العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
العربية
المؤلف | عبد الله بن صالح منكابو |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين - الحياة الآخرة |
عباد الله: للصائم فرحتان، ونحن اليوم نعيش الفرحة الأولى، فلتكن فرحتنا هذه بما يرضي الله، نوسِّعُ على أهلينا بأنواع المباحات وما أكثرها، ونَصِلُ أرحامنا وجيراننا، ونُصفِّي قلوبَنا على إخواننا، ويعفو بعضنا عن بعض ليعفو الله عنا.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى، خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنَ النِّعَمِ وَأَسْدَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى، وَخَلِيلُهُ الْمُجْتَبَى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اهْتَدَى.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد،
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله: الفرحةُ التي نعيشُها اليوم هي جزءٌ من الفرحةِ الأولى، التي أخبر عنها -صلى الله عليه وسلم-: "للصائم فرحتان؛ فرحةٌ عند فطره.."، كلما أتمَّ يومًا، وحانت لحظة الإفطار، فرح واستبشر بيومه، وإذا تم الشهرُ، ودخل عيدُ الفطر، فرح بإكمال رمضان، وبالتوفيق لصيامه وقيامه.
هذه هي الفرحةُ التي نعيشها الآن، ونجد أثَرَها بِشْرًا على الوجوه، وانشراحًا في الصدور، وتكبيرًا لله على هدايته وتوفيقه؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة:185].
إنها الفرحة الأولى -معشر الصائمين-، ولنا -بإذن الله تعالى- وبكرمه ولطفه وإحسانه وجوده: فرحةٌ أخرى، يوم نلقى ربنا -جل وعلا-.
وكم من أفراحٍ تنتظر المؤمنَ يومَ القيامة!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
تبدأ أفراح المؤمن في ذلك اليوم؛ حين يُبعث آمنًا، مطمئنًا، في يوم الفزع الأكبر. الناسُ كلُّهم في خوف إلا المؤمنين؛ فإنهم (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)[النمل:89]، وهم الذين (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[الأنبياء:103]، هذا يومك يا مؤمن؛ الذي كنت تُصدِّق به، وتصوم وتقوم استعدادًا له، وتفعل الخير لأنك ترجو لقاء الله فيه. فأبشر بما يَسرُّك.
عباد الله: ويِعْظُم فرح المؤمن حين يلقى الكريمَ -سبحانه-، ويقف بين يدي أرحم الراحمين، الذي ادَّخر تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، ينادي على رؤوس الخلق: يا فلانَ ابن فلان! هلُمَّ إلى العرض على الله، فيتقدم للقاء رب العزة والجلال، ويقترب منه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، حتى يضع عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، ثم يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، َيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيقول: نعم يا ربِّ أعرف، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ يقول: نعم يا رب أعرف. أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى -العبد- فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، قَالَ –الله-: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وأنا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ بيمينه"(البخاري والمسند وابن حبان وابن ماجه).
أيُّ فرحةٍ أيها الإخوة! وأيُّ سعادةٍ يشعر بها العبدُ في هذه اللحظة؟! حين (يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا)[الانشقاق:8-9]؛ فما أعظمه من سرور!
وكم من أفراحٍ تنتظر المؤمنَ يومَ القيامة!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: وللمؤمن فرحةٌ بالغة حين يقف أمامَ الصراط وتحتَ الصراطِ نارُ جهنم، والناس يَهْوُونَ فيها على وجوههم، فيعبُرُ العبدُ الصالحُ كلمح البصر، وكالبرق، وكالريح –يتفاوت المؤمنون بحسب أعمالهم–، وقد أخبرنا -صلى الله عليه وسلم- عن آخِر عبدٍ يعبر الصراط إلى الجنة فقال: "رجل يمشي على الصراط، فيكبو مرة، ويمشي مرة، وتسفعه النار مرة" -يعني تلفح وجهه ويكاد يسقط فيها، فلما عبر ونجا منها- "التفت إليها فقالَ: تبارك الذي نجَّاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخِرين"؛ هذه فرحةُ آخِر رجلٍ يعبُر على الصراط، فكيف بفرح السابقين.
وكم من أفراحٍ تنتظر المؤمنَ يومَ القيامة!
من أعظم لحظاتِ السعادة والسرور، والفرح والحُبور: حين يُساق المؤمنون إلى الجنة، تَزُفُّهم الملائكة زمرًا، جماعاتٍ جماعاتٍ، يأخذُ بعضُهم بأيدي بعض.
ضع نفسك يا عبد الله في هذا المقام، وأنتَ تسير إلى الجنة مع عباد الله الصالحين قد انتهى الحساب، وأَمِنْتَ مِنَ العذاب، وليس بينك وبين نعيمِها إلا لحظات.
ويصِلُ المؤمنون إلى أبواب الجنة، فيجدونَها مغلقةً موصدة، فيزدحمون عليها، وقد بلغ الشوق بهم ما لا يطيقون، كلهم ينتظر اللحظة التي تُفتح فيها الأبواب.
ويتقدم سيدُنا وسيدُ الخلق؛ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- من بين الجموع، يأخذ حلقة الباب، فيَقْرعُهُ، فيَسألُ خازنُها، من أنت؟، فيقول: محمد. فيقول خازنُ الجنة: "بك أُمِرْتُ أن لا أفتحَ لأحد قبلَك، فيَفتح له" (مسند أحمد).
وها هي أبواب الجنة تتحرك، وتكشف عما وراءها؛ (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر:73].
وهنا أيها الإخوة: تبدأُ حياةُ النعيمِ الخالد الذي لا ينتهي، ولا يقل، ولا يُكَدِّرُه شيء. شبابٌ لا يَبلى، وقوةٌ لا تضْعُف، وصحةٌ لا يعتريها مرض، سعادة لا ينغصها فقد حبيب، ولا موت قريب.
هذه بعض أفراح الآخرة، أسأل الله أن يجمع لنا ولكم وللمسلمين فرح الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية:
عباد الله: للصائم فرحتان، ونحن اليوم نعيش الفرحة الأولى، فلتكن فرحتنا هذه بما يرضي الله، نوسِّعُ على أهلينا بأنواع المباحات وما أكثرها، ونَصِلُ أرحامنا وجيراننا، ونُصفِّي قلوبَنا على إخواننا، ويعفو بعضنا عن بعض ليعفو الله عنا.
ويتم فرح المؤمن -أيها الكرام- حين يُدْخِل السرور على عباد الله، فيلتمس فقيرًا، أو صاحب حاجة، أو مغتربًا عن وطنه وأهله، فيحسن إليه، ليشارك الناس في فرحة عيدهم.
بارك الله لنا ولكم في هذا العيد، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وكلَّ عام وأنتم بخير.
اللهم...