجْهَ هُوَ مَجْمَعُ الزِّينَةِ، وَنَظْرَةُ الْعَيْنِ لِلْعَيْنِ تَسْتَقِرُّ فِي الْقَلْبِ مُبَاشَرَةً. وَتَغْرِي الذِّئَابَ الفَاسِدَةَ.

عِبَادَ اللهِ: وَإذا كَانتْ كُلُّ حَرَكَةٍ تَفْعَلُهَا الْمَرْأَةُ تُثِيرُ الرَّجُلَ، فَلا تَسْتَغْرِبُوا أَنْ يَنْهى اللهُ نِسَاءَ المُؤمِناتِ عَنْ ضَرْبِ أَرْجُلِهِنَّ بِالأَرْضِ بِصَوتِ مَسْمُوعٍ خَشْيَةَ أنْ يَعْلَمَ الرِّجَالُ بِما يَلْبَسْنَهُ، وَهَذا يُدْرِكُهُ الرِّجَالُ، وَأَشَدُّ مِنْهُ الْخُضُوعُ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ الْكَلَامُ اللَّيِّنُ الْمُتَغَنِّجُ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ أُذُنِ الرَّجُلِ إِلَى قَلْبِهِ فَيُفْسِدُهُ وَيُطْمِعُهُ، فَقَدْ مَنَعَ اللهُ الْمَرْأَةَ مِنْهُ فَقَالَ -تَعَالَى-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32].

أَتُرَونَ يا مُؤمِنُونَ يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ العُقَلاءُ: أنَّ ارْتِفَاعَ أَصْواتِ النِّسَاءِ بالتَّصْفِيقِ والتَّصْفِيرِ والغِنَاءِ أَمَامَ المَلأ وَعَلى الفَضَائِّيَّاتِ يَتَمَشَّى مَعَ المَعْنَى الكَرِيمِ فِي هَذِهِ الآيَةِ؟ أَحِينَ تُصَوِّرُ نِسَاءُ المُسْلِمِينَ وَهُنَّ يُشَجِّعْنَ وَيَهْزِجْنَ أنَّ ذَلِكَ يَتَمَشَّى مَعَ المَعْنَى الكَرِيمِ للآيَةِ الكَرِيمَةِ؟ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ صِيَانَةِ النِّسَاءِ عَنِ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِنَّ، أَوِ التَّحَرُّشِ بِهِنَّ: مَنْعُهُنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ، لَا سِيَّمَا الْخِلْطَةُ الدَّائِمَةُ فَإنَّهَا تُذِيبُ الْحَوَاجِزَ بَيْنَهَم؛ وَأَشْهَرُ حَوَادِثِ الِابْتِزَازِ وَالتَّحَرُّشِ تَكُونُ فِي الْوَظَائِفِ الْمُخْتَلِطَةِ! وَأَمَاكِنْ العَمَلِ الدَّائِمَةِ، فَمَا مَعْنى إقْحَامُ المَرْأَةِ فِي كُلِّ مَجَالٍ وَعَمَلٍ وَمَحَلٍّ وَلَوْ كَانَ بَعِيدَاً عَنْ مَجَالِهَا وَتَخَصُّصِهَا وَطَبِيعَتِهَا؟ أَلَيْسَ ذَلِكَ تَدْنِيسَاً لِكَرَامَتِهَا وَحِشْمَتِهَا؟

إخْوَانِي الأَكَارِمُ: وَمِنْ صِيَانَةِ الْمَرْأَةِ عَنِ التَّحَرُّشِ بِهَا: عَدَمُ خُلْوَتِهَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اخْتَلَى بِهَا كَانَ أَقْدَرَ عَلَى نَيْلِ مُرَادِهِ مِنْهَا إِمَّا بِالْحِيلَةِ وَالْخَدِيعَةِ، وَإِمَّا بِالتَّهْدِيدِ وَالِابْتِزَازِ، وَمَا نُهِيَتِ الْمَرْأَةُ عَنِ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ؛ إلاَّ حِمَايَةً لِعِرْضِهَا، وَرَدِّ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا. صَدَقْت يَا رَسُولَ اللهِ حِينَ قًلْتَ: "أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ". وحِينَ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"؛ لِعْلْمِهِ الجَازِمِ بِخُطُورَةِ ذَلِكَ، وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ.

فَالَّلهُمَّ احْفَظْنَا وَذَرَارِينَا والمُسْلِمينَ أَجْمَعِينَ، الَّلهُمَّ زَيِّنَّا بالتَّقْوى والسِّتْرِ والإيمَانِ وَاجْعَلنَا مِنْ الرَّاشِدِينَ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا مُؤْمِنُونَ وَأَطِيعُوهُ.

أَيُّها الكِرَامُ: مَا تَقُولُونَ في حُضُورِ نِسَاءٍ بِكَامِلِ زِينَتِهِنَّ إلى المَجَامِعِ المُخْتَلِطَةِ العَامَّةِ؟ والرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ مَنْ يَخْرُجْنَ لِبُيُوتِ اللهِ أَنْ يَخْرُجْنَ تَفِلاتٍ؛ أي: غَيرَ مُتُزَيِّنَاتٍ وَلا مُتَطَيِّبَاتٍ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تَعَطَّرَتْ فَمَرَّتْ بِالرِّجَالِ فَهِيَ زَانِيَةٌ؛ لِأَنَّ عِطْرَهَا يَعْمَلُ فِي القُلُوبِ عَمَلَهُ! أَليسَ ذَلِكَ تَفْرِيطٌ وَإهْمَالٌ لِتَوجِيهَاتِ سَيِّدِ البَشَرِ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-؟

