البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن صالح العجلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - السيرة النبوية |
لقد أُعطيَ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، واختصر له الحديث اختصارًا، فكان يقولُ الكلماتِ المعدودة، فيقعُ أثرُها في قلوب أصحابِه مَوْقِعًا بليغًا، حتى تَغُطَّ رؤوسُهم، ويُسمعُ لهم خنين من البكاء. فيا من أراد صنعةَ التعليمِ وكمالَ التربية: أقبلْ إلى واحةِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، للنهلِ من ينْعِها الصافي، وينبوعِها العذب، فخيرُ الهديِ، هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم- ..
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا يَسَّرَ وَأَنْعَمَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ذُو الْفَضْلِ وَالنِّعَمِ، وَالْعَطَايَا وَالْكَرَمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَأَخَّرَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَقَدَّمَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مَزِيدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى؛ فَبِتَقْوَى اللَّهِ تُنَالُ الْعُلُومُ، وَتُدْرِكُ الْفُهُومُ، وَتَصْلُحُ الْأَحْوَالُ، وَتَزْكُو الْأَعْمَالُ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) [البقرة:282] (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفَرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: التَّعْلِيمُ مِنْ رَكَائِزِ بِنَاءِ الْأُمَمِ، بِهِ تُصَاغُ الْعُقُولُ، وَتُصَانُ السُّلُوكُ، وَعَلَيْهِ تُهَذَّبُ الْأَخْلَاقُ، وَتُزَكَّى النُّفُوسُ.
التَّرْبِيَةُ وَالتَّعْلِيمُ مَحَطَّةٌ لِإِصْلَاحِ الْفَرْدِ وَالْأُمَّةِ، مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، لِلْوُصُولِ إِلَى السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ فَضْلِ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ، وَلَا عَنْ كَيْفَ نَعِيشُ وَنَسْتَقْبِلُ الْعَامَ الدِّرَاسِيَّ الْجَدِيدَ، وَلَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ أَهَمِيَّةِ التَّعْلِيمِ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَشْيِيدِ الْحَضَارَاتِ.
كَلَّا، وَإِنَّمَا سَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْيَوْمَ عَنِ الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكُمُ الْمُعَلِّمُ الَّذِي أَحْيَا اللَّهُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَأَنَارَ بِهِ الْعُقُولَ، وَأَخْرَجَهُمْ بِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
ذَلِكُمُ الْمُعَلِّمُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [آل عمران: 164].
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَا غَايَةٍ وَلَا هَدَفٍ، أُمَّةٌ يَسُودُهُمُ الْجَهْلُ، وَتَعْلُوهُمُ الْخُرَافَةُ وَالْوَثَنِيَّةُ، وَتُمَزِّقُهُمُ النَّعَرَاتُ وَالْحَمِيَّةُ، لَيْسَ لَهُمْ فِي الْوَاقِعِ أَثَرٌ وَلَا تَأْثِيرٌ.
رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" فَبَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَافَّةً، مُعَلِّمًا وَمُزَكِّيًا، وَمُرَبِّيًا وَمُصْلِحًا.
أَحْيَا اللَّهُ بِكَ أَرْوَاحًا قَدِ انْدَثَرَتْ | فِي تُرْبَةِ الْوَهْمِ بَيْنَ الْكَأْسِ وَالصَّنَمِ |
حَتَّى تَخَرَّجَ مِنْ تَرْبِيَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَفْضَلُهَا، وَأَعْظَمُهَا مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، جِيلٌ عَظِيمٌ فَرِيدٌ، كَانَ مِنْهُمُ الْعَالِمُ النِّحْرِيرُ، وَالْمُجَاهِدُ الصِّنْدِيدُ، وَالْعَابِدُ الْمُتَنَسِّكُ، وَالزَّاهِدُ الْوَرِعُ، حَتَّى غَدَا ذَلِكُمُ الْجِيلُ سَادَةَ الدُّنْيَا، وَقَادَةَ الْعَالَمِ.
