اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | محمد أكجيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة |
الزكاة نسبة محددة من المال، يُخرِجها المسلم الغني الذي يملك نصابًا معينًا مضى عليه عام قمري كامل.. كم سدَّ الله بها مِن حاجة! وكَم جبر بها من فاقَة! كم فرَّج بها عن معسر! وأغنى من مسكين! فضائلُها لا تُعَدّ وبَركاتها لا تُحَدّ!! .. قرن الله تعالى الزكاة بالصلاة في أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ تنبيهًا إلى ضرورة كل منهما إلى قرينتها في العون على إقامتها، وتحصيل ثمارها وفوائدها..
الخطبة الأولى:
الحمد لله ...
فإن دين الإسلام دينُ الملّةِ المستقيمة والشريعةِ العادِلة، تتجلَّى في أحكامِه حِكَمُه ومقاصده، وفي تشريعاتِه محاسِنُه وفضائلُه، وفي أركانه عظَمَته ورِفعته، ورُكن الزّكاة هو ثالِث أركان الإسلام ومبانيه العِظام التي إذا اختل شيءٌ منها حصل التصدع فيما سواه.
الزكاة نسبة محددة من المال، يُخرِجها المسلم الغني الذي يملك نصابًا معينًا مضى عليه عام قمري كامل.
كم سدَّ الله بها مِن حاجة! وكَم جبر بها من فاقَة! كم فرَّج بها عن معسر! وأغنى من مسكين! فضائلُها لا تُعَدّ وبَركاتها لا تُحَدّ!!
قرن الله تعالى الزكاة بالصلاة في أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ تنبيهًا إلى ضرورة كل منهما إلى قرينتها في العون على إقامتها، وتحصيل ثمارها وفوائدها، يقول تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43].
الزكاة –عباد الله– وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم– لأصحابه، حين بعثهم لبيان الإسلام والدعوة إليه، وصَّى بها معاذًا حين بعثه إلى اليَمَن، فقال: "إنك تأتي قومًا أهل كتاب"، وأوصاه بدعوتهم إلى الشهادتين، أولاً ثم إلى الصلاة، وقال: "فإنهم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تُؤْخَذ مِن أغنيائِهم، وتُرَدُّ على فُقَرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإِيَّاكَ وكرائم أموالهم، واتَّقِ دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب" (رواه الترمذي، أبواب الزَّكاة 621، وقال: حديث حسن صحيح).
الزكاة فريضة الله في جميع الشرائع على سائر الأمم، أخبر الله تعالى بوحيه بها إلى أنبيائه ورسله فقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73].
الزكاة شعار أهل الإيمان، الذين قال الله فيهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 2- 3].
الزكاة سبب نقاء المرء وطهارته، وراحته وطمأنينته وسكينته، التي دعا بها نبينا – صلى الله عليه وسلم – لمخرجي زكاة أموالهم حيث أمره الله بذلك فقال: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103].
الزكاة سبب لحفظ المال وبركته وزيادته، يقول تعالى: (وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم: 39].
الزكاة وسيلة لتحريك المال بين مختلف فئات المجتمع، بما يساعد على تحقيق النمو الاقتصادي في المجالات الفلاحية والصناعية والتجارية.
الزكاة من أهم أسباب الأمن، ومحاربة الجريمة؛ فأكثر الجرائم إنما باشرها أصحابها أول مرة بدافع الحاجة غالبًا، ثم تأصل الإجرام في نفوسهم بعد ذلك. ولو أن أرباب الأموال أدوا زكاة أموالهم كما أمرهم الله تعالى، لاندفعت كثير من تلك الجرائم والشرور، ولتآلف الناس فيما بينهم، وعاشوا حياة أسعد وعيشة أهنأ وأرغد.
الزكاة وسيلة للتراحم بين أبناء البلد الواحد، والأمة الواحدة، والمجتمع المتراحم موعود برحمة الله تعالى، كما قال سبحانه: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 156].
وكما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا من في الأرض يَرْحَمْكُمْ من في السَّمَاءِ " رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
كم في الناس - عباد الله- من أرملة ذات أيتام لا عائل لهم! كم في الناس من شيخ كبير وهن عظمه، وما عنده ما يستعين به على عجزه وضعفه، كم في الناس من عاجز أُقعد عن الكسب. فالعاقل من يلتمس رحمة الله برحمتهم، والتيسير لأموره بتيسير أمورهم، وتفريج همومهم وكرباتهم، مستحضرًا قول نبينا -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» رواه البخاري.
الزكاة سبب النصر والتمكين، يقول الله تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].
الزكاة سبب للنجاة من النار، قال تعالى: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى) [الليل: 14- 18] .
الزكاة سبب لدخول الجنة، يقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 133- 134].
جدير بمن وسَّع الله عليه في الرزق أن يشكر الله -تعالى- ويؤدي حق الله –تعالى- عليه، رجاء ما وعد به من الثواب، وحذرًا مما توعد به من السخط والعقاب، معتبرًا بمن لم يشكر نعمة الله عليه، كيف صيَّر الله حاله من الغنى إلى الفقر ومن السعة إلى الضيق، ومن العز والكرامة إلى الذل والمهانة (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38].
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة:245].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ...
إن لإيتاء الزكاة فقهًا يجب على مَن تجب الزكاة عليه التبصر به والفقه فيه، وسؤال العلماء عنه؛ مِن معرفة مَن تجب عليه، ومعرفة نصابها ومقدارها ووقت إخراجها ومصرفها، وغير ذلك من تفاصيلها.
تحروا الكسب الحلال الطيب في أرزاقكم، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
أخلصوا نياتكم لله ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) [البقرة: 264].
أخرجوا زكاتكم من طيب مالكم ووسطه، لا من ناقصه ورديئه؛ ممتثلين أمر ربكم إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267].
تحروا بزكاتكم المستحقين لها، خاصة من وصفهم الله بقوله: (لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [البقرة: 273].
قدموا المحتاجين من الأقارب والأرحام؛ ممن يجوز صرف الزكاة إليهم، ففي تقديمهم الزيادة في الأجر والثواب لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة".
احذروا وسوسة الشيطان وتثبيطه بالفقر على إخراج زكاتكم، وتذكروا قول ربكم الكريم إذ يقول: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 268]، وتذكروا قول نبينا -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "ما نَقَصَتْ صَدَقَةٌ من مَالٍ" رواه مسلم.
احذروا التفريط في إخراج الزكاة، فإنه الحسرة والندامة عند الموت، يقول تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10- 11].
احذروا التفريط في إخراج زكاة أموالكم، فإنه العقوبة والعذاب يوم القيامة، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34- 35].
واعلموا أن في المال حقًّا سوى الزكاة من النفقة على الوالدين والأهل والأولاد؛ ممن لا تُصرف الزكاة إليهم.
ولا تبخسوا أنفسكم حظها من صدقات التطوع، فإنها عون على أداء الزكاة، وجبر لما يقع في أدائها من النقص والتقصير.
أدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، فقد أعطاكم الله الكثير، وطلب منكم أقل من القليل، (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل: 20].
ألا وصلوا وسلموا على نبيكم...