البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

لباس أهل النار وطعامهم وشرابهم

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة

اقتباس

إن لأهل النار أحوالًا لا تشبه أحوال غيرهم، فهم فيها يلبسون ويأكلون ويشربون، ولكن ليس كما كانوا يلبسون في الدنيا، وليس كما كانوا يأكلون ويشربون، فالأمر مختلف جداً؛ أما لباسهم: فقد بين الله -سبحانه وتعالى- أنهم...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: لقد أعد الله النار لتكون مأوى المجرمين المكذبين لدينه وشرعه، وهي عذابه التي يعذب بها أعداءه المعاندين لأنبيائه ورسله. وهي العذاب الأكبر، والخسران الأعظم، والخزي الذي لا خزي أكبر منه، والخسارة التي لا خسارة بعدها، وكيف لا تكون كذلك وفيها من النكال ما تعجز الألسن عن وصفه، وتنفجر الأسماع من سماعه، وتخاف القلوب من ذكره؟!.

عباد الله: إن لأهل النار أحوالًا لا تشبه أحوال غيرهم، فهم فيها يلبسون ويأكلون ويشربون، ولكن ليس كما كانوا يلبسون في الدنيا، وليس كما كانوا يأكلون ويشربون؛ فالأمر مختلف جداً.

أما لباسهم: فقد بين الله -سبحانه وتعالى- أنهم يلبسون فيها حللًا لكن من النار، قال تعالى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ)[الحج: 19]، وقال تعالى: (تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ)[إبراهيم: 49-50]، والقطران: هو النحاس المذاب، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب"(رواه مسلم).

هذا هو حال أهل النار، لا الطعام يغني، ولا اللباس يقي، ولا الشراب يروي، يتقلبون من عذاب إلى عذاب، في أوديتها يهيمون، ومن عذابها يتألمون، جزاء بما كانوا يعملون.

عباد الله: وأما طعامهم فإن لهم طعاماً يأكلونه كلما اشتد عليهم الجوع، لكن ما هو طعامهم؟ ومن أي الأصناف هو؟ إن لهم طعاماً لا يغني، وشراباً لا يروي.

وهذا الطعام قال الله عنه: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ* لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)[الغاشية: 6-7]، والضريع هو نوع من الشوك، وهو من أسوأ الطعام وأبشعه، يأكله أهل النار فلا تنتفع به أجسادهم، ولا يجدون له لذة ومستساغاً، فأكله إنما هو زيادة في العذاب، ومضغه إنما هو شقاء فوق الشقاء؛ فكيف يستسيغ المرء أن يأكل شوكاً وليس أي شوك؟! فهو شوك عظيم من نار يتجرعونه كالجمر، ويأكلونه كالْمُر، يتجرعونه ولا يستسيغونه، ولولم يأكلوه لجاعوا، فيبلغ بهم أشده، بحيث تلتهب أكبادهم، وتتقطع أفئدتهم، فيزيدهم أكله نكالاً وعذاباً، والطعام عادة إما أن يسد الجوع ويزيل عن صاحبه الألم، وإما أن يسمن البدن من الهزال، أما هذا الطعام فليس فيه من هذا شيء، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة؛ نسأل الله السلامة ولعافية.

أيها المؤمنون: إن أهل النار إذا تمنوا طعاماً غير هذا الطعام، وأرادوا الهروب من الضريع الذي آلمهم إلى غيره، وجدوا طعاماً هو أشد وأبشع منه، إنها شجرة كاملة يأكلون منها، وهي شجرة الزقوم، التي يشمئز الإنسان من اسمها؛ فما هي صفتها؟ وما هو شكلها؟ إن الجواب على هذا في قول الحق -سبحانه وتعالى-: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ* ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ)[الصافات:64-67]؛ بل لقد لعنها الله في القرآن فقال: (وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ)[الإسراء: 60]، وهي شجرة الزقوم كما قَالَ ابن عباس -رضي الله عنهما-.

وهي شجرة خبيثة، تضرب جذورها في قعر النار، وتمتد فروعها في أرجائها، وثمرها قبيح المنظر، وقد شبهه الله برؤوس الشياطين، ومع خبث هذه الشجرة وبشاعة منظرها إلا أن أهل النار حين يشتد عليهم الجوع لا يجدون مفراً من الأكل منها، فيأكلون منها ملء بطونهم، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي الزيت، فيجدون لذلك آلاماً وغصصاً، فلا هي التي سدت جوعهم، ولا هم الذين سلموا منها.

أيها المسلمون: هل تظنون أن أهل النار يتناولون طعامهم بسهولة ويسر؟  كلا والله؛ إنهم يأكلونه وهو يغص في حلوقهم، ويقطع أمعاءهم، ويفتت أكبادهم، ويقف في حناجرهم، يقول الله -تبارك وتعالى- في وصفه: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا* وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)[المزمل: 12-13].

