العربية
المؤلف | إبراهيم بن صالح العجلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إن من سعادة الحياة وطيب العيش أن يحظى العبد بمحبة الآخرين فتهفو القلوب بمودته، وكل إنسان عاقل سوي يسعى إلى أن يغرس شجرة محبته في قلوب الآخرين. وإذا كان هذا حال المخلوق مع المخلوق فكيف الشأن إذا كانت المحبة بين العبد وربه. فأي شرف أسمى، وأي رفعة أسنى يوم أن يتبوّأ العبد منزلة عند ربه تعالى فيتوَّجُ اسمه في قائمة المحبوبين عند ملك الملوك، فيا لسعادة من حظي بهذه المحبة الإلهية ويا لهناء عيشهم وطيب حالهم ..
معاشر المسلمين: إن من سعادة الحياة وطيب العيش أن يحظى العبد بمحبة الآخرين فتهفو القلوب بمودته، وتأنس المجالس بطلته، وكل إنسان عاقل سوي يسعى إلى أن يغرس شجرة محبته في قلوب الآخرين.
وإذا كان هذا حال المخلوق مع المخلوق فكيف الشأن إذا كانت المحبة بين العبد وربه.
فأي شرف أسمى، وأي رفعة أسنى يوم أن يتبوّأ العبد منزلة عند ربه تعالى فيتوَّجُ اسمه في قائمة المحبوبين عند ملك الملوك، فيا لسعادة من حظي بهذه المحبة الإلهية ويا لهناء عيشهم وطيب حالهم.
"حبيب الله" قمة عالية تصغر دونها القمم، ووسام رفيع تضيع معه الألقاب.
إن التطلع لهذه المحبة العظيمة لهي الغاية التي تنقطع معها الأماني والآمال، ثم لا تسل بعد ذلك عن العناية الإلهية لحبيبه.
وإذا العناية لاحظتك عيونها | نَــمْ فالمخاوِفُ كلهنَّ أمانُ |
يحفظ الله حبيبه برعايته ويكلؤه بعنايته فيصون جوارحه عن الآثام، وفي الحديث القدسي: «فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها».
والمعنى.... أن الله يحفظ جوارح عبده وحبيبه فلا يسمع ولا يبصر إلا في الحلال وما يحبه الله، ولا تمتد يده ولا تسعى رجله إلا في ما يرضي الله تعالى، أما أبواب السماء فلا تقفل أمام دعوات هذا الحبيب المحبوب «ولئن سألني لأعطينَّــه».
عباد الله: المحبة صفة إلهية اتصف بها ربنا عز وجل بلا تكييف أو تمثيل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] ومن أسمائه سبحانه " الودود " والمودة أصفى درجات المحبة وألطفها، فهو سبحانه يحب أنبيائه وملائكته، ويحب فئامًا من المؤمنين؛ لاتصافهم ببعض الخِـلال المحبوبة إليه فكافئهم أن جعلهم من المحبوبين لديـه.
فيا عُشاق السمو، ويا أهل الهمم والقمم، تعالوا لنقف مع تلك الخصال التي يحبها ربنا جل وعلا فنستمسك بها، ونداوم عليها، فلعل كرامةً إلهية تصيبنا فننظم بذلك إلى قوافل أحباب الرحمن.
وهو الودود يحبهم ويحبـه | أحبابه والفضـل للمنـان |
إخوة الإيمان: اعتراف العبد بذنبه وندمه على فعله وعزمه على عدم مقارفته من الأشياء التي يحبها المولى جل وعلا، فهو سبحانه يحب عبده التواب... الذي إذا أذنب أتاب واستغفر ربه وتاب.
وإذا قصّــر في أداء واجبٍ أعقبه بتوبة وأوبه حتى يصبح بذلك كثيرُ التوبة لله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) [البقرة:222]، يحب المتطهرين معنويًّا من الأخلاق الرذيلة والأفعال القبيحة والمتطهرين حسيًّا من الأنجاس والأحداث (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) [التوبة:108].
* محبةُ الله تُـزفُّ... إلى عباد الله المحسنين، الذي أحسنوا في عباداتهم حتى بلغوا درجة الإحسان وأحسنوا إلى خلقِ الله بالمال الطاهر والكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة:195].
تحقيق تقوى الله عز وجل بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر من أسباب نيل المحبة الإلهية ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة:4].
