الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
وفي أداء الزكاة تحقيقُ طاعة الله تعالى لأنه الآمر بها، وفيها رجاء ثوابه سبحانه لأنه وعد على أدائها، وفيها الخوف من عقابه عز وجل لأنه توعد على تركها، وذلك دليل على محبة مؤديها لربه سبحانه؛ فإن النفوس تحب المال حبا جما، وتثقل عن بذله، فمن أداها فقد قدم محبة الله تعالى على محبة المال، فاجتمع في أداء الزكاة المحبة والطاعة والرجاء والخوف ..
الحمد لله الولي الحميد؛ خلق عباده ورزقهم وكفاهم، وشرع لهم من الدين ما فيه صلاحهم، وحذرهم من أسباب شقائهم، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فهو أحق بالشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الحكمة الباهرة في شرعه، وله الحجة البالغة على خلقه، جمعت شرائعه للعباد مصالحهم، وحققت لهم سبل سعادتهم، فهي الخير للعباد في الحال والمآل (صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة:138] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى (بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ) [التوبة:33] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم؛ فإن الأيام تمضي بكم إلى قبوركم، وليس لكم فيها إلا قدمتم، وإنكم -يا عباد الله- في شهر عظيم، وموسم كريم لا يحسن بكم التفريط فيه، ولا إهدار أيامه ولياليه في غير طاعة الله تعالى، وعن قريب يرتحل عنكم وقد استودعتم فيه أعمالكم (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزَّلزلة:7-8].
أيها الناس: من استقرأ نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بأركان الإسلام الخمسة تبين له أهميتها في حياة الناس ومآلهم؛ فقد بني الإسلام عليها، وهي دليل استسلام العباد لربهم سبحانه وتعالى، وقد جاءت بها الشرائع السابقة، وكان تمامها وكمالها في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
والزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في القرآن، وأُمر بها المرسلون عليهم السلام كما في القرآن (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73]
ويطلق عليها زكاة لأنها تزكي صاحبها وتزكي ماله، كما يطلق عليها صدقة لأنها تدل على صدق مؤديها مع الله تعالى، ومطابقة فعله لقوله واعتقاده.
وفي الزكاة من المنافع الدينية والدنيوية والأخروية على الأفراد والجماعات والأمم ما لا يحصى، ولو بذل الناس كلهم زكاة أموالهم لقضي على مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، ولكن ضعف الإيمان، وإجلاب الشيطان يمنعان ذلك (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268].
بأداء الزكاة يتم إسلام العبد؛ لأنها ركن من أركانه، ولا يتم الشيء إلا بركنه، ولو لم يكن فيها من الفضيلة إلا ذلك لكفى في المبادرة إلى أدائها، والانتظام في سلك المزكين المتصدقين.
وفي أداء الزكاة تحقيقُ طاعة الله تعالى لأنه الآمر بها، وفيها رجاء ثوابه سبحانه لأنه وعد على أدائها، وفيها الخوف من عقابه عز وجل لأنه توعد على تركها، وذلك دليل على محبة مؤديها لربه سبحانه؛ فإن النفوس تحب المال حبا جما، وتثقل عن بذله، فمن أداها فقد قدم محبة الله تعالى على محبة المال، فاجتمع في أداء الزكاة المحبة والطاعة والرجاء والخوف.
وهي آية على صدق إيمان صاحبها؛ لأن الإنسان لا يبذل الغالي إلا في سبيل ما هو أغلى منه، والمال غال عند عموم البشر، ولكن الدِين أغلى منه عند المؤمنين، فيبذلون المال لاستكمال دينهم؛ ولذا جاء في الحديث أن الصدقة برهان، أي: برهان على صدق إيمان باذلها قال العلماء: "معناه الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استُدِل بصدقته على صدق إيمانه".
ولذا كانت سببا للفلاح (قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ) [المؤمنون:1] وذكر من صفاتهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) [المؤمنون:4].
والزكاة باب من أبواب البر عظيم (وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آَمَنَ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ) [البقرة:177].
والمؤدي للزكاة جدير برحمة الله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:156].وفي آية التوبة ذكر الله عز وجل جملة من صفات المؤمنين منها أداء الزكاة ثم قال سبحانه فيهم(أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة:71]. وفي آية النور (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النور:56].
وأداء الزكاة من صفات الأبرار المذكورين في قول الله تعالى (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) [آل عمران:17] وأداء الزكاة من أعظم وجوه الإنفاق.
ومع كون الزكاة ركنٌ واجبٌ على العبد أداؤه فإن الله تعالى يجزي العبد عليها، ويضاعف ما أنفق منها، وفي ذلك من الربح الباقي ما لا يخفى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) [البقرة:261] وفي الآية الأخرى (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ الله وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ) [الرُّوم:39].