رَبَّيْـتَ جِيـلًا أَبِيًّا مُـؤْمِنًا يَقِظًا | حَسَوْا شَرِيعَتَكَ الْغَرَّاءَ فِي نَهَمِ |
نَفَضَتْ عَنْهَا غُبَارَ الذُّلِّ فَاتَّقَدَتْ | وَأَبْدَعَتْ وَرَوَتْ مَا قُلْتَ لِلْأُمَمِ |
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ أُعْطِيَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَاخْتُصِرَ لَهُ الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا، فَكَانَ يَقُولُ الْكَلِمَاتِ الْمَعْدُودَةَ، فَيَقَعُ أَثَرُهَا فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهِ مَوْقِعًا بَلِيغًا، حَتَّى تَغِطَّ رُؤُوسُهُمْ، وَيُسْمَعُ لَهُمْ خَنِينٌ مِنَ الْبُكَاءِ.
فَيَا مَنْ أَرَادَ صَنْعَةَ التَّعْلِيمِ وَكَمَالَ التَّرْبِيَةِ: أَقْبِلْ إِلَى وَاحَةِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنَّهْلِ مِنْ يَنْعِهَا الصَّافِي، وَيَنْبُوعِهَا الْعَذْبِ، فَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لَنْ تَهْتَدِيَ أُمَّةٌ فِي غَيْرِ مَنْهَجِهِ | مَهْمَا ارْتَضَتْ مِنْ بَدِيعِ الرَّأْيِ وَالنُّظُمِ |
وَإِنَّ الْمُتَأَمِّلَ لِهَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ لَيَلْحَظُ سِمَاتٍ عَامَّةً، وَخَصَائِصَ أَسَاسِيَّةً فِي مَنْهَجِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّعْلِيمِ؛ مِنْ أَهَمِّ تِلْكَ السِّمَاتِ:
تَعْبِيدُ النَّاسِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَحْرِيرُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يَخْدِشُ عُبُودِيَّتَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ لُبُّ دَعْوَةِ الرُّسُلِ جَمِيعًا: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36].
إِنَّ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ التَّعْلِيمِ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ تُغْرَسَ الْعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ فِي نُفُوسِ النَّاشِئَةِ، وَأَنْ يُرْبَطَ الطَّالِبُ فِي بَاكُورَةِ عُمُرِهِ بِرَبِّهِ تَعَالَى، مَحَبَّةً، وَرَجَاءً، وَخَشْيَةً، وَتَوَكُّلًا. وَإِنَّ غِيَابَ هَذِهِ السِّمَةِ مِنَ الْمَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالتَّرْبَوِيَّةِ، يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَالِ الْمَوَازِينِ، وَاخْتِلَالِ الْمَفَاهِيمِ، وَذَهَابِ الْفَضَائِلِ وَالْقِيَمِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ سِمَاتِ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي التَّعْلِيمِ: تَرْبِيَةُ النَّاسِ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّاتِ، وَتَصْفِيَةِ الْمَقَاصِدِ، خَاصَّةً إِذَا كَانَ هَذَا الْعِلْمُ مِنَ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ: رِيحَهَا". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ.
