البحث

عبارات مقترحة:

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

محظورات الإحرام

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - الحج
عناصر الخطبة
  1. مناسك الحج والعمرة من شعائر الله وكيفية تعظيمها .
  2. أمور عامّة يجب على الحاج اجتنابها .
  3. محظورات الإحرام .

اقتباس

اعلموا أن الله -بحكمته ورحمته- فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) ألا وإن من شعائر الله: مناسك الحج والعمرة: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ) فعظموا...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعلموا أن الله -بحكمته ورحمته- فرض عليكم فرائض فلا تضيّعُوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته: قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج:32]، وقال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)[الحج:30]، وإن من شعائر الله: مناسك الحج والعمرة، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ)[البقرة:158]؛ فعظموا هذه المناسك، فإنها عبادة عظيمة، ونوع من الجهاد في سبيل الله. سألت عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل على النساء جهاد؟" قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة"(رواه أحمد).

فعظموا هذه المناسك -أيها المؤمنون- بالقيام بما أوجب الله عليكم، والبعد عما حرم الله عليكم، قال -تعالى-: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة:197].

عظموا هذه المناسك، بالإخلاص فيها لله -تعالى-، والاتباع لنبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقوموا بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة جماعة في أوقاتها، والنصح للمسلمين، واجتنبوا ما حرم الله عليكم من المحرمات العامة من الفسوق بجميع أنواعه، اجتنبوا الكذب والغش، والخيانة والغيبة والنميمة، والاستهزاء بالمسلمين، والسخرية منهم، واجتنبوا الاستماع إلى المعازف والأغاني المحرمة، واجتنبوا كل ما يلهيكم عن إكمال مناسككم وإتمامها، واجتنبوا ما حرمه الله عليكم تحريمًا خاصًّا بسبب الإحرام، وهي محظورات الإحرام؛ فاجتنبوا الرفث -وهو الجماع ومقدماته من اللمس والتقبيل، والنظر بشهوة والتلذذ- فالجماع أعظم محظورات الإحرام، وأشدها تأثيرًا.

ومن جامع قبل التحلل الأول فسد حجه، ولزمه انهاؤه وقضاءه من العام المقبل، وفدية بدنة ينحرها ويتصدق بها على الفقراء في مكة أو منى.

واجتنبوا عقد النكاح وخطبة النساء، فإنه قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يَنْكِح المحرم ولا يُنْكِح ولا يخطب"(مسلم:1409). فلا يجوز للمحرم أن يتزوج سواء كان رجلًا أم امرأةً، ولا أن يزوج غيره ولا أن يخطب امرأة.

واجتنبوا الأخذ من الشعر والرأس، فإن الله يقول: (وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)[البقرة:196].

وألحق جمهور العلماء شعر بقية البدن بشعر الرأس، وقاسوا عليه إزالة الأظفار، وقالوا: لا يجوز للمحرم أن يأخذ شيئًا من شعره أو أظافره إلا أن ينكسر ظفره فيؤذيه، فله أخذ ما يؤذيه.

فمن حلق رأسه أو شيئًا منه فعليه فدية، يفدي بها نفسه من العقوبة، وهي: إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو شاة يذبحها، ويتصدق بها على المساكين، ويكون الإطعام والذبح في مكة، أو في مكان فعل المحظور.

واجتنبوا قتل الصيد، فإن الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ)[المائدة:95]. سواءً كان الصيد طائرًا كالحمام أم سائرًا كالظباء والأرانب؛ فمن قتل صيدًا متعمدًا فعليه الجزاء؛ وهو إما ذبح ما يماثله من الإبل أو البقر أو الغنم، فيتصدق به على المساكين في مكة أو منى، وإما تقويمه بدراهم ليتصدق بما يساويها من الطعام على المساكين في مكة أو منى لكل مسكين ربع صاع من البر، أو نصفه من غيره، وإما أن يصوم عن كل طعام مسكين يومًا.

وأما قطع الشجر، فلا تعلق له بالإحرام فيجوز للمحرم وغير المحرم قطع الشجر إذا كان خارج أميال الحرم؛ مثل عرفة، ولا يجوز إذا كان داخل أميال الحرم؛ مثل مزدلفة ومنى ومكة إلا ما غرسه الآدمي بنفسه، فله قطعه ويجوز للإنسان أن يضع البساط على الأرض في منى أو مزدلفة أو غيرهما من أرض الحرم، ولو كان فيها حشيش أخضر إذا لم يقصد بذلك إتلافه.

