الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
لست وحدك في مصائبك، لست وحدك في مرضك، لست وحدك في دَيْنك، لست وحدك في همومك وغمومك، لست وحدك في مشاكل أسرتك، لست وحدك في حياتك، بل كلٌّ -عباد الله- له نصيبٌ من الابتلاء والامتحان، هذا بولده، وهذا بزوجه، وهذا بماله، وهذا بعمله، وهذا بوظيفته، هذا وهذا.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله القائل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشرح:5-6]، وأشهد أن لا إله إلا الله العلي الأعلى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ونبيّه المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا المولى تفوزوا بجنة المأوى.
إخوة الإسلام: في هذه الدنيا من الشدائد والآلام والمصائب والأزمات والأسقام، والمرء -أحبتي في الله- مأمورٌ أن يتعامل مع شدائده وأزماته ومصائبه بما يُعالج أوضاعه وأحواله؛ فإن معاملة ذلك بالدليل الصحيح، والنهج الصريح يدل ذلك على الفوز والسعادة، والأنس والريادة.
فمعنا الأوابد في عشر قواعدٍ عند الشدائد على اختصارٍ وإيجاز وذكرٍ وإنجاز؛ فالقاعدة الأولى -أيها الإخوة-:
هو أن تعلم أن الله لا يُقدر شيئًا إلا لحكمة. نعم هو الحكيم العليم، هو الحكيم الخبير؛ (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)[هود:1]؛ والحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها؛ فهو -سبحانه- يعلم الحكمة، ويعلم أين مكانها، وكيف يضعها -سبحانه-؛ فله الحكمة البالغة، والحجة الدامغة، ولنعلم -أيها الأحبة- أن كل شيءٍ له حكمة قد نعلمها وقد نجهلها، وقد نعلم بعضها؛ فعلينا أن نؤمن بحكمة الله -عزَّ وجلَّ-، وبهذا الاسم العظيم وهو الحكيم الذي يضع كل شيءٍ في موضعه.
القاعدة الثانية: لست وحدك في مصائبك، لست وحدك في مرضك، لست وحدك في دَيْنك، لست وحدك في همومك وغمومك، لست وحدك في مشاكل أسرتك، لست وحدك في حياتك، بل كلٌّ -عباد الله- له نصيبٌ من الابتلاء والامتحان، هذا بولده، وهذا بزوجه، وهذا بماله، وهذا بعمله، وهذا بوظيفته، هذا وهذا.
وكلُّ مَن لاقيتُ يَشكو دهرَه | ليتَ شِعري هذه الدنيا لمَنْ؟ |
ولهذا كان من السِّر في أمر الصيام بقول الملك العلَّام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)[البقرة:183]؛ فإنه -عباد الله- حينما يعلم أن إخوانه قد ابتلوا بابتلاءاتٍ وامتحاناتٍ ومصائب وأسقام هانت عليه مصائبه، وزالت عنه شدائده.
القاعدة الثالثة: جالب النفع ودافع الضُر هو الله؛ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)[الأعراف:188]؛ فهو -سبحانه- العالم بخلقه، الدافع عنهم، الرافع عنهم (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج:38]؛ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[يونس:107].
سبحانه وبحمده؛ فجالب النعمة هو الله، ودافع النقمة هو الله؛ ولهذا -أحبتي في الله- أمر الله نبيه بألا يدعو معه غيره؛ لأن غيره لا يملك نفعًا ولا يدفع ضرًّا، فقال: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ)[يونس:106]؛ فحينما تؤمن بذلك وتعلم أن النافع هو الله، وأن الله يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، يُعزّ من يشاء ويُذلّ من يشاء، يُعطي لحِكمة، ويمنع لحِكمة؛ فإن ذلك يُسهِّل عليك مصائبك، وأسقامك، وآلامك.
القاعدة الرابعة: ما أصابك لم يكن ليُخطئك؛ تلكم -أيها الأحبة- قاعدةٌ نبويةٌ سلوكيةٌ عظيمة، وهي تدل على الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيءٍ بقضاءٍ وقدر، والكل في حُكم الكتاب مُستطر.
فإذًا -أحبتي في الله- كل شيءٍ بقضاء الله؛ فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبك؛ فحقيقة القدَر أن تعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، وأن كل شيءٍ بقدرة الله -سبحانه-؛ (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا)[الأحزاب:38]، والإيمان بالقضاء والقَدَر هو أحد الركائز والأركان الستة؛ فالإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
القاعدة الخامسة: معرفة حقيقة الدنيا، الدنيا -أحبتي في الله- سُمِّيت دنيا؛ لدنوها من الزوال والذهاب؛ فالدنيا دار مَمَرّ لا دار مَقَرّ، ودار زوال لا دار إخلاد، ودار عبور لا دار حضور، الدنيا مزرعةٌ للآخرة؛ فغدًا تُوفى النفوس ما عملت ويحصد الزارعون ما زرعوا إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساءوا فبئس ما عملوا (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[الحديد:20]؛ فمن علم أن الدنيا دار زوال، ودار فناء، وأنها دار امتحانٍ وابتلاء صبر وأرضى المولى.
القاعدة السادسة: حُسن الظن بالله، حسِّن ظنك بربك مهما تكالبت عليك الشدائد والأزمات والمُلمات والمصائب؛ فقَوِّ حُسْن ظنك بالله؛ فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة أن الله -عزَّ وجلَّ- قال: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي"، وقد جاء بمسلم: "لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ"؛ فحسِّن ظنك بربك سواءً حصل لك بُغيتك وأمنيتك وطلبك وإن لم يحصل ذلك؛ فحسِّن ظنك بربك، ولتعلم أن حسن الظن عبادة وأنه سببٌ للتفاؤل والسعادة.
