المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
وَأَصْلُ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الْعَجْزُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْجِزُ عَنْ أَسْبَابِ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَعَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُبْعِدُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيَقَعُ فِي الْمَعَاصِي، فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِي اسْتِعَاذَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُصُولَ الشَّرِّ وَفُرُوعَهُ، وَمَبَادِيَهُ وَغَايَاتِهِ، وَمَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَمَانِي خِصَالٍ...
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: لقد نهى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العجز، فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
واستعاذ بالله منه، ومن قرينه؛ الكسل، فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ"، وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَلَا تَعْجَزْ" نهي منه عن العجز، وهو وجود إرادة للفعلِ مع عدمِ وجودِ قدرةٍ على الإنجاز، وقرينُه الكسل وهو انتفاء تلك الإرادة؛ فأيُّ فعل هو اجتماع الإرادة مع القدرة؛ فالإنسان إذا توافرت له الإرادة فقد خرج من دائرة الكسل، فإذا كان عنده القدرة فقد خرج من دائرة العجز.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الرائع زاد المعاد: "وَاللَّهُ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَيُحِبُّ الْكَيْسَ وَيَأْمُرُ بِهِ، وَالْكَيْسُ: هُوَ مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ بِهَا مُسَبِّبَاتِهَا النَّافِعَةَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَهَذِهِ تَفْتَحُ عَمَلَ الْخَيْرِ، وَأَمَّا الْعَجْزُ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَمَّا يَنْفَعُهُ، وَصَارَ إِلَى الْأَمَانِي الْبَاطِلَةِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْ فَعَلْتُ كَذَا، يَفْتَحُ عَلَيْهِ عَمَلَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ بَابَهُ الْعَجْزُ وَالْكَسَلُ، وَلِهَذَا اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمَا" ا.هـ.
ولعله يعني -رحمه الله- ما رواه أنسُ بنُ مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة خيبر إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"(رواه البخاري).
ثم قال ابن القيم: "وَهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَيَصْدُرُ عَنْهُمَا الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ، فَمَصْدَرُهَا كُلُّهَا عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَعُنْوَانُهَا "لَوْ" فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"؛ فَالْمُتَمَنِّي مِنْ أَعْجَزِ النَّاسِ وَأَفْلَسِهِمْ، فَإِنَّ التَّمَنِّيَ رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ، وَالْعَجْزُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ" ا.هـ.
وقال -رحمه الله-: "وَأَصْلُ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الْعَجْزُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْجِزُ عَنْ أَسْبَابِ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَعَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُبْعِدُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيَقَعُ فِي الْمَعَاصِي، فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِي اسْتِعَاذَتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُصُولَ الشَّرِّ وَفُرُوعَهُ، وَمَبَادِيَهُ وَغَايَاتِهِ، وَمَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَمَانِي خِصَالٍ، كُلُّ خَصْلَتَيْنِ مِنْهَا قَرِينَتَانِ، فَقَالَ: "أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ"، وَهُمَا قَرِينَانِ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْوَارِدَ عَلَى الْقَلْبِ يَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ سَبَبِهِ إِلَى قِسْمَيْنِ: فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَمْرًا مَاضِيًا، فَهُوَ يُحْدِثُ الْحَزَنَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَقُّعُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَهُوَ يُحْدِثُ الْهَمَّ، وَكِلَاهُمَا مِنَ الْعَجْزِ، فَإِنَّ مَا مَضَى لَا يُدْفَعُ بِالْحُزْنِ؛ بَلْ بِالرِّضَى، وَالْحَمْدِ وَالصَّبْرِ وَالْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَقَوْلِ الْعَبْدِ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ.
وَمَا يُسْتَقْبَلُ لَا يُدْفَعُ أَيْضًا بِالْهَمِّ، بَلْ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ فَلَا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَكُونَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ فَلَا يَجْزَعُ مِنْهُ، وَيَلْبَسُ لَهُ لِبَاسَهُ، وَيَأْخُذُ لَهُ عُدَّتَهُ، وَيَتَأَهَّبُ لَهُ أُهْبَتَهُ اللَّائِقَةَ بِهِ، وَيَسْتَجِنُّ بِجُنَّةٍ حَصِينَةٍ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالِانْطِرَاحِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ تَعَالَى، وَالِاسْتِسْلَامِ لَهُ وَالرِّضَى بِهِ رَبًّا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَرْضَى بِهِ رَبًّا فِيمَا يُحِبُّ دُونَ مَا يَكْرَهُ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا، لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَرْضَاهُ الرَّبُّ لَهُ عَبْدًا عَلَى الْإِطْلَاقِ".
ثم ذكر -رحمه الله- مضار الهم والحزن فقال: "فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ لَا يَنْفَعَانِ الْعَبْدَ الْبَتَّةَ، بَلْ مَضَرَّتُهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا؛ فَإِنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْعَزْمَ، وَيُوهِنَانِ الْقَلْبَ، وَيَحُولَانِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَنْفَعُهُ، وَيَقْطَعَانِ عَلَيْهِ طَرِيقَ السَّيْرِ، أَوْ يُنَكِّسَانِهِ إِلَى وَرَاءٍ، أَوْ يَعُوقَانِهِ ويُوقِفَانِهِ، أَوْ يَحْجُبَانِهِ عَنِ الْعِلْمِ الَّذِي كُلَّمَا رَآهُ شَمَّرَ إِلَيْهِ، وَجَدَّ فِي سَيْرِهِ.. فَهُمَا حِمْلٌ ثَقِيلٌ عَلَى ظَهْرِ السَّائِرِ".
