الطيب
كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إِنَّ الدَّوْلَةَ -وَفَّقَهَا اللهُ- سَعْيًا مِنْهَا فِي تَوْفِيرِ فُرَصِ الْعَمَلِ لِلْمُوَاطِنِينَ, وَحَدًّا مِنِ انْتِشَارِ الْبَطَالَةِ بَيْنَ الشَّبَابِ السُّعُودِيِّينَ, قَدْ جَعَلَتْ أَنْظِمَةً كَفِيلَةً بِذَلِكَ؛ وَمِنْهَا مَنْعُ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ الذِي ثَبَتَ ضَرَرُهُ عَلَى الدَّوْلَةِ وَالْمُوَاطِنِ, وَالتَّسَتُّرُ التِّجَارِيُّ: هُوَ مُمَارَسَةُ وَافِدِينَ أَجَانِبَ تَحْتَ أَسْمَاءِ مُوَاطِنِينَ سُعُودِيِّينَ شُرَكَاءَ لَهُمْ، لِأَعْمَالٍ تِجَارِيَّةٍ وَصِنَاعِيَّةٍ, وَمِهَنٍ مُتَنَوِّعَةٍ, مَحْظُورٌ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ فِيهَا...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَبَاحَ لَنَا مِنَ التَّعَامُلِ كُلَّ مُعَامَلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الْعَدْلِ وَالصِّدْقِ وَالبَيَانِ, وَحَرَّمَ عَلَيْنَا كُلَّ مُعَامَلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى الظُّلْمِ وَالكَذِبِ وَالْكِتْمَانِ, وَنَظَّمَ لَنَا طُرُقَ التَّعَامُلِ أَحْسَنَ نِظَامٍ وَأَكْمَلَهُ؛ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ النِّظَامُ كَفِيلاً للتَّعَايُشِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالرَّحْمَةِ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, الذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ, وَأَحْكَمَ كُلَّ نِظَامٍ شَرَعَهُ, وَهُوَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, أَفْضَلُ النَّبِيِّينَ, وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ, وَحُجَّةُ اللهِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ, الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ, وَقُدْوَةً لِلْعَامِلِينَ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا, أَنَّ أَرْزَاقَكُمْ مَكْتُوبَةٌ, وَآجَالَكُمْ مَحْدُودَةٌ, فَلا يُغْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ فَيُوقِعَكُمْ فِي الْحَرَامِ, أَوْ يُوهِمَكُمْ أَنَّ الأَرْزَاقَ لا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْكَذِبِ, وَأَنَّ مَنْ يَتَعَامَلُ بِالصِّدْقِ لا مَكَانَ لَهُ فِي عَالَمِ الْيَوْمَ! فَهَذَا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ, وَمَسْلَكٌ كَاسِدٌ, بَلْ إِنَّ الصِّدْقَ مَنْجَاةٌ, وَالأَمَانَة َمَفَازَةٌ, وَالْخَيْرُ بِيَدِ اللهِ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللهِ, قَالَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُقَرِّبُكُمْ إلَى الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِه, وَلَيْسَ شَيْءٌ يٌقَرِّبُكُمْ إِلَى النَّارِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ, إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، أَلا فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ, وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ, فَإِنَّ اللهَ لا يُدْرَكُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ"(رَوَاهُ البَزَّارُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّهُ قَدْ صَدَرَ تَوْجِيهٌ مِنْ وُلاةِ الْأَمْرِ -حَفِظَهُمُ اللهُ- بِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَنْ مُا يُسَمَّى بِـ (التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ)؛ وَلِذَلِكَ فَسَوْفَ يَكُونُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بَيَانًا لَهُ, وَتَعْرِيفًا بهِ, وَتَوْضِيحًا لِأَضْرَارِهِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ, وَلَكِنَّنِي قَبْلَ الاسْتِمْرَارِ أُحِبُّ أَنْ أُوَضِّحَ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّنَا فِي بَلَدِنَا السُّعُودِيَّةِ نُكِنُّ كُلَّ الْحِبِّ وَالتَّقْدِيرِ لِإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيِّ جِنْسِيَّةٍ وَمِنْ أَيِّ بَلَدٍ, سَوَاءٌ كَانُوا عُمَّالًا أَوْ مُوَظَّفِينَ أَوْ غَيْرَهُمْ, وَيَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ دَائِمًا قَوْلَ اللهِ -تَعَالَى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10], وَنَتَذَكَّرُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ".