القاعدة السابعة: اختيار الله لك خيرٌ من اختيارك لنفسك، نعم -أيها الإخوة-؛ (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)[القصص:68]؛ كم إنسان يُريد الغنى، والغنى ضررٌ عليه!، كم إنسانٍ يخشى الفقر والفقر أحسن له!، وهكذا الحياة الدنيا؛ فالإنسان يختار ما اختاره الله له، ويعلم أن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه؛ ذلكم أن العبد قاصرٌ وناقصٌ في معرفته ومآل أمره إن الإنسان كان ظلومًا جهولاً، ظلومًا لنفسه جهولاً بعواقب أمره؛ فإذًا ما أعطاك الله فارضَ بما أعطاك الله، واشكر الله على ما أعطاك الله، واحمد الله على ما أعطاك الله، واصبر على ما أعطاك الله.
والصبرُ مثل اسمه مُرٌّ مذاقته | لكن عواقبه أحلى من العسل |
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى، وبعد:
عباد الله: القاعدة الثامنة: كلما اشتدت المحنة قرب الفجر، كلما احلولك الليل قرب طلوع الفجر؛ ولهذا كان السِّر في قوله -سبحانه-: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[الفلق:1]، والفلق: الصبح، فأمر الله نبيه أن يستعيذ برب الفلق؛ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)[الفلق:1]؛ لأن القادر على إزالة هذه الظلمة عن العالم هو القادر على إزالة ما همَّك وأغمَّك؛ ولهذا -أيها الأحبة-
يجري القضاء وفيه الخير أجمعه | لمؤمنٍ واثقٍ بالله لا لاهي |
فالفرج عندما تتضايق الأمور وتشتد الأحوال يأتي الفرج من الكبير المتعال، عند المآزق والمضائق يظهر الفرج والحقائق.
ولكن -عبد الله- عليك بذِكْر الله، وعبادة الله، والصبر على قضاء الله -عزَّ وجلَّ-؛ فلتعلم أن الشدة بعده الفرج، وأن الله -عزَّ وجلَّ- كلما اشتدت الأمور والأزمات جاء الفرج والمخرج (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا)[الأنعام:34]؛ (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس:103]؛ فإذا اشتد مرضك أو همُّك أو غمُّك ، أو كثرت ديونك وأزماتك؛ فاعلم أن فرج الله قريب، وأن ما عند الله عظيم، وأن الله لا يُعجزه شيء؛ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس:82]، ولهذا أحبتي في الله (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء:23]؛ فعليك بالعلاج الناجع عند ذلك تستفيد وترتفع عنك الأزمات والمصائب.
القاعدة التاسعة: لا تُفكِّر في كيفية المخرج، ولكن فكِّر في قضية هذا الحدث كيف توظفه في طاعة الله -عزَّ وجلَّ-، وكيف تصبر على ما أعطاك الله، وما ابتلاك الله؛ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ)[محمد:31]؛ ولهذا أحبتي في الله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء:35]؛ فلا تفكر في كيفية المخرج، ولكن فكِّر في قضية صبرك واحتسابك، وحُسن ظنك؛ لأنك تعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، وأن المُلك مُلكه والخلق خلقه -سبحانه- وبحمده (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[يس:82]؛ فله مُلك السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما.
والقاعدة العشرة وهي الخاتمة: عليك بدعاء من بيده الفرج، الدعاء من أعظم الأسباب، ومن أعظم الأبواب؛ لكشف الكروب وإزالة الهموم والغموم ونيل المطلوب.
الدعاء هو السلاح الوهاج، الدعاء -عباد الله- هو السلاح عند الأزمات والنكبات.
الدعاء هو السلاح للإنسان عندما تتضايق عليه الأمور (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)[النمل:62]، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[البقرة:186]، (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60]، ونوح إذا نادى ربه، وكذلك زكريا نادى ربه، وكذلك أيوب نادى ربه؛ فأنبياء الله وعباده الصالحون يُنادونه ويسألونه.
أَتَهْزَأُ بِالدُّعَاءِ وَتَزْدَرِيهِ | وَمَا تَدْرِي بِما صَنَعَ الدُّعَاءُ |
سِهَامُ اللَّيلِ لا تُخْطِئ | وَلَكِنْ لها أمدٌ وللأمدِ انتهاءُ |
فالدعاء -عباد الله- هو الذي يكشف الكروب ويُزيل الهموم والغموم؛ ولهذا -أحبتي في الله- الدعاء عند الأزمات على نوعين؛ دعاءٌ مقيد، ودعاءٌ مطلق؛ فالمقيد ما وردت به النصوص كدعاء الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، وكالحديث الآخر "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ"، وكذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا اشتد به الأمر قال: "يَا حَيُّ يَا قَيومُ"، ودعاءٌ مطلق: في أي حالةٍ من ليلٍ أو نهار لاسيما لحظات الأسحار.
وقد روى الثقات عن خير الملا | بأنه عز وجل وعلا |
في ثلث الليل الأخير ينزلُ | يقول هل من سائلٌ فيُقبل |
هل من مسيءٍ طالبٍ للمعذرة | يجد كريمًا قابلًا للمغفرة |
يمن بالخيرات والفضائل | ويستر العيب ويعطي السائل |
وصلوا وسلموا..