الأكرم
اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | رافع العنزي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
يُلاحَظ على بعض الناس التساهل في ترك الحج، ويتعذر بأعذار واهية، وغالبها عدم القدرة المالية، ومن جانب آخر تجده يصرف أموالاً كثيرة على السفر للنزهة أو غيرها؛ فإذا جاء الحج تعذر بعدم القدرة المالية، وهذا تساهل مؤاخَذ عليه أمام الله..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فَإِنَّ أصدق الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيُرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالة وكلَ ضلالة في النار.
أيها المسلمون: إنَّ الله -تعالى- قال مخبراً عن موسى -عليه السلام-: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طه: 84]، قال الشافعي: "فعُلم أن تعجيلَ العبادة سببُ الرضوان".
ومن ذلك المبادرة إلى الحجِّ بعد توفُّر شروطه؛ قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "تعجَّلوا إلى الحج؛ - يعني: الفريضة- فإنَّ أحدكم لا يدري ما يَعرِض له"(رواه أحمد، وحسَّنه الألباني).
فالحج أحد أركان الإسلام، فلا يجوز التهاون فيه، وقد ذكر العلماء -رحمهم الله- شروطَ وجوب الحج، والتي إذا توفرت في شخص وجب عليه الحج، ولا يجب الحج بدونها، وهي خمسة: الإسلام، العقل، البلوغ، الحرية، الاستطاعة. وتزيد المرأة وجود المحرم.
قال الله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران:97]. وهذا يشمل الاستطاعة البدنية والاستطاعة المالية. أما الاستطاعة البدنية فمعناها أن يكون صحيح البدن ويتحمل مشقة السفر إلى بيت الله الحرام. وأما الاستطاعة المالية فمعناها أن يملك النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذهاباً، وإياباً.
عباد الله: يُلاحَظ على بعض الناس التساهل في ترك الحج، ويتعذر بأعذار واهية، وغالبها عدم القدرة المالية، ومن جانب آخر تجده يصرف أموالاً كثيرة على السفر للنزهة أو غيرها؛ فإذا جاء الحج تعذر بعدم القدرة المالية، وهذا تساهل مؤاخَذ عليه أمام الله.
قال الشيخُ ابنُ بازٍ -رحمه الله-: "من قَدَرَ على الحجِّ ولم يحُجَّ الفريضةَ وأخَّرها لغير عذر؛ فقد أتى مُنكراً عظيماً ومعصيةً كبيرةً والواجبُ عليه التوبةُ والبِدارُ بالحجِّ".اهـ.
ولو نظرنا إلى السلف الصالح وحرصهم على الحج لوجدنا المبادرة والتعجل لأداء الركن الخامس؛ فهذه أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- خرجت إلى الحج مع النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهي على أبواب الولادة، وولدت بذي الحليفة على بعد بضعة أميال من المدينة؛ فأرسلت إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كيف أصنع؟ فأرشدها النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وسافرت وأكملت الحج.
وقد صحَّ عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "مَن أطاق الحجَّ فلم يحجَّ، فسواء عليه مات يهوديًّا أو نصرانيًّا".
فالبدار البدار إلى أداء هذا الركن العظيم لتفوز برضا الله والجنة؛ فإن الحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"(متفق عليه).
بارَك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقولُ قولي هذَا، وأستغفِر اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولِسائر المسلمين مِن كلّ ذنب، فاستَغفروه وتوبوا إِليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: قال -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)[التوبة: 36].
وقَالَ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حجة الوداع: "إن الزَّمَان قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ"(رواه البخاري ومسلم).
عباد الله: لقد أظلنا شهر ذي القعدة؛ وهو من الأشهر الحرم فاتقوا الله ولا تظلموا فيه أنفسكم فالمعصية فيه أعظم، والحسنة فيه أفضل؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرمًا، وعظَّم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم".
ومن خصائص هذا الشهر فضيلة العمرة فيه؛ فعُمَر النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- الأربع كنّ في شهر ذي القعدة، قَالَ أَنَسٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ"(متفق عليه).
وصلُّوا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦]، وقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.