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الرِّزْقَ مِنَ اللهِ وَمِنْ عِنْدِ اللهِ, وَلَيْسَ فِي السُّعُودِيَّةِ أَوْ عِنْدَ السُّعُودِيِّينَ, فَلَوْ حَصَلَ وَغَادَرَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَاننِاَ الْبَلَدَ بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ, أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ فَرِزْقُهُ عَلَى اللهِ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[هود: 6], وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَي نَفْسِ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِنَا حِقْدٌ أَوْ بُغْضٌ لِإخْوَانِهِ أَوْ يَقُولُ: "قَطَعُوا رِزْقَنَا"؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَةِ الْمَتِينُ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[العنكبوت: 17].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الدَّوْلَةَ -وَفَّقَهَا اللهُ- سَعْيًا مِنْهَا فِي تَوْفِيرِ فُرَصِ الْعَمَلِ لِلْمُوَاطِنِينَ, وَحَدًّا مِنِ انْتِشَارِ الْبَطَالَةِ بَيْنَ الشَّبَابِ السُّعُودِيِّينَ, قَدْ جَعَلَتْ أَنْظِمَةً كَفِيلَةً بِذَلِكَ؛ وَمِنْهَا مَنْعُ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ الذِي ثَبَتَ ضَرَرُهُ عَلَى الدَّوْلَةِ وَالْمُوَاطِنِ, وَالتَّسَتُّرُ التِّجَارِيُّ: هُوَ مُمَارَسَةُ وَافِدِينَ أَجَانِبَ تَحْتَ أَسْمَاءِ مُوَاطِنِينَ سُعُودِيِّينَ شُرَكَاءَ لَهُمْ، لِأَعْمَالٍ تِجَارِيَّةٍ وَصِنَاعِيَّةٍ, وَمِهَنٍ مُتَنَوِّعَةٍ, مَحْظُورٌ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ فِيهَا، أَوِ الْعَمَلُ دُونَ الْحُصُولِ عَلَى الْمُوَافَقَاتِ وَالتَّرَاخِيصِ اللَّازِمَةِ, أَوْ وِفْقَ الشُّرُوطِ الْمُحَدَّدَةِ، وَيَنْتَشِرُ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ فِي الْمَمْلَكَةِ.
وَطَمَعًا مِنَ الدَّوْلَةِ فِي الْحَدِّ مِنْ تَفَشِّي هَذَا الْعَمَلِ الْمَحْظُورِ؛ فَإِنَّهَا تَقُومُ بِفَضْحِ مَنْ يَتَوَرَّطُ فِي قَضَايَا التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ مِنْ مُواطِنِيهَا، وَتَرْحِيلِ الْوَافِدِينَ الْمُتَسَتَّرِ عَلَيْهِمْ بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ، بِجَانِبِ عُقُوبَاتٍ أُخْرَى, وَفِي الجَانِبِ الآخَرِ يَتَمُّ مَنْحُ مُكَافَآتٍ مَالِيَّةٍ لِمَنْ يُبَلِّغُ عَنْ قَضَايَا التَسَتُّرِ التِّجَارِيِّ, الذِي تَقُولُ عَنْهُ تَقَارِيرٌ اقْتِصَادِيَّةٌ مَحِلِيَّةٌ إِنَّهُ يُكَلِّفُ الاقْتِصَادَ السُّعُودِيَّ مِلْيَارَاتِ الرِّيَالاتِ سَنَوِيًّا.
وَيَقُولُ خُبُرَاءُ اقْتِصَادِيُّونَ سُعُودِيُّونَ: "إِنَّ تَفَشِّي ظَاهَرِةِ التَّسَتُّرِ فِي الْمُجْتَمَعِ السُّعُودِيِّ تَعُودُ إِلَى تَخَلِّي السُّعُودِيِّينَ عَنِ الْعَمَلِ فِي الْمِهَنِ التِي عُرِفَتْ بِهَا بَعْدَ طَفْرَةِ الْبِتْرُولِ، إِضَافَةً إِلَى الْأَنْظِمَةِ الْحُكُومِيَّةِ وَمَنْحِ الْعَامِلِينَ فِي الْقِطَاعَاتِ الْحُكُومِيَّةِ فُرْصَةَ فَتْحِ سِجِلَّاتٍ تِجَارِيَّةٍ عِدَّةٍ, وَاسْتِقْدَامِ عَمَالَةٍ رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الدَّخْلِ، وَضَعْفِ الرِّقَابَةِ مِنْ قِبَلِ الْجِهَاتِ الرِّقَابِيَّةِ، وَعَدَمِ تَنْظِيمِ الاسْتِقْدَامِ، وَانْتِشَارِ تِجَارَةِ التَّأْشِيرَاتِ، فِيمَا يَبْلُغُ عَدَدُ الْوَافِدِينَ الْأَجَانِبَ فِي الْبِلَادِ أَكْثَرَ مِنْ 10 مَلايِينَ نَسَمَةً".