أَمَّا الْعُلُومُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ فِيهَا مِنْ سَدِّ حَوَائِجِ الْأُمَّةِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْأَجْرِ، مَعَ التَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنَ الْخَطَأِ الْبَيِّنِ تَرْبِيَةُ الْجِيلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيمُ سُلَّمًا لِلْوُصُولِ إِلَى الْمَنَاصِبِ الْوَظِيفِيَّةِ، وَطَرِيقًا لِبِنَاءِ الْأَمْجَادِ الشَّخْصِيَّةِ، دُونَ النَّظَرِ إِلَى النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ، فَيَذْهَبُ عَلَى الْمَرْءِ سَنَوَاتُ عُمُرِهِ، وَزَهْرَةُ شَبَابِهِ فِي التَّعْلِيمِ بِلَا أَجْرٍ حَصَّلَهُ، وَلَا ثَوَابٍ أَدْرَكَهُ، وَمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُحَصِّلُوا الْأَجْرَ، وَيَكُونَ تَعَلُّمُهُمْ طَاعَةً وَعِبَادَةَ سِوَى تَصْحِيحِ الْمَقَاصِدِ وَإِصْلَاحِ النِّيَّاتِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ سِمَاتِ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي التَّعْلِيمِ: رَبْطُ الْعِلْمِ بِالْعَمَلِ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَغِّبُ فِي الْعِلْمِ وَيُحَيِّي طُلَّابَهُ، وَيُفْسِحُ لَهُمُ الْمَجَالِسَ وَيُدْنِيهِمْ، وَلَكِنْ كَانَ يُذَكِّرُهُمْ بِقَضِيَّةٍ مُهِمَّةٍ، أَلَا وَهِيَ الْعَمَلُ بِهَذَا الْعِلْمِ؛ إِذِ الْعِلْمُ بِلَا عَمَلٍ حُجَّةٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يَقُولُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ -وَذَكَرَ مِنْهَا- وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ".
إِذَا لَمْ يَزِدْ عِلْمُ الْفَتَى قَلْبَهُ هُدًى | وَسِيرَتَهُ عَدْلًا وَأَخْلَاقَهُ حُسْنَا |
فَبَـشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ أَوْلَاهُ نِعْـمَةً | يُسَاءُ بِهَا مِثْلَ الَّذِي عَبَدَ الْوَثَنَا |
عِبَادَ اللَّهِ: الْكَلِمَاتُ بِمُفْرَدِهَا لَا تُقَوِّمُ مُعْوَجًّا، وَلَا تُنْشِئُ جِيلًا، إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ ذَلِكُمُ الْقَوْلُ بِالْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْقُدْوَةِ الطَّيِّبَةِ مِنَ الْمُعَلِّمِ.
وَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُورَةً حَيَّةً وَوَاقِعًا مَلْمُوسًا لِأَقْوَالِهِ، فَمَا حَثَّ أَصْحَابَهُ عَلَى فَضْلٍ إِلَّا كَانَ مُتَحَلِّيًا بِهِ، سَبَّاقًا إِلَيْهِ، وَلَا نَهَاهُمْ عَنْ أَمْرٍ إِلَّا كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْهُ.
يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْجُودِ، وَهُوَ أَجْوَدُ النَّاسِ، يَحُثُّهُمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِسَانُهُ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، يُوصِي بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ لِأَهْلِهِ، يَأْمُرُ النَّاسَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، فَيَتَقَدَّمُهُمْ وَبِيَدِهِ الْمِعْوَلِ، يَنْهَى النَّاسَ عَنِ سَفَاسِفِ الْأَخْلَاقِ، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَبَّابًا وَلَا لَعَّانًا.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ غِيَابَ الْقُدْوَةِ الصَّالِحَةِ مِمَّا يُذْهِبُ بَرَكَةَ التَّعْلِيمِ، وَيُقَلِّلُ أَثَرَهُ فِي نُفُوسِ الْمُتَعَلِّمِينَ، فَتَرَى الِانْفِصَامَ الْكَبِيرَ، وَالْبَوْنَ الشَّاسِعَ، بَيْنَ سُلُوكِ الطَّالِبِ وَبَيْنَ مَا تَعَلَّمَهُ وَحَفِظَهُ.
يَـا أَيُّـهَا الـرَّجُلُ الْـمُعَلِّمُ غَيْرَهُ | هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ |
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا | كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ |
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْـهَهَا عَنْ غَيِّهَا | فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ |
فَهُنَاكَ يُقْبَلُ إِنْ وَعَـظْتَ وَيُقْتَـدَى | بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ |
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ | عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَـعَلْتَ عَظِيـمُ |
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ سِمَاتِ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي التَّعْلِيمِ: الْحَثُّ عَلَى تَعْلِيمِ النَّاسِ، وَنَشْرِ الْعِلْمِ وَبَذْلِهِ، وَتَوْسِيعِ دَائِرَةِ الْمُنْتَفِعِينَ بِهِ، يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا، ثُمَّ بَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ".