أَيُّها الكِرَامُ: ألا تَرَونَ تَسَارُعَ كَثِيرٍ مِنْ نِسَاءِ المُسْلِمينَ إلى مَحَلاَّتِ شُرْبِ القَهْوةِ، والمَطَاعِمِ، والوَجَباتِ، حَتَّى وَإنْ كَانَتْ مُخْتَلَطَةً، وَغَيرَ مَسْتُورَةٍ وَغَيرَ مُرَاقَبَةٍ وَلا مَحْمِيَّةٍ مِنْ المَارَّةِ والعَابِثِينَ؟! فَمَا الذي دَفَعَهُنَّ إلى ذَلِكَ؟ مَا الذي جَعَلَهُنَّ يَخْرُجْنَ لِوَحْدِهِنَّ وَحتَّى سَاعَاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِن الَّليلِ؟ أَلَيسَ إهْمَالُنَا وَتَفْرِيطُنَا وَغَفْلَتُنَا جُزْءٌ كَبِيرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ أَوَّلاً يَا رِجَالُ، وَأَصْلِحُوا أَحْوَالَكُمْ وَأُسَرَكُمْ ثَانِيَاً، وَقُومُوا بِمَا أَوجَبَ اللهُ عليكُمْ مِن حَقِّ الرِّعَايَةِ والأَمَانَةِ: "فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

عِبَادَ اللهِ: حَقَّاً مَنْ أَمِنَ العُقُوبَةَ أَسَاءَ الأَدَبَ، وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:

لا يَصلُحُ النَّاسُ فَوضَى لا سَرَاةَ لَهُم

وَلا سَرَاةَ إِذا جُهَّالُهُمْ سَادُوا

وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاَّ لَهُ عَمَدٌ

وَلا عِمَادَ إِذا لَم تُرْسَ أَوْتَادُ

أَيُّها المُؤمِنُونَ باللهِ وَرَسُولِهِ: وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذلِكَ فَإنَّهُ لا يُمكِنُ لِأَيِّ مُجتَمَعِ أَنْ يَكُونَ آمِنَاً مُسْتَقِرًّا إلاَّ بِتَحقِيقِ مَبْدَأِ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ، عَلى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالشَّرِيفِ وَالوَضِيعِ، وَلِأَجْلِ هَذَا وَصَفَنَا اللهُ بِأَنَّنَا خَيرُ أُمَّةٍ أُخرِجت لِلنَّاسِ. وَلَكِنْ مَتى؟ الجَوَابُ مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران:110].

وَوَاللهِ يا مُؤمِنُونَ: مَا اخْتَلَّ مَبدَأُ الثَّوابِ والعِقَابِ، والأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهيُ عَن المُنكَرِ فَي مُجتَمَعٍ، إلاَّ صَارَ بَأْسُهُم بَينَهُم شَدِيدًا، وَلَعَنَ بَعضُهُم بَعْضًا: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[الحشر:14]؛ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ؟ هَلْ مِن مُدَّكِرٍ؟

فَيا وُلاتَنَا الأَكَارِمُ: نَحنُ باللهِ ثُمَّ بِكُمْ، فَالآمَالُ مَعقُودَةٌ عَليكُمْ بَعدَ عَونِ اللهِ وَتسدِيدِهِ أَنْ تَسعَوا بِكُلِّ مَا أُوتِيتُمْ لِنَصْرِ الحَقِّ وَأَهلِهِ، وَأَنْ تُحَقِّقُوا أَمْنَ النَّاسِ على دِينِهمْ وَأَعْرَاضِهمْ وَأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَعَقُولِهمْ، فَاللهُ -تَعَالَى-: (يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء:58]. وَنَحْنُ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِكُمْ. وَرَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"؛ إنَّ على أُمرَاءِ البِلادِ وَمُحافِظِيها وَرِجَالِ الشُّرطَةِ، وَجُنُودِ الحِسْبَةِ، أَنْ يُحَافِظُوا على أَمْنِ النَّاسِ وَحِمَايَتِهم بِكلِّ ما أُتوا من إمكانيَّاتٍ وَقُدرَاتٍ.

عَليكُم أيُّها المَسئُولُونَ بِتَنْفِيذِ تَوجِيهَاتِ وُلاةِ أُمُورِنَا، فَكثِّفوا الأَمْنَ، وَاسْهَرُوا وَاتْعَبُوا مِنْ أَجْلِ اسْتِتْبَابِهِ وَرَاحَةِ الجَمِيعِ، فَالآمَالُ بَعْدَ اللهِ مَعْقُودَةٌ عَليكُمْ. وَرَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"، وَاللهُ خَيرٌ حَافِظَاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَنَسْتَودِعُ اللهَ دِينَنَا وَأَمَانَتِنَا وَأَعرَاضِنَا وَأَهلِينا وَالمُسْلِمينَ أَجمَعِينَ.

هَذا؛ وَصَلُّوا وسَلِّمُوا على رَسُولِ اللهِ فَقَدْ أمَرَنا اللهُ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]. وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا"؛ فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ وأتباعِهِ إلى يومِ الدِّينِ. الَّلهُمَّ احْمِ حَوزَةَ الدِّينِ، وانصُر وَوَفِّقْ عِبَادَكَ المُؤمِنينَ.

الَّلهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، زكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زكَّاهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَليَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، أَصْلِحْ لَهُ بِطَانَتَهُ وَأَعِنْهُ على أَدَاءِ الأمَانَةِ. اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكركم واشكروه على عمومِ نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.