ثم قال: "وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، أَنْ سَلَّطَ هَذَيْنِ الْجُنْدَيْنِ عَلَى الْقُلُوبِ الْمُعْرِضَةِ عَنْهُ، الْفَارِغَةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ".
أيها الإخوة: ثم قال -رحمه الله-: "وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعَاذَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَهُمَا قَرِينَانِ، وَمِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَهُمَا قَرِينَانِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ كَمَالُ الْعَبْدِ وَصَلَاحُهُ عَنْهُ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَجْزٌ، أَوْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يُرِيدُ، فَهُوَ كَسَلٌ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فَوَاتُ كُلِّ خَيْرٍ، وَحُصُولُ كُلِّ شَرٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّرِّ تَعْطِيلُهُ عَنِ النَّفْعِ بِبَدَنِهِ، وَهُوَ الْجُبْنُ، وَعَنِ النَّفْعِ بِمَالِهِ وَهُوَ الْبُخْلُ، ثُمَّ يَنْشَأُ لَهُ بِذَلِكَ غَلَبَتَانِ. غَلَبَةٌ بِحَقٍّ، وَهِيَ غَلَبَةُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةٌ بِبَاطِلٍ، وَهِيَ غَلَبَةُ الرِّجَالِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَفَاسِد ثَمَرَةُ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ" ا.هـ.
أيها الإخوة: ومما يعين على تجاوز الكسل والعجز: أن يضع المسلم لنفسه برنامجًا يسير عليه، ولا يسمح لنفسه أن تتركه أو تتراخى عنه، وبعدها يسهل عليه.. ويكثر من دعاء الله والتضرع إليه بأن يعيذه من الصفات الذميمة، وأهمها ما أكثر منه رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الاستعاذة منه بِقَولِه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".
ومما يعين على التخلص من الكسل: الأخذ بالهدي النبوي عند الاستيقاظ: "فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عَنْهُ عُقْدَتَانِ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ. فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ"(رواه البخاري ومسلم واللفظ له).
أيها الأحبة: وعلى المؤمن السائر إلى ربه أن يملأ فراغه بالأعمال الصالحة، خصوصًا ما سهل فعله وكثر أجره؛ كقراءة القرآن، ولو ردد ما يحفظه من قصار السور والفاتحة، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"(رواه الترمذي وصححه الألباني عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
ومنها: الذكر وهو سهل على مَن وفَّقه الله إليه، وفيه أجر وخير كثير نغفل عنه من ذلك قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"(رواه البخاري ومسلم). ويكفيه دقيقة ونصف فقط.. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ"(رواه مسلم).
يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ"(رواه مسلم). وهذا الذكر يكفيه دقيقة واحدة فقط، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).
وعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ حَسَنَةً"(رواه الطبراني بالكبير عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وحسنه الألباني). وَيَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"(رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
إخواني: كم في هذا الأعمال السهلة من الحسنات! وهناك فرصٌ غيرها منها: إجابة المؤذن، وصلاة الجماعة، والتأمين في الصلاة الجهرية، والسنن الرواتب، وغيرها.
أسأل الله بمنّه وكرمه أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، وأن يجعلنا من الراشدين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: قال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على قول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَلَا تَعْجَزْ": "المعنى لا تفعل فعل العاجز من التكاسل وعدم الحزم والعزيمة، وليس المعنى لا يصيبك عجز؛ لأن العجز عن الشيء غير التعاجز؛ فالعجز بغير اختيار الإنسان، ولا طاقة له به فلا يتوجه عليه نهي؛ ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع، فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"؛ فإذا اجتمع الحرص وعدم التكاسل، اجتمع في هذا صدق النية بالحرص والعزيمة بعدم التكاسل.
لأن بعض الناس يحرص على ما ينفعه ويشرع فيه، ثم يتعاجز ويتكاسل ويدعه، وهذا خلاف ما أمر به الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فما دمت عرفت أن هذا نافع فلا تدعه؛ لأنك إذا عجَّزت نفسك خسرت العمل الذي عملت، ثم عوَّدت نفسك التكاسل والتدني من حال النشاط والقوة إلى حال العجز والكسل، وكم من إنسان بدأ العمل لا سيما النافع ثم أتاه الشيطان فثبَّطه!.. لكن إذا ظهر في أثناء العمل أنه ضارّ، فيجب الرجوع عنه؛ لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل" ا.هـ.
ومن جميل ما قيل: من تعطّل وتبطّل صار من جنس الموتى. ومن تعوّد الكسل ومال إلى الرّاحة فقد الرّاحة، وقيل: إن أردت ألّا تتعب فاتعب لئلّا تتعب، وقيل أيضًا: "إيّاك والكسل والضّجر؛ فإنّك إن كسلت لم تؤدّ حقًّا، وإن ضجرت لم تصبر على الحقِّ، ولأنّ الفراغ يُبطل الهيئات الإنسانيَّة فكلّ هيئة، بل كلّ عضو تُرك استعماله يبطل؛ كالعين إذا غُمِّضت، واليدُ إذا عُطلت، ولذلك وضعت الرّياضات في كلّ شيء، وكما أنّ البدن يتعوّد الرّفاهية بالكسل، كذلك النّفس تتعوّده بترك النّظر والتّفكّر ممّا يجعلها تتبلّد وتتبلّه" تعزى للإمام الرّاغب.
وصلوا على نبيكم…