البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

سنة العقوبات والمثلات

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. العقوبات سنة إلهية .
  2. الاستئصال عذاب الأمم السابقة .
  3. صور من العقوبات الإلهية .
  4. سبب عقوبات الله لعباده .
  5. وجوب الاتعاظ مما حلَّ بالأمم السابقة .

اقتباس

عذابُ الله شديدٌ، وعِقابُه سريعٌ، وأخذُهُ أليم، ووعدُه حقٌّ، وبيده مقاليدُ السماوات والأرض، ولا يُعجِزُه شيءٌ، وما يعلمُ جنودَه إلا هو، وأمرُه كلمحِ البصرِ، وإذا عصَى العبدُ ربَّه هانَ عليه، ويستدرِجُه من حيث لا يعلمُ، وهو...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: خلقَ الله العبادَ لعبادته، وبيَّن لهم طريقَ الهداية من طريق الضلالة؛ فمن أطاعَه نالَ السعادة، ومن عصاه أعدَّ له عذابًا شديدًا، قال -عز وجل-: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ)[الحجر: 49، 50].

والله -سبحانه- قويٌّ قديرٌ قاهر إذا نزلَ عذابُه لم يرُدَّه أحدٌ، والعقوبةُ الإلهية سنةٌ من سنن الله التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، قال -عز وجل-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)[آل عمران: 137].

عباد الله: لقد كانت الأممُ السالفةُ تُعذَّبُ باستِئصالِها جميعًا، قال -سبحانه-: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 45]، ولما بعثَ الله موسى -عليه السلام- رفعَ الله برحمته عذابَ إهلاك الأمةِ جميعًا، قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى)[القصص: 43]، قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: "وكان قبل نزول التوراة يُهلِكُ اللهُ المُكذِّبين للرسل بعذابِ الاستِئصال عذابًا عاجِلًا، يُهلِكُ اللهُ به جميعَ المُكذِّبين".

وسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ربَّه أن لا يُهلِكَ أمَّتَه جميعًا؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "سألتُ ربي أن لا يُهلِكَ أمَّتي بالسَّنَةِ-أي: بالجُوعِ- فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُهلِكَ أمَّتي بالغرق فأعطانيها، وسألتُه أن لا يجعلَ بأسَهم بينهم فمنعنيها"(رواه مسلم).

أيها الإخوة: وعقوبات الله -تعالى- للأمم متنوعة؛ فمن عقوباته -سبحانه-:

الغرقُ، قال -سبحانه- عن قومِ نوحٍ: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا)[نوح: 25]، وأغرقَ فرعونَ وجنودَه؛ فقال: (فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ)[الأعراف: 136]، وأهلك قوم سبأٍ بالماءِ؛ فقال -تعالى-: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ)[سبأ: 16]، وهدَّدَ الآمنين من مكره بالغرق؛ فقال: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ)[الإسراء: 69].

ومن عقوباته -تعالى-: الريح أرسلها على قوم عادٍ، (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ)[الحاقة: 6]، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا رأى غَيْمًا أو رِيحًا خشِيَ منها، وقال: "ما يُؤمِّنُني أن يكونَ فيه عذابٌ، قد عُذِّبَ قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذابَ فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)"(متفق عليه).

ومن عقوباته -تعالى-: الصيحة التي عذب بها قومَ صالحٍ، (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)[القمر: 31]، وتوعَّد اللهُ المُشركين بمثلِ هذا العذابِ؛ فقال: (وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ)[ص: 15].

ومنها: الرمي بالحجارةٌ عُذب بها قومُ لُوطٍ، قال -سبحانه-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)[هود: 82]، ولما همَّ أصحابُ الفيل بهدمِ الكعبة نزلَت عليهم حجارةٌ من السماء، (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)[الفيل: 3، 4].

ومن عقوباته -تعالى-: الخسف في الأرض؛ فهذا قارون علَا وبغى فأهانَه الله في سافلِ الأرض، قال -سبحانه-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ)[القصص: 81]، ولقد حذَّر الله العُصاة من هذا مثل العذابِ؛ فقال: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ)[النحل: 45]، وفي الحديث:"وبينما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُه نفسُه مُرجِّلٌ جُمَّتُه إذ خسَفَ الله به؛ فهو يتجلجلُ به إلى يوم القيامة"(متفق عليه).

من العقوبات الإلهية: تسليط الأعداء فقد عذَّبَ بني إسرائيل بتسليطِ أعداء عليهم إلى يوم الدين، قال -سبحانه-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)[الأعراف: 167]، وفي الحديث: "وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ؛ فأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ"(رواه ابن ماجه وغيره).

ومن العقوبات: المسخ؛ فقد عذب الله قوماً بمسخ صُورهم إلى غير صُورة البشر، قال -سبحانه-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)[البقرة: 65]، وسيقعُ في هذه الأمةِ مِثلُ ذلك، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "ليَكُونَنَّ من أمَّتِي أقوامٌ يستحِلُّونَ الحِرَ -أي: الزنا- والحريرَ والخمرَ والمعازِفَ، ولينزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ -أي: جبَلٍ- يرُوحُ عليهم بسارحَةٍ لهم -أي: لهم غنَمٌ-، يأتيهم -يعني: الفقيرُ- لحاجةٍ فيقولون: ارجِع إلينا غدًا؛ فيُبيِّتُهم الله ويضعُ العلَمَ -أي: يدُكُّ الجبلَ- ويمسَخُ آخرين قِردةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة"(رواه البخاري).