واجتنبوا الطيب بجميع أنواعه دهنًا كان أم بخورًا، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تلبسوا ثوبًا مسه الزعفران"(البخاري:359، مسلم:1177).

وقال في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: "اغسلوه بماء سدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه، فإنه يُبْعَث يوم القيامة ملبيًا"(البخاري:1206، مسلم:1206) والحنوط هو الطيب الذي يجعل في قطن على منافذ الميت، ومواضع سجوده، فلا يجوز للمحرم أن يدهن بالطيب أو يتبخر به أو يضعه في أكله أو شرابه، أو يتنظف بصابون مطيب، ويجوز له أن يغتسل ويزيل ما لوثه من وسخ.

وأما التطيب -عباد الله- عند عقد الإحرام، فهو سنة ولا يضر بقاؤه بعد عقد الإحرام؛ فقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم"(البخاري:267، مسلم:1189) وقالت: "كأني أنظر إلى وبيص المسك، أي بريقه في مفارق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو محرم".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

عباد الله: ومما يجتنبه المحرم تغطية الرأس بما يغطى به عادة ويلاصقه كالعمامة والغترة والطاقية، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في المحرم الذي مات: "لا تخمروا رأسه"(البخاري:1206، مسلم:1206) أي لا تغطوه. وتحريم تغطية الرأس خاص بالذكور دون الإناث.

فأما ما لم تجْرِ العادة بكونه غطاء؛ كالعفش يحمله المحرم على رأسه، فلا بأس به إذا لم يقصد به الستر، وكذلك ما لا يلاصق الرأس كالشمسية ونحوها لا بأس به؛ لأن المنهى عنه تغطية الرأس لا تظليله.

وعن أم الحصين -رضي الله عنها- قالت: حججت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة"(رواه مسلم).

واجتنبوا من اللباس ما منع منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث: "سُئل -صلى الله عليه وسلم- عما يلبس المحرم، فقال: "لا يلبس القميص ولا العمامة، ولا البُرْنس ولا السراويل، ولا الخفاف"(البخاري:1468، مسلم:1177).

وقال: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل"(البخاري:1744، مسلم:1178).

وتحريم هذا اللباس خاصٌّ بالذكور دون الإناث، فلا يجوز للرجل إذا أحرم أن يلبس القميص وهو الثوب المعروف، ولا ما كان في معناه؛ كالفنيلة والصدرية والكوت، ولا يلبس العمامة، ولا ما في معناها كالغترة والطاقية، ولا يلبس البُرْنس، ولا ما في معناه كالمشلح ولا يلبس السراويل، سواء كان من ذوات الأكمام الطويلة أو القصيرة، ولا يلبس الخفاف ولا ما بمعناها كالشراب ونحوها.

فأما لبس الساعة في اليد أو تقلدها في العنق، أو لبس النظارة في العين أو السماعة في الأذن، أو الخاتم في الإصبع، أو الحزام للفلوس، أو لربط الإزار، أو التلفف بالبطانية، ونحوها عن البرد، فلا بأس بذلك كله؛ لأنه ليس داخلًا فيما نهى عنه لفظًا ولا معنًى، فيكون مباحًا.

فأما ربط الرداء بالمشبك، فإن ربطه بمشابك متواصلة، حتى صار كالقميص، فالأقرب أنه ممنوع؛ لأنه يشبه أو يقارب القميص الذي نهى عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن ربطه بمشبك واحد فقط، فلا بأس به، إذا كان يؤذيه بانخلاعه إذا لم يربطه، وإلا فالأولى تركه.

أما الأنثى، فتلبس ما شاءت من الثياب المباحة قبل الإحرام غير متبرجة بزينة.

ولا يجوز للذكور ولا للإناث لبس القفازين، وهما شراب اليدين، ولا يجوز للمرأة لبس النقاب، وهو ما يغطي به الوجه ويفتح للعينين، والأفضل لها كشف وجهها إلا أن يراها أحد من الرجال غير المحارم، فيجب عليها تغطيته.

ويجوز للرجل وللمرأة تغيير ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى سواء غيرها؛ لوسخ، أو نجاسة، أو غير ذلك.

فاتقوا الله -عباد الله- واحفظوا نسككم من نواقصه ونواقضه، قال -تعالى-: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آلعمران:132].

هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...