المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
فلله، كم أذل الخوف من الفقر وفوات الرزق من أفراد ومجتمعات ودول؟! وكم تنصلت عن قيمها ومبادئها لأجل ذلك؟! وكم ارتكبت لأجل ذلك من جرائم ومخالفات؟! وكم سفكت من دماء وانتهكت من أعراض؟! وكم ظهرت من خيانة للأمانات؟! وكم...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها المؤمنون: إن من أعظم القضايا التي تشغل الإنسان وتجلب عليه المشاكل وتدخل عليه الهموم .. الخوف من الفقر وفوات الرزق، وهذا مدخل من مداخل ابليس لإغواء المسلم وزعزعة عقيدته وإيمانه بربه، يقول الله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:268].
وقال الحسن البصري: "قرأت في تسعين موضعا من القرآن أن الله قدر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً وصدقنا قول الكاذب في موضع واحد!!".
معاشر المسلمين: إن من أعظم مظاهر تخويف الشيطان للمسلم بالفقر: دعوته لكسب الحرام؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم الحرام"؛ رواه البخاري.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصيته" . (رواه الحاكم , الصحيحة ( 2607 ) ، المشكاة ( 5300 ) .
فالبائع الذي ينقص من البضاعة عند الكيل أو الوزن، والبناء الذي يخالف شروطه مع المشتري ويغصب ماله، والميكانيكي الذي "يخترع" عطلاً أو يعظمه، والمحاسب الذي يزيد على فاتورة الحساب.. كل هؤلاء إنما يغشون أنفسهم قبل غيرهم، دون أن يزيدوا في رزقهم شيئاً.
جمع الحرام على الحلال ليكثره * * * دخل الحرام على الحلال فبعثره
فلله؛ كم أذل الخوف من الفقر وفوات الرزق من أفراد ومجتمعات ودول؟! وكم تنصلت عن قيمها ومبادئها لأجل ذلك؟! وكم ارتكبت لأجل ذلك من جرائم ومخالفات؟! وكم سفكت من دماء وانتهكت من أعراض؟! وكم ظهرت من خيانة للأمانات؟! وكم فرط الناس بما تحت أيديهم من مسئوليات؟!
ومن ذلك: الدعوة للبخل والشح وعدم الانفاق, فيه، قال -تعالى-: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[آل عمران:180].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حرير من ثديهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا سَبَغَت أو وَفَرَت على جلده حتى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يرد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها؛ فهو يوسعها ولا تتسع"(البخاري ومسلم).
وَقَدْ حَذَّرَ النَّبِـيُّ، -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ-، أَصْحَابَهُ مِنَ الْـخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَليْه وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: "آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا"(رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
لذلك أنفق الصحابة أموالهم ولم يستسلموا لنزغات الشيطان؛ فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- أنفق ماله في سبيل الله كله ولم يخش الفقر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: "يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟" قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا (أبو داود).
وعن عبد الله بن مسعود قال: "لما نزلت (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا)[الحديد:11]، قال أبو الدحداح: يا رسول الله إن الله يريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح"، قال: أرني يدك قال: فناوله، قال: فإني أقرضت الله حائطًا فيه ستمائة نخلة، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها يا أم الدحداح، قالت: لبيك. قال: اخرجي؛ فقد أقرضت ربي -عز وجل- حائطًا فيه ستمائة نخلة، لم تقل له: لقد ضيعتنا وأفقرتنا كيف سنعيش ماذا تركت لأولادك؟ كلا.. بل قالت:
بشرك الله بخير وفرح | مثلك أدى ما لديه ونصح |
قد متع الله عيالي ومنح | بالعجوة السوداء والزهو البلح |
والعبد يسعى وله ما قد كدح | طول الليالي وعليه ما اجترح |
قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
أيها المؤمنون: من وسائل معالجة مداخل الشيطان في التخويف من الفقر، أن يعلم العبد علماً يقيناً بأن الرزاق هو الله وحده, وأنه سبحانه بيده الفقر والغني كَمَا قَالَ -سبحانه-: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى)[النجم:48].
ومن ذلك: التعوذ من الفقر, فقدكَانَ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ مِنَ الْفَقْرِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ، وَالْقِلَّةِ، وَالذِّلَّةِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
وعلى المسلم كذل أن يكثر من الدعاء, وأن يبذل الأسباب ويتوكل على الله, قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق:3].
معاشر المسلمين: لا تخشوا الفقر وفوات الرزق، فأنتم عبيد للرازق سبحانه, الذي لايغفل ولا ينام, خلق عباده وتكفل برزقهم ولن ينسى منهم أحد, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)[فاطر:3]، وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود:6]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت"(حسنه الألباني)
وصلوا وسلموا على خير البرية (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].