* تصبير النفس على طاعة الله وتصبُّــرها عن معصية الله واصطبارها على أقدار المؤلمـــة من المراتب العلية التي يحبها المولى جل جلاله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].
* محبة الله تتنزل لعباد الله المتوكلين (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) [آل عمران:159].وللمقسطين (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [المائدة:42] وللمجاهدين (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف:4].
ومن أعظم أبواب نيل محبة الله تعالى: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واقتفاء أثره وهديه، والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى واعدًا ومؤكدًا: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [آل عمران:31].
إخوة الإيمان: * فعل الواجبات وإقامة الفرائض من أعظم الطاعات المقربة للرحمن عز وجل، بيد أن الحريصين على محبة الله لهم لا يقفون عن هذا الحد، بل تسمو بهم الهمم، فيبسطون جناح التقرب إلى الله بالنوافل صلاةً وصيامًا وإنفاقــًا وحجًا.
إذا أشرقت على أحدهم شمس النهار، فله مع النافلة في النهار موعد، وإذا غربت شمس ذلك اليوم فله مع الناقلة في الليل موعد، وهكذا حاله مع الصيام والصدقة والحج وسائر التطوعات، ولا يزال العبد على هذه الحال من المواظبة على التطوعات والمستحبات حتى يكتب عند الله من المحبوبين، يقول سبحانه في الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبـــه...».
عباد الله: صنائع المعروف مزارع الآخرة التي يبذرها العبد في دنياه، وهي بابٌ متين ويتقي بها العبد حوادث الدهر وأتراح الحياة، وأهل المعروف هم أحباب الرحمن، يتقلبون في دنياهم في معونة الله وتوفيقه مع الذكر الجميل والإطراء الجليل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس» رواه الطبراني وغيره وهو حديث حسن.
ومن أعظم الأعمال التي تُـدركُ بها محبة الله: الزهد في الدنيا: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلـَّنـي على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس ! فقال: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عنــد الناس يحبك الناس» رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح.
وحقيقة الزهد في الدنيا ترك كل ما لا ينفع في الآخرة، فتصبح الدنيا في اليد لا في القلب، وليس معنى الزهد رفض الدنيا بالكلية أو ترك العمل فيها والقعود عن تعميرها، فها هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من أزهد الناس في الدنيا ومع ذلك عملوا في التجارة والزراعة وضاربوا في الأسواق.
وببركة أموالهم قويت دولة الإسلام، وانتشرت الدعوة، وحُمل الناس في سبيل الله، ويكفي أن نعرف أن سبعة من العشرة المبشرين بالجنة كانوا من أهل الثراء، وأصحاب الأموال الضخمة.
وما أجمل ما قاله الإمام أحمد عن الزهد ـ وهو من هو في الزهد والورع ـ: الزهد أن يكون عنده المال فلا يستبدَّ بكَ الحُزْن إن نقص ولا يستبدَّ بك الفرحُ إن زاد.
عباد الله: حينما تُـبنى العلاقات على المحبة في الله، وحينما يكون التجالس والتزاور قائمًا على المحبة في الله لا يشوبها مصلحة ولا هوى، فإن هذه المحبة سبب لتنزيل محبة الله تعالى على أولئك المتحابين فيه.
يقول سبحانه في الحديث القدسي: «وجبت محبتي للمتحابين فيَّ والمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ» رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان.
* التعفف عما في أيدي الناس عزُ الرجلِ وشرفــه، وإذا رزق العبد عفافـًا أشرقت عليه شمس محبة الآخرين وفي الحديث «وازهد فيما عند الناس يحبك الناس».
ولذا كان العفيف محبوبًا عند الله عز وجل، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض السائل المُلـحِــف ويحب الحيَّ العفيف المتعفف» أخرجه البيهقي وجوّد إسناده الذهبي.
* مكارم الأخلاق من الطبائع التي أطبقت الشرائع على الثناء عليها والسعي في الوصول إليها بها يسموا المجتمع ويشتدُ بنيانه وتزهو مكانته.
ولذا فإنَّ صاحبَ الخلقِ الحسن من أحب الناس إلى الله تعالى يُسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحبُّ إلى الله فقال: «أحبُّ الناس إلى الله أحسنهم خُلقًا» صححه ابن حبان.
* رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم استجلب محبة الله بسبب سورة الإخلاص تدبرها وتأملها، فلهج لسانه بذكرها، فلما سئل عن ذلك قال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أخبروه أن الله يحبه» متفق عليه.
