السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لابد أن نكون على علم بأن هناك منظمات في كل بلد لاستقطاب الشباب والفتيات، وإغوائهم باسم الحرية، وهي في الحقيقة انسلاخ من الدين والأعراف الاجتماعية، يقومون بالترويج لأنفسهم عبر الشبكة العنكبوتية، ويثيرون الشُّبَه في أواسط...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: إن تربية الأولاد في هذا الزمن شاقة وعسيرة، تحتاج من الولي أن يستعين بالله، ثم يجتهد ويشاور أهل الاختصاص والتجارب؛ علَّه ينجح في التربية، إن الشرور التي تحيط بأولادنا هذه الأيام؛ كالقنوات الفاسدة، وأصدقاء السوء، يمكرون بفلذات أكبادنا، حتى استصعبت التربية على الأولياء، وحتى تمرَّد الأولاد على أوليائهم، وإن المربي الفَطِن للذي يتنبه لذلك قبل تفاقم الأمر، وقبل أن ينقطع زمام القيادة من أيديهم.
معاشر المسلمين: تطور وضع الأولاد هذه الأيام فأصبحوا يتمردون على أوليائهم، ويهربون في أحضان الدول الكافرة، ولربما خرجوا من الدين والعياذ بالله، وأيدي الشر تتلقفهم، وتعينهم على عصيانهم وعقوقهم، وإني حين أطرق هذا الموضوع أبين أسباب هذه الأمر ليتجنبه المربون، ليتمكنوا من قيادة الأسرة القيادة المطلوبة.
إن ظاهرة الهروب من البيوت ظاهرة متفشية في المجتمعات كلها خصوصًا المجتمعات الكافرة، ولكن ما يحزّ في النفس هو وصول هذه الظاهرة إلى بلاد المسلمين، وذلك لتخلُّق البعض بأخلاقهم؛ فمن تخلَّق بأخلاق الكفار وتشبَّه بهم أصابته الشرور المحدقة بهم، ومنها ظاهرة العصيان والتمرد على الأبوين؛ فبين الفينة والأخرى نسمع بهروب فتاة من بيت أهلها، ولا يعلم أن ذهبت، ثم يتبين الأمر أنها خرجت تنشد الانفلات من القيود الدينية والأعراف المجتمعية، كنَّ يهربنَ داخل البلد، والآن أصبحن يهربنَ ويطلبنَ اللجوء السياسي في بلدان الكفر، ولربما بعض البلدان التي تُعَدّ عدوًّا لبلدنا، فتتلقفهم أيدي الشر والتي تمكر لتفسد علينا أمننا واستقرارنا، ولهذا كان لزامًا أن نستيقظ لما يُحاك ضدنا، وضد أولادنا؛ خصوصًا النساء؛ كما قال الله -سبحانه-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة:120]، ويقول -تعالى-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء:89].
أيها المؤمنون: لابد أن نكون على علم بأن هناك منظمات في كل بلد لاستقطاب الشباب والفتيات، وإغوائهم باسم الحرية، وهي في الحقيقة انسلاخ من الدين والأعراف الاجتماعية، يقومون بالترويج لأنفسهم عبر الشبكة العنكبوتية، ويثيرون الشُّبَه في أواسط الشباب والفتيات، ويغرونهم بالأموال، ويسهِّلون لهم طرق الهروب، بل ويرسمون لهم الطريق، ويستقبلونهم ويضمونهم إلى فريقهم، ويتكفلون بهم في بداية الأمر ثم يهملونهم بعد أن يسلخونهم من دينهم وعاداتهم.
عباد الله: إن موقف المسلم تجاه هذه الظاهرة يتلخص في وقفات:
الأولى: أن يحذر المرء من الشماتة، والسخرية بهم، والواجب أن يحمد الله على العافية ويسأل الله لهم الهداية.
الثانية: أن يعلم المرء أن المسلم ليس له مأوى إلا حضن والديه، وبلده، ولو زخرفوا لنا بالقول؛ فهم يكيدون بنا كيدًا عظيمًا.
الثالثة: تحذير الأولاد من ذلك، وفضح هذه المنظمات لهم؛ حتى لا يكونوا ضحية لهم يوما من الأيام.
الرابعة: كثرة الدعاء للنفس وللأولاد والزوجات بالهداية والثبات؛ فهي أكبر معين للعبد في زمن الفتن والشهوات.
