البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

من أشراط الساعة الكبرى: خروج الدّابة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. خروج الدّابة من أعجب علامات الساعة .
  2. المنهج العلمي في التعامل مع أخبار خروج الدابة وثبوتها في القرآن والسنة .
  3. اقتران خروج الدّابة وقت الضحى ومقترن بطلوع الشمس من مغربها وحل إشكالية وصفها بالأولية .
  4. أعمال الدابة ومشاهدة آثار أفعالها في الناس .
  5. التحذير من الروايات الضعيفة المشتهرة. .

اقتباس

أيها المؤمنون: فالدّابة هي من أشراط الساعة الكبرى لا نعلم صفتها ولا شكلها ولا لونها، ولا مكان خروجها ولا مدة بقائها ولا موتها، وهذا لا يفيدنا بشيء، والشرع جاءنا بما نحتاج معرفته ويفيدنا، وهذه الدّابة...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: إن من أشراط الساعة الكبرى وعلاماتها خروج الدّابة. وتعد هذه العلامة من أعجب علامات الساعة الكبرى، وكل علامات الساعة هي عجيبة حقا، وهي آية من آيات الله عظيمة الشأن والتقدير والحدوث، ولكن علامة خروج الدّابة-سبحان الله- فيها غرابة وعجب، فأنت تتكلم عن علامة مختلفة، حيوان يتعامل مع إنسان بطريقة مذهلة حقا، لا يقدر على تسيير أمرها إلا خالقها سبحانه وتعالى؛ فسبحان من يفعل ما يشاء، ويقدر على ما يشاء. فما هي معالم هذه العلامة الغريبة العجيبة من علامات الساعة الكبرى.

إخوة الإيمان: كثرت الأحاديث الضعيفة في الكلام على الدّابة، وذكر أوصافها التفصيلية الغريبة جدا مما لم يصح به الخبر، قال ابن عاشور:"وَقَدْ رُوِيَتْ فِي وَصْفِ هَذِهِ الدّابة وَوقت خُرُوجهَا ومكانه أَخْبَارٌ مُضْطَرِبَةٌ ضَعِيفَةُ الأسَانِيدِ فَانْظُرْهَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِ إِذْ لا طَائِلَ فِي جَلْبِهَا وَنَقْدِهَا".

ونحن- يا أيها الأخوة- كما قررنا ذلك كثيرا، بأن علامات الساعة هي من الغيبيات، وأنه لا بدَّ في روايات أحداثها من آية قرآنية، أو حديث نبوي ثابت. ومن هنا فسنتّبع في بيان علامة خروج الدّابة هذا المنهج ونورد ما ثبت من الروايات. وهي محدودة ولا تفاصيل كثيرة فيها، ونعرض عن غيرها من الضعيف؛ وذلك صيانةً لعقيدتنا وإيماننا، والعمل بالمقصود الذي جاء به الوحي والاكتفاء به.

عباد الله: إن خروج الدّابة في آخر الزمان هو من أشراط الساعة الكبرى التي ثبتت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية؛ ففي القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ)[النمل:82]. قال ابن كثير: "هذه الدّابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتَرْكِهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض فَتُكَلِّم الناس على ذلك. فتقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون"، وفي تفسير السعدي: " إذا وقع على الناس القول الذي حتمه الله وفرض وقته. (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً) خارجة (مِنَ الأرْضِ) أو دابة من دواب الأرض ليست من السماء. وهذه الدّابة (تُكَلِّمُهُمْ) تكلم العباد أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون؛ أي: لأجل أن الناس ضعف علمهم ويقينهم بآيات الله؛ فإظهار الله هذه الدّابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون.

وهذه الدّابة هي الدّابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان وتكون من أشراط الساعة، ولم يأت دليل يدل على كيفيتها ولا من أي نوع هي، وإنما دلت الآية الكريمة على أن الله يخرجها للناس، وأن هذا التكليم منها خارق للعوائد المألوفة، وأنه من الأدلة على صدق ما أخبر الله به في كتابه والله أعلم".