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ حَالُ بَعْضِ الْمُعَلِّمِينَ، الَّذِينَ قَصَرُوا جُهْدَهُمْ وَتَوْجِيهَهُمْ عَلَى فُصُولِ الدِّرَاسَةِ، أَمَّا خَارِجَ هَذِهِ الْفُصُولِ فَلَا تَكَادُ تَرَى لَهُمْ أَثَرًا، كَأَنَّ تَوْجِيهَ الشَّبَابِ وَالنَّشْءِ وَدَعْوَتَهُمْ لِلْخَيْرِ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْأُجْرَةِ! أَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّعْلِيمِ، تَرَاهُ مُعَلِّمًا فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي الْبَيْتِ، وَحَالَ السَّفَرِ، وَعِنْدَ الزِّيَارَةِ، وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ، وَمَعَ جَمِيعِ الْفِئَاتِ: الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، الصَّدِيقِ وَالْقَرِيبِ، الطِّفْلِ وَالْغَرِيبِ، لَقَدْ بَذَلَ وَقْتَهُ كُلَّهُ لِلنَّاسِ، وَأَوْقَفَ حَيَاتَهُ لِلتَّعْلِيمِ، وَلِأَجْلِ التَّعْلِيمِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَمِنْ سِمَاتِ الْمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ فِي التَّعْلِيمِ: الرِّفْقُ وَالتَّيْسِيرُ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ بِرَأْفَةٍ وَشَفَقَةٍ، كَأَنَّمَا يَتَوَدَّدُ إِلَيْهِمْ فِي التَّعْلِيمِ:
تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا | كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهُ |
يُرْسِلُ أَصْحَابَهُ مُعَلِّمِينَ، فَيُوصِيهِمْ: "يَسِّرَا وَبَشِّرَا، وَلَا تُعَسِّرَا وَتُنَفِّرَا" كَانَ يَرَى الْخَطَأَ فَيُسْرِعُ إِلَى تَصْوِيبِهِ وَتَعْدِيلِهِ، وَلَكِنْ بِرِفْقٍ وَلِينٍ. أَخْطَأَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَنَهَرَهُ النَّاسُ وَقَامُوا إِلَيْهِ، فَنَادَاهُمُ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ: "دَعُوهُ، اتْرُكُوهُ، لَا تَزْرِمُوهُ" حَتَّى إِذَا قَضَى الرَّجُلُ حَاجَتَهُ، دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ -بِرِفْقٍ وَلِينٍ-: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْأَذَى".
وَأَخْطَأَ رَجُلٌ فَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ، فَرَمَاهُ النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَتَكَلَّمَ ثَانِيَةً، وَقَالَ: وَاثُكْلَ أُمِّيَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلَ النَّاسُ يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ لِيَسْكُتَ، فَسَكَتَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَاتَهُ، نَادَاهُ فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ".
فَوَقَعَ هَذَا التَّوْجِيهُ النَّبَوِيُّ وَاللُّطْفُ فِي الْمُعَامَلَةِ مَوْقِعًا عَظِيمًا فِي قَلْبِ الرَّجُلِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ.
عِبَادَ اللَّهِ: حُسْنُ عَرْضِ الْمَعْلُومَةِ، وَآلِيَّةُ إِيصَالِهَا لِلطُّلَّابِ، نِصْفُ التَّعْلِيمِ، وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْدَمَ طَرَائِقَ جَذَّابَةً، وَأَسَالِيبَ مُشَوِّقَةً فِي التَّعْلِيمِ، فَتَارَةً يَسْتَخْدِمُ أُسْلُوبَ الِاسْتِفْهَامِ: "أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟!" "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟!" "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟!".
وَتَارَةً يَسْتَخْدِمُ أُسْلُوبَ التَّشْوِيقِ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟!" "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ".
وَأَحْيَانًا يَسْتَخْدِمُ ضَرْبَ الْأَمْثِلَةِ: "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".