الخامسة: تغيير أسلوب التعايش مع الأولاد في البيت؛ فلقد تغير الوقت بعد هذا الانفتاح الفضائي، كنا في السابق لا يربي أبناءنا إلا نحن والمدرسة، والآن أصبح العالم كله يربي أولادنا، على حسب انفتاح الشاب والفتاة على النت.
السادسة: إن أسلوب الضغط والكبت لا يجدي الآن؛ فهو أحد عوامل الهروب وادعاء التعنيف، تقول إحدى الهاربات: كنت أستفز والدتي؛ لكي تعنّفني، ولربما ضربتني، وأقوم بتصويرها لكي أستدل به على التعنيف الأسري.
السابعة: إيجاد الحياة العاطفية في البيت، التي تجعل البيت يعيش سعيدًا، وتقوِّي العلاقة الأسرية، والمحبة الأخوية والأبوية.
الثامنة: الحذر من ترك الحبل على الغارب للأولاد، والدلال الزائد؛ فكما أن الضغط يسبب الهروب؛ فكذلك الانفلات يسبب الهروب.
التاسعة: نحن في هذه الزمن نحتاج إلى التقرب للأولاد أكثر، وإيجاد جلسات الحوار والمناقشة، والتعرف على أفكار أولادنا، قبل أن يفجأونا بما لا تحمد عقباه.
العاشرة: مراقبة الشباب والفتيات في أجهزتهم، ولا مانع من تفتيشها إذا وُجِدَتْ الريبة؛ من غير تخوين ولا اتهامات، قبل أن يقع الفأس في الرأس، لا تنفع الآهات والندم.
اللهم احم أولادنا من أهل الشر والذين يمكرون بنا يا رب العالمين.
أقول قولي...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن من أكبر العون بعد عون الله في حفظ أُسَرنا من الشتات والضياع والهروب وسوء الخصال، هو الصحبة الطيبة؛ فهم يربّون معك ذريتك على طيب الخلق، وحُسن المنهج في الحياة؛ فهم لا ينفعون في الدنيا وحسب، بل في الدنيا والآخرة؛ كما قال -سبحانه-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67].
والصحبة الطيبة في بلادنا كثيرة -ولله الحمد-؛ فانظر مَن يصحب ابنك وبنتك في المدرسة، وفي الشارع، وفي الاستراحات؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي موسى الأَشعَرِيِّ -رضي الله عنه-: أَن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً"؛ فالتركيز على الأصحاب في هذا الزمن مهم جدًّا.
عباد الله: إن من الأمور التي تساعد على انتشار ظاهرة الهروب من البيوت خصوصًا الفتيات، هو ترك البنات يخرجن مع زميلاتهن كما يشأن؛ في المقاهي والاستراحات؛ فكم فيها من الويلات والأولياء في غفلة عظيمة؛ فلا أريد التصريح أكثر، والحرّ تكفيه الإشارة.
ثم لنعلم أن المناداة بالحرية المزعومة من أعداء المرأة لداع كبير إلى عصيانهن على الولي، ثم الهروب من بلدهن لأحضانهم في أيّ بلد تتلقفهم؛ فاحذروا أعداء المرأة الذين يسعون في زعزعة لحمة الأسرة في بلدنا العفيف.
ومن المهمات أيضًا: أن نشرح لأولادنا تعريف الحرية؛ فنبيِّن لهم الحرية الحقيقية للمرأة، والتي تكفل لها الأمن والكرامة والصيانة والديانة، وهي الحرية التي جاء بها الإسلام من رب العالمين: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:14]، وبين الحرية المزعومة التي ينشدها أعداء المرأة، والتي تلقفوها من الغرب الكافر، وكما قال الأمير نايف -رحمه الله-: "إن هؤلاء الذين يسعون إلى حرية المرأة هم في الحقيقة يسعون إلى حرية الوصول للمرأة"، وصدق -رحمه الله-، وأكبر شاهد على ذلك كلام بعض الهاربات من بلادهن بعدما تبين لهن الخطأ الكبير الذي وقعن فيه، وكيف أصبحن دُمًى يلعب بهن أعداء المرأة بعد أن أوقعوهن في الفخ.
اللهم احم نساء المسلمين وشبابهم من دعاة الفتنة والإلحاد يا رب العالمين.