العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد - أسماء الله |
ينبغي لنا أن نتساءل: ما هي أعمال ومواطن القرب من الله والتي يجب على العبد أن يستشعرها ويقوم بها؛ لتكون تطبيقا عمليا لإحياء اسم الله " القريب" في النفوس؛ كما اخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وربى على ذلك أصحابه؟, والجواب: أن من أراد القرب من الله فعليه أن يحافظ ويتزود من النوافل...
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ،(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1], (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:
معاشر المؤمنين: إن الله خلق الخلق ليعرفوه بأسمائه وصفاته ويعبدوه بما شرع، وهذه هي الغاية المطلوبة منهم في هذه الحياة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "مفتاح دعوة الرسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها".
فالاشتغال بمعرفة الله، اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله، لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه, قال الله -تعالى-: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8]، وقال -سبحانه-: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الإسراء:110].
وإن من أسماء الله التي يجب أن نستوعب معناها ودلالتها وندرك آثارها ونتعبد الله بها اسم الله "القريب"، وقد ورود هذا الاسم لله في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة:189]، وقال -عز وجل-: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)[هود:60-61]، وقال -سبحانه-: (قُلْ إِن ضَلَلْت ُفَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)[سبأ:50].
عباد الله: ومعنى القريب أي: الذى ليس ببعيد, فالله -عز وجل- قريب بعلمه من خلقه, قريب ممن يدعوه بالإجابة, وقد روى ابن كثير في تفسيره أن أعرابياً قال: يا رسول اللّه! أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي -صلى اللّه عليه وسلم- فأنزل اللّه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:189]، وقد ثبت في الصحيحين: "أن الله -تعالى- ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر".
وروى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلّى الله عليه وسلّم- فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وسلّم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتعالى جَدُّهُ".
أيها المسلمون: إن الله -سبحانه- قريب من عباده، عليٌ فوق عرشه، عليم بالسرائر، وما تكنه الضمائر، وهو قريب بالعلم والقدرة من عامة الخلائق أجمعين، وقريب باللطف والنصرة وهذا خاص بالمؤمنين، من تقرب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً، وهو أقرب إلى العبد من عنق راحلته، وهو أيضا قريب من عبده بقرب ملائكته الذين يطلعون على سره ويصلون إلى مكنون قلبه.
والاعتقاد الحق كما قال شيخ الإسلام بن تيمية: "أنَّ الله -عز وجل- قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، وأنه يتقرَّب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة".
أيها المسلمون: ودلالة قربه -تعالى- نوعان:
قرب عام من كل أحد بعلمه وخبرته ومراقبته ومشاهدته وإحاطته وقدرته، قال -تعالى-: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ)[ق:16]، وقال -تعالى-: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ)[الواقعة:85].
وقرب خاص من عابديه وسائليه ومحبيه, "وهو قرب لا تُدرك له حقيقة, وإنما تعلم آثاره من لطفه بعبده وعنايته به وتوفيقه وتسديده ومن آثاره الإجابة للداعين, والعناية للعابدين والنصر والتأييد والتمكين والفرج للمؤمنين"(السعدي).
عبـــاد الله: إذا علم العبد بحقيقة اسم الله "القريب" ومعناه تذوق حلاوة الإيمان, وجنى لأجل ذلك ثماراً يانعة وآثاراً عظيمة, قد تكون سبباً لسعادته دنيا وآخرة؛ فمن ذلك:
الأمن والثقة: فمتى عاش المؤمن قريباً من الله أنس به واشتد يقينه، فهو في ملاذٍ أمين، وحصن مكين؛ لأنه في معية الله -سبحانه-، القريب منه في كل أحواله, فهو الصاحب له في سفره؛ كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "أنت الصاحب في السفر"(رواه مسلم)، وهو -سبحانه- في نفس الوقت خليفته على أهله "والخليفة في الأهل"، وقد كان من دعائه -عليه الصلاة والسلام- عند السحر في السفر: "ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار"(رواه مسلم).
ومن الآثار: حصول السكينة والثبات: قال الله -تعالى-: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا)[ التوبة: 40].
ومن الآثار: اليقين بالنصر والفرج: قال -صلى الله عليه وسلم- "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً"(رواه الترمذي).
وإن نصر الله آت، وفرجه قريب، والمؤمن لا يفقد أمله مع طول الانتظار بل يظل يُرجي من القريب المجيب نصره، وفرجه ولا يقترح عليه بل يتأدب بأدب العبد المسلّم لما أراده ربه ويأخذ بما شرع له من الأسباب.
إذا اشتملت على اليأس القلـوب | وضاق بما به الصدر الرحيب |
وأوطأت المكاره واطمـأنـت | وأرست في أماكنها الخطـوب |
ولم تر لانكشـاف الضر وجهاً | ولا أغـنى بحيلته الأريــب |
أتاك على قنـوط منك غـوث | يمـن به اللطيف المستجيـب |
وكل الحادثات إذا تنـاهــت | فموصول بها الفرج القريـب |
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا | وعنــد الله منها المخـرج |
كملت فلما استحكمت حلقاتها | فرجت وكان يظنها لا تفرج |
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهدٌ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدٌ أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
عباد الله: هذا قرب الله من عباده, وهذه آثاره وثماره وغيرها كثير, لكن ينبغي لنا أن نتساءل: ما هي أعمال ومواطن القرب من الله والتي يجب على العبد أن يستشعرها ويقوم بها؛ لتكون تطبيقا عمليا لإحياء اسم الله " القريب" في النفوس؛ كما اخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وربى على ذلك أصحابه؟.
والجواب: أن من أراد القرب من الله فعليه أن يحافظ ويتزود من النوافل قال -تعالى- في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه"؛ فالمواظبة على النوافل دليل صدق المحبة، وبوابة القرب من (القريب).
ومن مواطن القرب من الله: السجود قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"(رواه مسلم).
ومن المواطن أيضا: جوف الليل الآخر؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أقربُ ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممَّن يذكر الله في تلك الساعة، فَكُن"(الترمذي).
ومن هذه المواطن الدعوة إلى الله أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ودلالة على خير؛ قال ابن الجوزي "ألستَ تبغي القرب منه؟! فاشتغل بدلالة عباده عليه"(رواه الترمذي).
ومن ذلك قراءة القرآن كلام الله والدعاء وكثرة الذكر, وتقديم النفع واسداء المعروف؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ -عز وجل- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. فَيَقُولُ: كَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَطْعَمَكَ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ وَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَكَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا اسْتَسْقَاكَ فَلَمْ تَسْقِهِ، وَلَوْ سَقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟".
اللهم أصلح أحوالنا ودبر أمورنا.
وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، فقد أمركم الله -تعالى- بذلك في كتابه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).