وَتَارَةً يَطْرَحُ الْمَسَائِلَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ: "إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟!".
وَتَارَةً يُثْنِي عَلَى السُّؤَالِ الْجَيِّدِ: يَسْأَلُهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: "مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟!" فَيَقُولُ: "لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ".
وَأَحْيَانًا يَرْبِطُ التَّوْجِيهَ بِالْقَصَصِ: فَيَذْكُرُ قِصَّةَ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ آوَوْا إِلَى الْغَارِ، وَقِصَّةَ الْقَاتِلِ مِئَةَ نَفْسٍ، وَقِصَّةَ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ.
وَأَحْيَانًا يَفْتَحُ بَابَ النِّقَاشِ وَالْحِوَارِ لِلْوُصُولِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] يُنَاقِشُهُ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟! فَقَالَ: "لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]" فَبَيَّنَ لَهُمْ بَعْدَ الْحِوَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالظُّلْمِ فِي الْآيَةِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
عِبَادَ اللَّهِ: وَحِينَ يُنَادِي أَهْلُ التَّرْبِيَةِ إِلَى أَهَمِيَّةِ الْوَسَائِلِ التَّعْلِيمِيَّةِ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ، نَجِدُ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْدَمَ وَسَائِلَ دَعْوَةٍ؛ تَسْهِيلًا لِلْعِلْمِ، وَتَرْسِيخًا لِلْمَعْلُومَاتِ فِي الذِّهْنِ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ، ثُمَّ قَالَ:"أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟!" قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: "أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ".
عِبَادَ اللَّهِ: هَذِهِ بَعْضُ سِمَاتِ مَنْهَجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّعْلِيمِ، وَهَذِهِ بَعْضُ أَسَالِيبِهِ. جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِهِ، وَأَهْلِ مِلَّتِهِ. أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
فَهَذِهِ رِسَالَةٌ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْقَلْبِ، مِلْؤُهَا الْمَحَبَّةُ، وَعُنْوَانُهَا النُّصْحُ وَالتَّوَاصِي عَلَى الْحَقِّ، نُهْدِيهَا إِلَى فِرْسَانِ التَّعْلِيمِ، وَأُمَنَاءِ الْأَجْيَالِ، إِلَى الْمُعَلِّمِينَ، فَأَنْتُمْ أَنْتُمْ، شَمْعَةُ التَّرْبِيَةِ، وَدُرَّةُ التَّعْلِيمِ، أَكْرِمْ بِهَا مِنْ مِهْنَةٍ!! وَأَعْظِمْ بِهَا مِنْ رِسَالَةٍ!!
يَا رُعَاةَ الْأَجْيَالِ: أَنْتُمْ عَلَى ثَغْرٍ عَظِيمٍ، وَبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجِهَادِ، فَعَلَيْكُمْ تُعْقَدُ الْآمَالُ بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى.
يَا رِجَالَ التَّرْبِيَةِ: مُجْتَمَعُكُمْ يَنْتَظِرُ مِنْكُمُ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ، فَلَا تَحْقِرُوا رِسَالَتَكُمْ وَدَوْرَكُمُ الْإِصْلَاحِيَّ، فَأَنْتُمْ خَطُّنَا الْأَمَامِيُّ لِمُوَاجَهَةِ الِانْحِرَافَاتِ الَّتِي تَعْصِفُ بِأَبْنَائِنَا وَشَبَابِنَا.
أَخِي الْمُعَلِّمَ، يَا صَاحِبَ الرِّسَالَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالدَّوْرِ الْجَسِيمِ: لَا يَخْفَاكَ أَنَّنَا نَعِيشُ أَحْدَاثًا مُتَسَارِعَةً، وَمُتَغَيِّرَاتٍ مُتَوَالِيَةً، كَثُرَتْ وَتَنَوَّعَتِ الْمُعَوِّقَاتُ وَالْمُهَدِّمَاتُ، الَّتِي تَنْقُضُ بِنَاءَاتِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّوْجِيهِ، سَيْلٌ هَادِرٌ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ، يَغْزُو الْأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتِ، وَسُبُلُ الِانْحِرَافِ أَضْحَتْ مُهَيَّأَةً وَمُيَسَّرَةً، فَكُنْ أَنْتَ رَجُلَ السَّاعَةِ، وَبَطَلَ الْمَوْقِفِ، بِعَزِيمَتِكَ الصَّادِقَةِ، وَفِكْرِكَ الْوَاعِي.