أَيُّهَا النَّاسُ: وَقَدْ ثَبَتَ بَعْدَ الدِّرَاسَاتِ الْمَيْدَانِيَّةِ, وَالتَّتَبُّعِ الدَّقِيقِ مِنْ أَجْهِزَةِ الدَّوْلَةِ, أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ جَرَّاءَ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ؛ فَمِنْهَا: نُمُوُّ الْبَطَالَةِ بَيْنَ الشَّبَابِ السُّعُودِيِّ, وتَزَايُدُ عَدَدِ الْمُخَالِفِينَ لِنِظَامِ الإِقَامَةِ, ومُزَاوَلَةُ أَنْشِطَةٍ مَحْظُورَةٍ شَرْعًا, مُضِرَّةٍ بِالْمُجْتَمَعِ؛ فَقَدْ ضُبِطَتْ حَالاتٌ كَثِيرَةٌ لِمَنْ يُرَوِّجُ الْمُخَدِّرَاتِ أَوْ يُصَنِّعُ الْخَمْرَ, أَوْ حَتَّى تَزْوِيرِ الْعُمْلَاتِ النَّقْدِيَّةِ.
ومن أضرارها: مُزَاحَمَةُ الْمُوَاطِنِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ بِصُورَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ, حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْعَمَالَةِ الْوَافِدَةِ صَارَ كَفِيلُهُ كَأَنَّهُ عَامِلٌ عِنْدَهُ, وَيَطْلُبُ الرِّزْقَ تَحْتَ يَدِهِ.
ومنها: تَحْوِيلُ مِلْيَارَاتِ الرِّيَالاتِ خَارِجِ الْمَمْلَكَةِ, مِمَّا يُسَاهِمُ فِي الإِضْرَارِ بِالاقْتِصَادِ الْوَطَنِيِّ, وَمِنْ خِلَالِ النَّظَرِ فِي الْإِحْصَائِيَّةِ التِي أَعَدَّتْهَا وِزَارَةُ التِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ, فَقَدْ بَلَغَتْ قِيمَةُ الْحَوَالاتِ الْخَارِجِيَّةِ فِي عَامِ 1435هـ الْمُوافِقِ 2014م, بَلَغَتْ تَحْوِيلَاتُ الْأَجَانِبِ لِخَارِجِ الْمَمْلَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ 153 مِلْيَارِ رِيَالٍ سُعُودِيٍّ.
وَمِنَ الْأَضْرَارِ: مُزَاوَلَةُ الْغِشِّ التِّجَارِيِّ؛ فَيَقُومُ بَعْضُ الْعُمَّالِ بِتَزْوِيرِ الصِّنَاعَاتِ, أَوِ الْعَلَامَاتِ التِّجَارِيَّةِ, وَتَرْوِيجِ الْبَضَائِعِ عَلَى أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ وَهِيَ تِجَارِيَّةٌ مُقَلَّدَةٌ, وَيَحْصُلُ مِنْهَا أَضْرَارٌ كَثِيرَةٌ, وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: تَزْوِيرُ الْعَلَامَةِ التِّجَارِيَّةِ لِشَوَاحِنِ الْجَوَّالاتِ, وَقَدْ يَنْشَبُ حَرِيقٌ أَوِ الْتِمَاسٌ كَهْرَبَائِيٌّ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ الذِي بَيَّنَ الْحَلالَ وَأَبَاحَه, وَوَضَّحَ الْحَرَامَ وَمَنَعَه, وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ وَالرِّزْقَ فِي الأَمَانَة, وَالْفَسَادَ وَالشَّرَّ فِي الْخِيَانَة, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الذِي دَلَّنَا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ, وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ شَرًّ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ, وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّنَا كَمَا نُحَذِّرُ مِنَ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ وَنَطْلُبُ مِنَ الْجَمِيعِ التَّقَيُّدَ بِأَنْظَمِةِ الدَّولَةِ التِي جُعِلَتْ لِخِدْمَةِ الْمُوَاطِنِ, فَإِنَّنَا كَذَلِكَ نُحَذِّرُ مِنْ ظُلْمِ الْعُمَّالِ وَاسْتِغْلَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَنْظَمِةِ لِلضَّغْطِ عَلَيْهِمْ أَوْ أَكْلِ حُقُوقِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذا لا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَعَلَيْكَ -أَيُّهَا الْكَفِيلُ- أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ فِيمَنْ تَحْتَ يَدِكَ, وَاحْذَرْ عُقُوبَةَ اللهِ الْعَاجِلَةِ أَوِ الآجِلَةِ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ مُسْلِم).
ثُمَّ اعْلَمْ -يَا مُسْلِمُ- أَنَّكَ إِذَا أَكَلْتَ حَقَّ الْعَامِلِ الْمِسْكِينِ فَإِنَّ اللهَ يُخَاصِمُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ الْعَامِلَ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَه، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَه وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِساً عَلَيْنَا فَنَضِلّ, اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا, وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه, وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ عَرَفَ الْحَلالَ فَأَتَاه وَعَرَفَ الْحَرَامَ فَاجْتَنَبَه يَا رَبَّ الْعَالَمِين.
اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحينَ, اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ مُجْرِي السَّحَاب سَريعَ الْحِسَاب هَازِمَ الأحْزَاب اهْزِمْ كُلَّ عَدُوٍّ لِلْمُسْلِمين, اللَّهُمَّ زَلْزِلْهُم وَفَرِّقْ جَمْعَهُم, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.