ومن عظيم فوائدها الدينية أنها تُعَوِّد المزكي على الإنفاق؛ فأنه إذا أنفق الواجب عليه منها زال شح نفسه، وتحرر قلبه من عبودية المال، فأتبع الإنفاق الواجب بالإنفاق المندوب وبالإحسان، فكان من المتصدقين لكثرة بذله، وكان من المحسنين لجزيل إنفاقه وقد قال الله تعالى (وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ) [المائدة:93] وفي الآية الأخرى (إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ) [التوبة:120] وفي آية ثالثة (إِنَّ اللهَ يَجْزِي المُتَصَدِّقِينَ) [يوسف:88]. ومن كان الله تعالى مجازيه على زكاته وصدقاته وإحسانه فلن يخاف ظلما ولا هضما، ولن يخش بخسا ولا نقصا.
ومن عظيم فوائد الزكاة أنها سبب للوقاية من عذاب النار؛ لأن أهل النار لا يؤدون الزكاة؛ كما قال الله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ) [فصِّلت:6-7].
وأخبر سبحانه أنهم يعذبون بأموالهم في نار جهنم (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:34-35].
قال ابن عمر رضي الله عنهما: "كل مال أديت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنز، وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا على وجه الأرض"
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإبل والبقر والغنم يوم القيامة تطأ مُلَّاكها الذين لم يخرجوا زكاتها، ويُعذبون بها أشد العذاب.
والصدقة تطفئ غضب الرب جل جلاله كما جاء في الحديث، وفي الحديث الآخر أنها تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وكل ذلك من أسباب نجاة العبد من عذاب الله تعالى.
والصدقة تُظلل على مؤديها في موقف الحساب حتى يقضى بين الخلائق. فحري بالمؤمن أن يخرجها من طيب ماله، طيبة بها نفسه، سخية بها يده، مخلصا فيها لربه عز وجل؛ التزاما بدينه، وتطهيرا لقلبه وماله، وتزكية لنفسه، وتدليلا على إيمانه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:277]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [البقرة:110]
أيها المسلمون: شهر رمضان هو شهر الجود والإنفاق والبر والإحسان، وفيه يتنافس المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على إطعام الطعام، وبذل المال، وتفطير الصائمين، ومساعدة المحتاجين، ويتقربون إلى الله تعالى بأنواع من القرب والطاعات؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتضاعف جوده في رمضان كما في حديث ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ الناس بِالْخَيْرِ وكان أَجْوَدُ ما يَكُونُ في رَمَضَانَ..." رواه الشيخان.
ومع هذا الإقبال الكبير على الخير والإحسان في رمضان فإن المتاجرين بوجوههم يكثرون في رمضان، ويتعرضون للناس في مساجدهم وطرقاتهم وأسواقهم، وربما قصدوهم في بيوتهم، فلا تقع الصدقات والزكوات في مواقعها الصحيحة؛ بل يأخذها السائلون، ويحرم منها المتعففون والله تعالى يقول في الفقراء الحقيقيين الذين يجب أن تدفع لهم الزكوات (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة:273].
وأما من سأل الناس فإنه سيجد من يعطيه، ولا خوف عليه من القلة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الْمِسْكِينُ الذي يَطُوفُ على الناس تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الذي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ ولا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عليه ولا يَقُومُ فَيَسْأَلُ الناس" رواه البخاري.
قال أبو يزيد المدني رحمه الله تعالى: "كان عكرمة إذا رأى السُؤَال يوم الجمعة سبَّهم فقلت له: ما تريد منهم؟ فقال: كان بن عباس يسبهم إذا رآهم، فقلت له كما قلت لي فقال: إنهم لا يشهدون للمسلمين عيدا ولا جمعة إلا للمسألة والأذى فإذا كانت رغبة الناس إلى الله تعالى كانت رغبتهم إلى الناس".
والواجب على الباذلين أن يتحروا أهل الحاجات بأنفسهم أو وكلاء عنهم، ولا يغتروا بمن يتعرضون لهم من ذوي العاهات، ولاسيما في الزكاة الواجبة؛ فإن الله تعالى قد بيَّن مصارفها، ولا تبرأ الذمة بها إلا إذا صرفت في هذه المصارف.
كما يجب على من بذلت له الزكاة وهو ليس من أهلها أن يردها ويبين لباذلها أنه ليس من أهلها.
ولو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم، وتحروا أهل الحاجات المتعففين، وكفوا أيديهم عن المتسولين؛ لأغنوا ذوي الحاجات من إخوانهم؛ ولقطعوا الطريق على المتسولين الذين يسألون الناس إلحافا، فتصرف الزكاة في مصارفها الصحيحة، ويُقضى على ظاهرة التسول التي تفاقمت في المجتمعات، وأضحى أهلها يؤذون الناس في كل مكان.
ألا فاتقوا الله ربكم، واعرفوا منزلة الزكاة من دينكم، وثمرتها عليكم، وفائدتها لمجتمعكم، وأدوها كما أمركم الله تعالى بها (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغَالِبُونَ) [المائدة:56].
وصلوا وسلموا على نبيكم...