عباد الله: صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ذكر جملاً من الخصال والأعمال التي يحبها الله عز وجل، فهاكم وثيقة نبوية ببعض تلك الخلال المحبوبة عند الله عز وجل، فقـــد صح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث متفرقة أنه قال: «إن الله جميلٌ يحب الجمال»، «إن الله يحب إذا عملِ أحدكم عملاً أن يتقنه»، «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»، «إن الله وتر يحب الوتر، ويحب الرفق في الأمر كله».
ـ والحلم الأناة خصلتان يحبها الله عز وجل.
ـ وعـلَّـم النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تقول في ليلة القدر: «اللهم إنّك عفوٌ تحب العفو فاعف عني».
ـ وهو سبحانه يحب الحياء والستر.
ـ ويحب أن تُؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.
ـ وأحبُ الكلام إليه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر وسبحـان الله وبحمده سبحان الله العظيم كلمتان حبيبتان إلى الرحمن.
ـ «وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».
ـ «والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».
ـ ومن الصدقات التي يحبها الله: الإصلاح بين الناس إذا تباغضوا وتحاسدوا.
ـ ويحب من عباده أهل السماحة في البيع والشراء والقضاء، ويحب من أحب صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم ويبغض من أبغضهم، قال صلى الله عليه وسلم في الأنصار: «لا يُحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله».
تلك يا عباد الله أصناف المحبوبين المحظوظين بمحبة الله تعالى وشيء من خصالهم وأعمالهم.
فواجب على أهل الإيمان أن تمتد أعناقهم لبلوغها ويتنافسوا في تحصيلها، فهي أربح المكاسب وأجزل المواهب ومن نال شرفها فقد فاز فوزًا عظيمًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [آل عمران:31].
بارك الله لـي ولكم في القـرآن العظيـم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه ومن اجتبى. أما بعد:
فيا عباد الله: إن محبة الله عز وجل لعباده أمر غيبـي، لا يُجزم بنسبتها إلى أحدٍ من البشر وإن كان قد اتصف ببعض الصفات المحبوبة عند الله تعالى، إذ إنَّ معيار قبول العمل أو رده لا يعمله إلا الله عز وجل.
بيد أن ثمة علامات تدلُ على محبة الله لعبده فيستأنس بها بلا جزم أو تأكيد على تحقيق تلك المحبة ومن تلك العلامات:
ـ ابتلاء الله تعالى لعبده المؤمن بأنواع المصائب وألوان البلايا، كل ذلك ليكفّر ذنبه ويحط عنه خطيئاته، روى الترمذي بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السُّـخط».
أما إذا نزل البلاء والمصيبة على أهل الكفر والنفاق وأهل الفجور والإعراض عن الله فهي لونٌ من العقوبات الإلهية ليصيبهم ببعض ذنوبهم في الدنيا ويجازيهم على بقيتها في الأخرى، (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ..) [المائدة:49].
ـ ومن العلامات الدالة على محبة الله لعبده: أن يحظى العبد بالقبول بين العباد فتحبه القلوب وتميل إليه النفوس وتُثني عليه الألسن، ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله إذا أحبَّ عبده دعا جبريل، فقال: إني أُحبُّ فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إنَّ الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض».
ـ ومن تلك العلامات أيضًا: إدخال الرفق على عبده، حتى يكون خلقًا لازمًا له يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق» أخرجه ابن أبي الدنيا في (ذم الغضب) والضيـاء المقدسي في (المختارة) وهو حديث صحيح...
ـ ومن علامات محبة الله لعبده: أن يوفقه للعمل الصالح قبل موته.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أحبَّ الله عبدًا عسّله فقيل: وما عسّله؟ قال: يوفق له عملاً صالحًا بين يدي أجله، حتى يرضى عنه من حوله» أخرجه الإمام أحمد وصححه ابن حبان والحاكم واللفظ له وهو حديث صحيح.
فاتقوا الله إخوة الإيمان وتحسسوا محاب الله، وتلمسوها تَصْلـُحْ لكم دنياكم بعناية الله، وأخراكم بمغفرته ورضوانه، كما قال سبحانه (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [آل عمران:31]..
هذا وصلوا وسلموا على حبيب الله ونبيه ومصطفاه محمد بن عبد الله.