أيها الناس: ومن الطعام الذي يتناوله أهل النار: طعام الغسلين والغساق، وهما بمعنى واحد، والمراد بهما ما يسيل من جلود أهل النار من القيح والصديد، وما يسيل من فروج النساء الزواني، فهو عُصارة أهل النار. يقول الله -سبحانه وتعالى- في وصف هذا النوع من الطعام: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ* وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ)[ص: 57-58]، وقال أيضًا: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ* وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ* لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)[الحاقة: 35-37].

يقول عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن الغساق: "القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهرق في المغرب لأنتنت أهل المشرق، ولو أهرقت في المشرق، لأنتنت أهل المغرب".

وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وَإِنَّمَا يُطعم أهل النَّار الغسلين لأَنهم كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَا يريدون أَن يغتسلوا من الْجَنَابَة، وَلَا يتوضؤوا للصَّلَاة، فيُحرق الغسلين مَوَاضِع الْوضُوء والاغتسال، وَمَا سقط مِنْهُ أطعموه إِيَّاه؛ جَزَاء بِمَا ضيعوا فِي الدُّنْيَا من حُقُوق الله تَعَالَى".

وهناك قوم من أهل النار يطعمهم الله الجمر، وهم أصحاب الذنوب العظيمة كأكل أموال اليتامى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء: 10]، والذين يكتمون العلم ويخفون الحق: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ)[البقرة: 174].

فاتقوا الله -عباد الله-، واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، وليتحرى كل واحد منها طيب طعامه في الدنيا حتى يجنبه الله طعام النار، وشرابها الحار.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسّلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

عباد الله: الشراب قرين الطعام؛ فمن شبع من الطعام فلابد أن يرتوي من الماء، وأهل النار إذا طعموا من الطعام الذي فيها احتاجوا إلى الشراب؛ فما هو شرابهم؟ وما هي أوصافه وأنواعه؟.

لقد ذكر الله في كتابه العزيز أنواعاً مما يشربه أهل النار، وتحدث عن عدد من المشروبات التي يشربونها؛ فمن هذه الأشربة: شراب الحميم، وهو الذي قال الله عنه: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)[محمد: 15]، وقال أيضاً: (لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ)[الأنعام:70]، وقال: (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)[الرحمن: 44].

والحميم هو الماء الحار الذي تناهى حره، واشتد غليانه، وارتفعت حرارته؛ لأنه يستخرج من عين آنية، أي: من عين اشتد حرها، وتناهت ضراوتها، فليس بعدها ما هو أشد حرارة منها، فيشربه الكافر في النار، ويُصب من فوق رأسه: (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)[الدخان: 48، 49]؛ يشربون منه كشرب الإبل العطشى التي تشرب ولا ترتوي لمرض أصابها.

ومن شراب أهل النار في النار: الصديد، وهو الذي قال الله -تبارك وتعالى- عنه: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ)[إبراهيم: 16]، والصديد هو خليطة القيح والدم الذي يخرج من أجساد الكفار وجروحهم، وقد جاء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوعداً شارب الخمر: "إِنَّ عَلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"(رواه مسلم).

ومن أنواع الشراب الذي يشربونه في النار: شراب المهل، وهو الذي قال الله عنه: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)[الكهف: 29]. يقول سعيد بن جبير -رحمه الله-: "إذا جاع أهل النار استغاثوا من الجوع، فأغيثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها، فانسلخت وجوههم، حتى لو أن ماراً مر عليهم يعرفهم لعرف جلود وجوههم، فإذا أكلوا منها، ألقي عليهم العطش، فاستغاثوا من العطش، فأغيثوا بماء كالمهل، والمهل: الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم، أنضج حره الوجوه، فيصهر به ما في بطونهم".

عباد الله: أبعد هذا يطيب لإنسان أن يأكل أو يشرب من حرام؟! أما لنا فيه زاجر يزجرنا عن ارتكاب ما يغضب الله، ويوجب النار والعذاب الأليم؟!فقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فلا أشتهيه"، وروي أن عبد الرحمن بن عوف أتي إليه بطعام وهو صائم، فقرأ: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا* وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)[المزمل: 12- 13] فلم يزل يبكي، حتى رفع طعامه، ولم يتناوله، وإنه لصائم. فرحماك يا ربنا بنا.

ألا أيها المقصود في كل حاجتي

شكوت إليك الضر فارحم شكايتي

ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي

فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي

أتيت بأعمال قباح رديئة

وما في الورى عبد جنى كجنايتي

أتحرقني بالنار يا غاية المنى

فأين رجائي ثم أين مخافتي

فلنستعذ بالله من النار وطعامها، ولنحذر من عذابها وشرابها، ولنستعد للقاء الله بالأعمال الصالحة.

اللهم أجرنا من النار وطعامها، وأعذنا من سمومها وشقائها، واجعل الجنة مستقرنا ومقامنا، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء.

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه...