البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

من أسباب صلاح القلب: المداومة على العمل الصالح

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تعريف العمل الصالح .
  2. المداومة على العمل الصالح ثمرة لصلاح القلوب .
  3. دعوة للمداومة على العمل الصالح .

اقتباس

فالصلاة والصيام وقراءة القرآن، والحج والعمرة، والذكر والدعاء وبذل المعروف وتقديم النفع والصدقة ومساعدة المحتاج، وغيرها، كلها أعمال صالحة، وإن من أعظم آثار المداومة عليها صلاح...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: "القلب ملكٌ والأعضاء جنوده؛ فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده"، والقلب عليه تدور سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإن الشقاء والتعاسة التي يعيشها كثير من الناس إنما سببها عدم راحة القلوب، والصراع الذي تعيشه البشرية اليوم أفرادا وجماعات ودولا قد لا يدرك الكثير أن سبب ذلك فساد القلوب.. والقلق والهموم التي اجتاحت العالم يعود سببها إلى ضيق القلوب وقسوتها وبعدها عن غذائها الروحي وأسباب حياتها؛ فالقلب وعاء كل شيء في حياة الإنسان، وكان من أسباب صلاحه المداومة على العمل الصالح الذي يمده بأسباب الحياة.

ولا يكون العمل صالحا ومقبولا؛ إلا إذا وافق الشرع الحكيم وأخلص صاحبه للسميع العليم؛ كما في الحديث الصحيح: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، وقد يعمل المرء عملا موافقا للشرع لكنه غير مخلص فيه لله تعالى فلا يقبل منه كذلك (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[البيِّنة:5].

فالصلاة والصيام وقراءة القرآن، والحج والعمرة، والذكر والدعاء وبذل المعروف وتقديم النفع والصدقة ومساعدة المحتاج، وغيرها، كلها أعمال صالحة، وإن من أعظم آثار المداومة عليها، صلاح الأحوال وأعظمها صلاح القلوب التي إذا صلحت صلح سائر الجسد، وصلحت أحوال الإنسان في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)[محمد: 2]؛ أَيْ: أَصْلَحَ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَقُلُوبَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ، وَأَصْلَحَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ في الدنيا والآخرة.

فالمداومة على الصلاة صلاح للقلوب لنهيها عنِ الفحشاءِ والمنكر، والتي مصدرها القلب، قال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[القصص:39]، وتُزكِّي أنفسَهم، وتُقوِّمُ سلوكَهم؛ فعن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسولَ الله -صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- قال: "أَرَأَيْتُمْ لو أَنَّ نَهْرًا بِبابِ أَحَدِكم، يَغْتَسلُ منه كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟"، قَالُوا: لا يَبْقى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قال: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطايا" (رواه الترمذي).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق فقال: "إنه سينهاه ما تقول" (رواه أحمد).

ولزوم العبد للأعمال الصالحة سبب لطهارة قلبه من النفاق ونجاة صاحبها من العذاب في الآخرة؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق"(أخرجه الترمذي)

ومن ذلك: الإكثار من قراءة القرآن ولزوم تلاوته وتدبره، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37]، وقال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ)[الزمر: 23].

يقول ابن أبي العز -رحمه الله-: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق، وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاوم الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟!؛ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه".

ومن ذلك: ذكر الله -تعالى-؛ حيث أن ذكر المولى يورث الطمأنينة والراحة في قلب الذاكرين، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)[الرعد: 28-29].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "كان إذا حدق بنا الخصوم، وأرجفوا بنا، وألبوا علينا، واعترتنا المخاوف من كل جانب؛ أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: فوالله ما إن نرى وجهه حتى يذهب ذلك عنا جميعاً لما يرون في وجهه من الإنارة، وما يرون فيه من المعاني الدالة على انشراح الصدر، وثبات القلب والتقى والرجاء والخوف من الله، فإن الوجه مرآة للقلب ولهذا قيل: "ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه".

ودخل رجل على عثمان -رضي الله عنه-، فقال عثمان:" أيعصي أحدكم ربه ثم يدخل علي؟ فقال الرجل: أَوَحْيٌ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يعني كيف علمت؟) فأخبره أنها فراسة المؤمن حيث يكون الوجه مظلماً؛ لما في القلب من الظلمة، ويكون الوجه مشرقاً؛ لما في القلب من الإشراق.

عباد الله: والمداومة على الدعاء باب من أبواب الراحة القلبية، حينما يلجأ العبد إلى ربه ومولاه؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابةُ، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186]، وليُكثر المؤمن من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالثبات على الدِّين، حيث كان -صلى الله عليه وسلم- يلهج دومًا بهذا الدعاء: "يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك"(رواه الترمذي بسند حسن).

ومن آثار المداومة على الأعمال الصالحة على القلب بجميع أنواعها: تكاثر الحسنات، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق".

وحسب المعصية شناعة وقبحا أنها تورث المهانة؛ حيث أن العزة في طاعة الله وحده، قال -سبحانه-: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)[فاطر:10].

وكان من دعاء السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك"، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".

وقال عبد الله بن المبارك -رحمه الله-:

رأيت الذنوب تميت القلوب

وقد يورث الذلَّ إدمانُها

وترك الذنوب حياة القلوب

وخير لنفسك عصيانها

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك حسن عبادتك.

قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطــبة الثانـية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

أيها المؤمنون: والمداومة على العمل الصالح طريق للقلب السليم الذي لا يدخل المرء الجنة إلا به، ومن بدل وقصر وفرط وغير ولم يثبت على الخير فلا يلومن إلا نفسه؛ فعن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطيبًا بموعظة، فقال: "إنه سيجاء برجال من أمَّتي، فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ، أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة: 117-118]، قال: فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم)؛ (رواه البخاري ومسلم).

والمداومة على العمل الصالح يورث القلب أنساً بالله وقرباً منه؛ فإن المعاصي تصرف القلب وتشتته وتبعده عن الله، وتوقع الوحشة بين العبد وربه.

والعمل الصالح والمداومة عليه يسد على الشيطان مداخله إلى القلب، والتي يأتي منها أمراضه ويحدث من خلالها فساده.

ومن ذلك: أن المداومة على العمل الصالحة نوع من المجاهدة للوصول إلى صلاح القلب واستقامته، يقول ابن المنكدر -رحمه الله - وهو من علماء التابعين:" كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي"؛ فصار في حال من العبودية عجيب كان يقول: "إني لأدخل في الليل فيهولني فينقضي وما قضيت منه أربي".

عباد الله: وهناك أعمال صالحة؛ كقيام الليل، والصدقة، ومساعدة اليتيم والمسكين، وإدخال السرور على الآخرين وغيرها، ولا شك أن المداومة عليها تورث القلب اللين والطمأنينة والسعادة والراحة؛ فأصلحوا قلوبكم -عباد الله-، وأمدوها بأسباب الحياة والصلاح، وحافظوا على الأعمال الصالحة والمداومة عليها.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].