وأعظمُ عقوبةٍ في الدنيا: العقوبةُ في الدين؛ فمن صدَّ عن دين الله أعرضَ الله عنه، قال -سبحانه-: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)[الصف: 5]، ومن نقضَ ميثاقَ ربِّه وأشركَ مع الله غيرَه عُوقِبَ بقَسوَةِ القلبِ، قال -سبحانه-: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)[المائدة: 13]، ومن دعا غيرَ الله نُزِعَت من قلبه محبةُ الله وأحبَّ ما سِواه، قال -سبحانه-: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)[البقرة: 93]، ومن تعلَّق تميمةً تخلَّى الله عنه ووكلَهُ إلى ما علَّق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "من تعلَّقَ شيئًا وُكِلَ إليه"(رواه الترمذي).

وعقوبات الله -تعالى- للكافرين والمكذبين والمعرضين كثيرة جداً؛ فهو -سبحانه- يقضي بما يشاء، والكون كله تحت قهره وإرادته، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[المدثر: 31].

معاشر المسلمين: العقوباتُ الإلهية سببُها العبادُ أنفسُهم، قال -سبحانه-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)[الشورى: 30]؛ فالكفر بالله ومعصيته هما سببا كل عقوبة من الله، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[غافر: 21، 22]، ومن لم يشكُر نعمةَ الأمن والرخاء سلَبَه الله إياهما، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].

عصَى رجلٌ أمرَ النبي -عليه الصلاة والسلام- فشُلَّت يدُه من ساعته، كان الرجلُ يأكلُ بشِماله؛ فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كُل بيمِينك"، قال: لا أستطيعُ؛ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "لا استَطَعْتَ، ما منعَه إلا الكِبْرُ"، قال الراوي: فما رفعها إلى فيه (رواه مسلم).

وأسلمَ رجلٌ نصرانيٌّ فكان يكتبُ للنبي -عليه الصلاة والسلام- كُتبَه؛ فارتدَّ فأماتَه الله، فدفنُوه فلفَظَته الأرضُ، فحفَروا له ثانيةً فأعمَقُوا فلفَظَته الأرض، فعلوا ذلك ثلاث مراتٍ والأرض تلفظُه فترَكوه (رواه البخاري)

ولما قرأَ كِسرى كتابَ النبي -عليه الصلاة والسلام- مزَّقَه فمزَّقَ الله مُلكَه، قال الزهريُّ -رحمه الله-: "فحسِبتُ أن ابن المُسيَّب قال: فدعا عليهم رسولُ الله -عليه الصلاة والسلام- أن يُمزَّقَ كلَّ مُمزَّق"(رواه البخاري).

وطعن رجلٌ في أبي هريرة فعاجله الله بالعقوبة، قال القاضي أبو الطيبِ -رحمه الله-: "كنا في مجلسِ النظرِ بجامعِ المنصورِ، فقال شابٌّ: أبو هريرة غيرُ مقبول الحديثِ؛ فما استتمَّ كلامَه حتى سقَطَت عليه حيَّةٌ عظيمةٌ من سقفِ الجامعِ، فوثبَ الناسُ من أجلها -أي: جلَسُوا فزِعين-، وهربَ الشابُّ منها وهي تتبَعُه، فقيل له: تُب، فقال: تُبتُ، فغابَت الحيَّةُ فلم يُرَ لها أثرٌ".

وقد يتأخَّرَ عذابُ الله فيكونُ استِدراجًا أو إمهالًا، قال -سبحانه-: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ)[الأعراف: 182]، قال القرطبي -رحمه الله-: "تأخيرُ العذابِ ليس للرِّضا بأفعالهم؛ بل سُنَّةُ الله إمهالُ العُصاة مُدَّة".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: عذابُ الله شديدٌ، وعِقابُه سريعٌ، وأخذُهُ أليم، ووعدُه حقٌّ، وبيده مقاليدُ السماوات والأرض، ولا يُعجِزُه شيءٌ، وما يعلمُ جنودَه إلا هو، وأمرُه كلمحِ البصرِ، وإذا عصَى العبدُ ربَّه هانَ عليه، ويستدرِجُه من حيث لا يعلمُ، وهو -سبحانه- لا يخفَى عليه شيءٌ من أعمال خلقِه؛ فمن عمِلَ صالحًا شُكِر، ومن أساءَ عُوقِبَ، والعاقلُ لا يستهينُ بمعاصِي الله فلا يعلمُ أيُّها تُهلِكُه.

وقد قصَّ الله علينا قصصَ من قبلَنا للعِظَة والعِبرَة، وهو بحكمتِهِ وعدله يُظهِرُ للناسِ أعمالَهم في قوالِب وصُورٍ تُناسِبُها؛ فتارةً بقحطٍ وجَدبٍ، وتارةً بعدوٍّ، وتارةً بأمراضٍ عامَّة، وتارةً بهُمومٍ وآلامٍ وغمومٍ، وتارةً بمنعِ بركاتٍ من السماء والأرض وقطع الرِّزق، ومن تابَ رفعَ عنه عذابَه، ومن أنابَ إليه أعلى درجَتَه.

فاحذروا غضب الله وعقابه، واعتبروا بمن مضى من الأمم السالفة، (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر: 44].

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه؛ فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].