أَخِي الْمُعَلِّمَ: أَبْنَاؤُنَا وَفَلَذَاتُنَا بَيْنَ يَدَيْكَ السَّاعَةَ وَالسَّاعَاتِ، تَسْمَعُ لِأَقْوَالِكَ، وَتَنْظُرُ لِأَفْعَالِكَ، كَلِمَاتُكَ الَّتِي تَغْرِسُهَا فِي نُفُوسِ طُلَّابِكَ هِيَ إِنَارَاتٌ يُوَاجِهُونَ بِهَا دُرُوبَ الْحَيَاةِ، تَوْجِيهَاتُكَ الصَّادِقَةُ لِأَبْنَائِكَ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ جُرْعَاتٌ مِنَ الْمَنَاعَةِ الذَّاتِيَّةِ، وَلِقَاحَاتٌ يَسْتَدْفِعُونَ بِهَا فَيْرُوسَ كُلِّ انْحِرَافٍ، فَاسْتَشْعِرْ دَوْرَكَ -يَا رَعَاكَ اللَّهُ- وَلَا تَسْتَقْلِلْ رِسَالَتَكَ، يَكْفِي أَنَّ كَلِمَاتِكَ مَنْقُوشَةٌ، وَأَفْعَالَكَ مَحْسُوبَةٌ، وَصُورَتَكَ تَظَلُّ أَعْوَامًا وَدُهُورًا، وَلَنْ تُحْرَمَ حِينَهَا وَبَعْدَهَا مِنْ دَعْوَةٍ صَادِقَةٍ صَالِحَةِ، بَلْ دَعَوَاتٍ، مِنْ تِلْمِيذٍ بَارٍّ، يَذْكُرُكَ فَيَشْكُرَكَ.
أَخِي الْمُعَلِّمَ: كُنْ قَرِيبًا مِنْ طُلَّابِكَ وَأَبْنَائِكَ، لَامِسْ هُمُومَهُمُ، انْزِلْ لِطُمُوحَاتِهِمْ، تَفَاعَلْ مَعَ أَفْكَارِهِمْ، كُنْ طَبِيبًا لِمُشْكِلَاتِهِمْ، دَلِيلًا لِحَيْرَتِهِمْ وَاضْطِرَابَاتِهِمْ، قَوِّ صِلَتَكَ مَعَهُمْ بِالْمَحَبَّةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّوَادُدِ وَالِانْسِجَامِ، فَهُنَا يُقْبَلُ قَوْلُكَ، وَيُقْتَفَى فِعْلُكَ، وَيَعْظُمُ شَأْنُكَ، وَتَبْلُغُ رِسَالَتُكَ.
أَخِي الْمُعَلِّمَ: نَحْنُ –وَاللَّهِ- نَنْتَظِرُ مِنْكَ الْمَزِيدَ مِنَ الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، وَالتَّجْدِيدَ فِي التَّرْبِيَةِ وَالتَّوْجِيهِ.
أَخِي الْمُعَلِّمَ: رِسَالَةُ التَّرْبِيَةِ مَجْهُودٌ طَوِيلٌ، وَمِشْوَارٌ لَا يَنْتَهِي، فَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَالْمُصَابَرَةِ، وَاحْتِسَابِ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ "فَلَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ".
سَدَّدَ اللَّهُ جُهُودَكَ، وَشَكَرَ مَسْعَاكَ، وَزَادَكَ رَبِّي حِرْصًا وَإِخْلَاصًا، وَهِمَّةً وَقِمَّةً.
عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُعَلِّمِ الْأَوَّلِ، الْهَادِي الْبَشِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ.