المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | سعد بن تركي الخثلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
إن هذه العبادة العظيمة عبادة مؤكدة في شريعة الإسلام، هي عمود دين الإسلام، قد أمر الله -تعالى- بالمحافظة عليها، ويتأكد منها على وجه الخصوص صلاة العصر وصلاة الفجر. ويقع التساهل من بعض الناس بهاتين الصلاتين خاصة صلاة الفجر التي سماها الله -تعالى-: قرآن الفجر.
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)[سبأ: 1- 3] أحمده -تعالى- وأشكره حمدا وشكرا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأحمده وأشكره حمدا وشكرا عدد خلقه، وزنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه، وسراجا منيرا، فبلغ رسالة ربه، ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلى حذرها منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطلاق: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 4-5].
عباد الله: إن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، وعمود دين الإسلام: الصلاة، وهي الصلة بين العبد وربه، من حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"(أخرجه مسلم في صحيحه)، ويقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
إن هذه العبادة العظيمة عبادة مؤكدة في شريعة الإسلام، هي عمود دين الإسلام، قد أمر الله -تعالى- بالمحافظة عليها، ويتأكد منها على وجه الخصوص صلاة العصر وصلاة الفجر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى البردين دخل الجنة"(والمراد بالبردين: صلاة الفجر، وصلاة العصر).
ويقع التساهل من بعض الناس بهاتين الصلاتين خاصة صلاة الفجر التي سماها الله -تعالى-: قرآن الفجر، فقال سبحانه: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء: 78] وقرآن الفجر هو: صلاة الفجر، وسميت قرآنا: لأنه يشرع تطويل القراءة فيها، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) أي: تشهدها الملائكة، وتجتمع فيها ملائكة الليل وملائكة النهار، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح، وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون"(متفق عليه)، فتجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء، ويقيم هؤلاء.
وثمة أمور تعين على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد؛ ومن أبرزها:
أولا: الاهتمام وذلك أن من وجود لديه الاهتمام بأي أمر من الأمور فإنه سيتهيأ له، ويبذل الأسباب المعينة عليه من أمور الدين والدنيا، وخذ مثالا لذلك: الطالب الذي يوجد لديه اختبار، تجد أنه يهتم به، ويستيقظ قبل وقته، ويحضر في الوقت المحدد، وربما حضر قبل الوقت المحدد؛ لأن الاهتمام قد وجد لدى ذلك الطالب، فكان من ثمرات ذلك الاهتمام حضوره مكان الاختبار في الوقت المحدد له من غير تأخر، ومثل ذلك أيضا: من يكون لديه سفر مهم عن طريق الطائرة، فأي ساعة من ليل أو نهار، فإنه سيتهيأ لذلك السفر، ويحضر للمطار قبل إقلاع الطائرة بوقت كافي؛ لأن الاهتمام قد وجد لديه، فكان من ثمراته حضوره للمطار في الموعد المحدد، وهكذا يقال بالنسبة لصلاة الفجر متى ما وجد لدى المسلم الاهتمام بها فإنه سيبذل الأسباب المعينة له على القيام بها وإقامتها في وقتها، ولكن عندما يقل ذلك الاهتمام أو يضعف فإن صلاة الفجر تكون ثقيلة عليه، ويغلب عليه الكسل، ولذلك يقول ربنا -عز وجل-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة: 45]، فالصلاة ثقيلة وكبيرة على غير الخاشعين، وأما الخاشعون فإن الصلاة ليست بكبيرة عليهم، وليست بثقيلة، بل إنهم يستريحون بها، ويجدون الأنس بها، وتقر أعينهم بها، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لبلال: "يا بلال أرحنا بالصلاة".
ومن الأسباب المعينة على صلاة الفجر: استحضار ما ورد في فضلها، وفي خطورة التهاون بها من النصوص، ولو لم يرد من ذلك إلا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن التخلف عن صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد أنها علامة من علامة النفاق، ومن سيما المنافقين، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون فيهما لأتوهما ولو حبوا"، فهل يليق بالمسلم أن يتشبه بالمنافقين في التخلف عن صلاة الفجر؟
ومما يعين على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد: أن يستحضر المتهاون بها أنه ربما أدركه الموت في ذلك الموت الذي لم يؤد فيه صلاة الفجر في وقتها، أو مع الجماعة في المسجد، فماذا سيكون موقفه أمام ربه -عز وجل-؟ ماذا سيكون موقفه وقد لقي ربه وهو لم يؤد فريضة من فرائضه؟
لا شك أن الموقف عظيم، وأن الندم الحاصل من جرأ ذلك كثير، ولكن هيهات لا ينفع الندم في ذلك الحين.
ومما يعين على أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة في المسجد: استخدام المنبه، والذي هو من نعم الله -تعالى- على الناس في الوقت الحاضر، وقد أصبح المنبه ميسورا، ومبذولا، ويوجد في الجوالات، وفي الساعات، وفي غيرها.. فيضبط المنبه على وقت صلاة الفجر، وإذا كان نومه ثقيلا فيمكن أن يستخدم أكثر من منبه، وأن يضبطها على أوقات متفاوتة، أو أن يطلب من غيره أن يوقظه للصلاة، ونحو ذلك..
ومما يعين على أداء صلاة الفجر: أن ينام المرء مبكرا، وأن يستعد لها، فإنه إذا نام مبكرا فسيأخذ القسط الكافي من النوم، ويعينه ذلك على الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر كما أمر الله، أما من يسهر ولا ينام إلى قبيل الفجر بسويعات فإن القيام لصلاة الفجر يكون ثقيلا عليه، واعتياد السهر الذي يترتب عليه التخلف عن الصلاة الفجر ليس عذرا للمرء أمام الله -عز وجل- في التخلف عن هذه الصلاة، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها، وإنما كرها الحديث بعدها، مخافة أن يمتد به السهر، فيؤدي ذلك إلى تفويت صلاة الفجر.
ومن الأسباب المعينة على صلاة الفجر: محاسبة المرء لنفسه عندما تفوته صلاة الفجر، ومعاقبته لها حتى لا تعتاد على ذلك التخلف، فإن المؤمنين الصادقين إذا وقع من أحدهم زلة لا يترك تلك الزلة تمر بدون أن يحاسب نفسه، وأن يعاتبها، وأن يعاقبها، هذا سليمان -عليه الصلاة والسلام- كان يحبه الخيل محبة شديدة، فعرضت عليه الخيل، الصافنات الجياد، فاشتغل بها حتى فاتته صلاة العصر، فلما رأى أن أمرا من أمور الدنيا قد تسبب في تفويت الصلاة عليه، أمر بأن تذبح تلك الخيل كلها، وأن توزع لحومها على المساكين: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ)[ص: 31] عرض عليه بالعشي أي: آخر النهار مثل صلاة العصر في وقتنا الحاضر (الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) أي الخيل (الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ) العظيمة وكان محبا للخيل، ففاتته الصلاة بسبب انشغاله بها، (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ)[ص: 32] أي: حتى غربت الشمس، (رُدُّوهَا عَلَيَّ) أي: ردوا هذه الخيل علي (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) أي: أنه ذبح تلك الخيول كلها؛ وذلك لأنها كانت هي السبب في تفويته الصلاة، وهكذا أهل الخير والصلاح يقتدون بالأنبياء في ذلك، فيرون أن أي أمر مشغل من أمور الدنيا يشغلهم عن الصلاة يتخلصون منه، سرعان ما يحاسبون أنفسهم، ويقولون: لا بارك الله في ذلك الأمر الذي يتسبب في تفويت الصلاة، وفي عدم إقامتها كما أمر الله -عز وجل- ومع هذه المحاسبة للنفس، والمعاتبة والمعاقبة فإن النفس تروض حتى تستقيم على طاعة الله -عز وجل- وإذا استقامت على طاعة الله زكت، وإذا زكت أفلحت (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا)[الشمس: 9] (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)[الأعلى: 14].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
عباد الله: وإذا نظرنا إلى واقع الناس بالنسبة لصلاة الفجر فنجد أنهم ينقسمون إلى أقسام:
القسم الأول: فهم المحافظون على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، إذا كانوا من الرجال، والمحافظات على صلاة الفجر في وقتها من النساء، هؤلاء تجد أنهم محافظون عليها محافظة تامة، ويعرفون في المساجد بمحافظتهم على هذه الصلاة، حتى إن بعض هؤلاء الصالحين تمر عليه المدد الطويلة، ولم تفته صلاة الفجر يوما من الأيام، بل إن بعضهم إذا لم يصل صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد عُرف أن لديه عارضا من سفر، أو مرض، هؤلاء فئة موجودة في المجتمع هم أهل خير، وصلاح، واستقامة، فليحمدوا الله -عز وجل- أن وفقهم لذلك الخير العظيم.
القسم الثاني: من يصلون صلاة الفجر في وقتها لكنهم لا يصلونها مع الجماعة في المسجد، وهؤلاء مقصرون فإن الصلاة مع الجماعة في المسجد قد أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد جاء في صحيح مسلم أن رجلا أعمى جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إني رجل أعمى، وليس لي قائد يلائمني يقودني إلى المسجد، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟" قال: نعم، قال: "فأجب"(رواه مسلم)، وجاء في رواية أخرى: "إني لا أجد لك رخصة" سبحان الله، لم يجد النبي -صلى الله عليه وسلم- الرخصة لهذا الأعمى الذي ليس له قائد يقوده للمسجد، مع أنه الرحيم الرفيق بأمته، الذي ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ومع ذلك لم يجد الرخصة لهذا الرجل الأعمى في أن يصلي في بيته، فكيف بالصحيح المبصر القادر؟!
القسم الثالث: من يصلي صلاة الفجر بعد خروجها وقتها، وهؤلاء على خطر عظيم، ويدخلون في الساهين الذي توعدهم الله -عز وجل- في قوله: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4-5]؛ أي: يؤخرونها عن وقتها، فوصفهم الله -تعالى- بأنهم مصلون، لكنهم عن صلاتهم ساهون لا يلتزمون بأدائها في الوقت المحدد كما أمر الله -تعالى-، وهذا يشمل شريحة ليست بالقليلة، من الرجال، والنساء، لا يصلون صلاة الفجر إلا بعد خروج وقتها، فهم على خطر عظيم من أن يدخلوا في هذا الوعيد المذكور في الآية: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4-5].
والقسم الرابع: من لا يصلي صلاة الفجر بالكلية، وهؤلاء يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حقهم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، ويقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"، وإذا نظرنا إلى واقع المجتمع نجد أن المقصرين في أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد بالنسبة لعموم المجتمع أنهم نسبة كثيرة، بل إنهم هم الغالب؛ لأنك إذا أخذتها بالنسبة والتناسب، ونسبت عدد الذين يحافظون على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد بالنسبة لعدد الساكنين في الحي ستجد أن نسبة المحافظين أقل من النصف، وإذا أردت أن تتضح المسألة أكثر فخذ النسبة وقارنها بنسبة من يصلي في رمضان، فإن جميع الناس يصلون في رمضان إلا ما ندر، خذ نسبة من يصلي الآن صلاة الفجر في المسجد وقارنها بنسبة الذين يصلون في رمضان نجد أن التقصير في أداء هذه العبادة كبير.
عباد الله: إن المحافظة على صلاة الفجر هي المؤشر الذي يقيس به الإنسان مستوى إيمانه، فإذا كان من المحافظين عليها فهذا فيه إشارة إلى قوة إيمانه، وإذا كان من المقصرين فهذا دليل على ضعف الإيمان، والدليل لهذا ما جاء في صحيح مسلم وغيره، عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه الله من ذمته بشيء يدركه حتى يكبه في نار جهنم" (وهذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه)، ومعنى قوله: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" أي: في عهد الله -تعالى-، وحفظه، وضمانه، فكأنه معاهد لله -عز وجل- ألا يصيبه أحد بسوء، ولهذا قال: "فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء" أي: لا يترك عهده على من صلى الفجر؛ لماذا اختار النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر في هذا الحديث فقال: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" لماذا لم يقل: من صلى الظهر، أو من صلى العصر، أو من صلى المغرب، أو من صلى العشاء؟
قال أهل العلم: لأن المحافظة على صلاة الفجر كما أمر الله دليل على الصدق مع الله، ودليل على قوة الإيمان، فكأنه يقال: إن هذا الذي صلى الفجر في المسجد مع الجماعة هذا إنسان صادق مع الله -تعالى-، فيكون في ذمة الله طيلة يومه، يكون في حفظ الله، وعهده، وضمانه، وقد توعد من تعرض له بسوء، ولهذا قال: "فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء"؛ لأنه لا يحافظ على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد كل يوم إلا إنسان قوي الإيمان، صادق مع الله -عز وجل- فكان مشمولا بهذا الوعد أنه يكون في ذمة الله -عز وجل- وكان من تعرض له بأي أذى أو سوء مشمولا بهذا الوعيد "فإنه من يطلبه الله من ذمته بشيء يدركه حتى يكبه في نار جهنم".
فيا أخي المسلم: اجعل هذا الحديث العظيم نصب عينك: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله" استحضر أنك إن صليت الفجر فأنت في ذمة الله، وهكذا بالنسبة للمرأة المسلمة إذا صلت الفجر كما أمرها ربها -عز وجل- بأن صلت صلاة الفجر في وقتها قبل طلوع الشمس فإنها كذلك تدخل في هذا الحديث، فتكون في ذمة الله -عز وجل-.
فكيف يفوت المسلم على نفسه هذا الفضل، وهذا الحصن الحصين من الحفظ، بل وهذا الدليل الذي يدل على قوة إيمانه، وعلى صدقه مع ربه -عز وجل-.
ألا فمن كان عنده تقصير في صلاة الفجر فعليه أن يحاسب نفسه، وأن يتدارك ما دام باب العمل مفتوحا، وما دام باب التوبة مفتوحا، وما دام بإمكانه أن يعمل، عليه أن يتدارك، وأن يتخذ من الأسباب ما يعينه على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد، ثم إذا هو حافظ على صلاة الفجر فإنه سيحافظ على بقية الصلوات؛ لأن أثقل الصلوات هي صلاة الفجر، إذا حافظ على صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد فسيحافظ على بقية الصلوات مع الجماعة في المسجد.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء، اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرا عليه، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرا رشدا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
نسألك اللهم من الخير كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وأجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180-182].