عباد الله: لكم أن تتصوروا كيف أن دابة تكلم الناس العقلاء، وتنعى على أولئك الذين لم يتقبلوا خبر الوحي ولم يؤمنوا به. ولله الحكمة في ذلك، يقول ابن عاشور كلاما رائعا حول ذلك: "وَلا شَكَّ أَنَّ كَلامَهَا لَهُمْ خِطَابٌ لَهُمْ بِحُلُولِ الْحَشْرِ. وَإِنَّمَا خَلَقَ اللَّهُ الْكَلامَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَابَّةٍ؛ تَحْقِيرًا لَهُمْ وَتَنْدِيمًا عَلَى إِعْرَاضِهِمْ عَنْ قَبُولِ أَبْلَغِ كَلامٍ وَأَوْقَعِهِ مِنْ أَشْرَفِ إِنْسَانٍ وَأَفْصَحِهِ؛ لِيَكُونَ لَهُمْ خِزْيًا فِي آخِرِ الدَّهْرِ يُعَيَّرُونَ بِهِ فِي الْمَحْشَرِ. فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ كَلامِ رَسُولٍ كَرِيمٍ فَخُوطِبُوا عَلَى لِسَانِ حَيَوَانٍ بَهِيمٍ. وَجُمْلَةُ (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) تَعْلِيلٌ لإظْهَارِ هَذَا الْخَارِقِ لِلْعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يُوقِنِ الْمُشْرِكُونَ بِآيَاتِ الْقُرْآنِ فَجَعَلَ ذَلِكَ إِلْجَاءً لَهُمْ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ".

أيها المؤمنون: لقد جاء في السنة ذكر خروج الدّابة وكونها من أشراط الساعة الكبرى التي ستقع آخر الزمان مع جملة أشراط الساعة الكبرى؛ التي من صفتها أنها تقع تباعا كحبات العقد إذا انفرطت؛ ففي صحيح مسلم، عن حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "مَا تَذْكُرُونَ؟" قُلْنَا السَّاعَةَ. قَالَ: "إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ –وذكر منها- وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا"، جاء في فتح الباري: "، قال الطيبي: الآيات أمارات للساعة؛ إما على قربها وإما على حصولها؛ فمن الأول الدجال ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج والخسف، ومن الثاني الدخان وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدّابة والنار التي تحشر الناس"، وقال النووي: "وَأَمَّا الدّابة الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْحَدِيث فَهِيَ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْل عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّة مِنْ الْأَرْض)، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: "هِيَ دَابَّة عَظِيمَة تَخْرُج مِنْ صَدْع فِي الصَّفَا".

ونبقى نحتاج إلى حديث صحيح في مكان خروجها من الصفا. ولا دليل صحيح على ذلك. وفي صحيح مسلم كذلك، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدّابة أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ"؛ فخروج الدابة أمر ثابت ومقرر في القرآن والسنة صراحة.

أيها المسلمون: ورد في السنة النبوية أن وقت خروج الدابة يكون في الضحى، وورد كذلك اقتران خروج الدّابة بطلوع الشمس من مغربها، ووصف ذلك بأنها من أوّل علامات الساعة ظهورا، فما هو نص الحديث؟ وما تأويله؟، ففي صحيح مسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدّابة عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا"، وكذلك جاء في صحيح مسلم ما يعلق أمر قبول التوبة على خروج الدّابة، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاَثٌ إِذَا خَرَجْنَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ".

فما معنى ذلك؟ وكيف نفهم هذه الأولية؟ قال ابن كثير: "المراد في الحديث بيان أول الآيات غير المألوفة؛ فالدجال وغيره -وإن كان قبل ذلك- هو وأمثالُه مألوف لكونه بشراً، فأما خروج الدّابة على شكل غريب غير مألوف، ومخاطبتُها الناس ووسمُها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية".

وفي فتح الباري: "فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدّابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب".

وقال الحاكم أبو عبد الله: "الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدّابة ثم تخرج الدّابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه، قلت والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة فتخرج الدّابة تميز المؤمن من الكافر تكميلا للمقصود من إغلاق باب التوبة".

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

عباد الله: فالدّابة هي من أشراط الساعة الكبرى لا نعلم صفتها ولا شكلها ولا لونها، ولا مكان خروجها ولا مدة بقائها ولا موتها، وهذا لا يفيدنا بشيء، والشرع جاءنا بما نحتاج معرفته ويفيدنا، وهذه الدّابة -كما ظهر لنا من الأحاديث الصحيحة- تقوم بعملين كبيرين: الأول: مخاطبة الناس حول عقيدتهم الواقعة وإيمانهم الحاصل. والثاني: وسْمُ الناس بما يستحقونه من وسْم الإيمان ووسْم الكفر. وقد تكون لها مواقف وأعمال أخرى لا يعلمها إلا الله.

ومن عجيب أمر الدّابة وفعلها الذي تفعله في الناس أن أثرها يبقى في الناس ويشاهدونه في أنفسهم؛ ففي مسند أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تخرج الدّابة، فتَسِمُ الناس على خراطيمهم، ثم يعمّرون فيكم حتى يشترى الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين"؛ فسبحان الله على ما يقدره ويقضيه وله الحكمة البالغة.

أيها المؤمنون: بقي أن ننبه إلى بعض الأحاديث الضعيفة الواردة في خروج الدّابة التي يكثر تداولها وروايتها، وهي في سنن ابن ماجه، من ذلك حديث: "تَخْرُجُ الدّابة وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَعَصَا مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ، فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ، حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحِوَاءِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ" ضعفه الألباني.

وحديث عَبْدُ اللهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذَهَبَ بِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ، إِلَى مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ، فَإِذَا أَرْضٌ يَابِسَةٌ حَوْلَهَا رَمْلٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَخْرُجُ الدّابة مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِذَا فِتْرٌ فِي شِبْرٍ". قال الألباني: ضعيف جدا.

أيها المؤمنون: أمام هذه العلامة الكبرى العجيبة الغريبة من علامات الساعة الدالة على عظيم قدرة الله وحكمته فإننا نتبع النقل الثابت ولا نقبل بالضعيف ونرفض طعون الطاعنين من العقلانيين وغيرهم  المشككين بمثل هذه العلامة من علامات الساعة، يقول أحمد شاكر في تحقيقه لمسند أحمد: "وردت أحاديث في الصحاح وغيرها بخروج هذه الدّابة الآية، وأنها تخرج آخر الزمان، ووردت آثار أخر في صفتها لم تنسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المبلغ عن ربه والمبين آيات كتابه؛ فما علينا إلا أن ندعها، ولكن بعض أهل عصرنا من المنتسبين إلى الإسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول، والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إلا أن يقفوا عند حدود المادة التي رسمها لهم معلموهم وقدوتهم من ملحدي أوروبا الوثنيين الإباحيين، المتحللين من كل خلق ودين؛ فهؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارا صريحا، فيجمجمون ويحاورون ويداورون، ثم يتأولون فيخرجون الكلام عن معناه الوضعي الصحيح للألفاظ في لغة العرب، يجعلونه أشبه بالرموز؛ لما وقر في أنفسهم من الإنكار الذي يبطنون! بل إن بعضهم لينقل التأويل عن رجل هندي معروف أنه من طائفة تنتسب للإسلام، وهي له عدو مبين، وعبيد لأعدائه المستعمرين!! فانظر إليهم أنى يترددون ويصرفون؟ وأي نار يقتحمون؟ ذلك بأنهم بآيات الله لا يوقنون".

يا عباد الله: الواجب على كل مسلم الإيمان بأن الله -سبحانه وتعالى- سيخرج للناس دابة مخالفة لما يعتاده الناس تكلّمهم وتختم على الكافر بالكفر وعلى المؤمن بالإيمان، وهذا من الإيمان بالغيب الذي مدح الله به المؤمنين؛ فكن من أهله.

اللهم اجعل أعمالنا صالحة واجعلها لوجهك خالصة

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).