الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | العقيدة - أهل السنة والجماعة |
فما الذي فعله هذا الرجل غير زيادة الصلاة على رسول الله بعد العطاس حتى ينكر عليه ابن مسعود -رضي الله عنه-؟! لكنه فقه الصحابة في حماية جناب الشريعة والسنة من التبديل والتغيير, ولو كانت الصلاة على رسول الله تشرع بعد العطاس؛ لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ لم يترك خيرا إلا ودل أمته عليه, ولم يدع شرا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]، أما بعد:
فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: فإن محبة الله تعالى هي الغاية الأسمى التي يتطلع إليها جميع المسلمين، وما من أحدٍ منا إلا وهو يتمنى أن يحبه الله تعالى, فإذا نال المسلم حبّ الله تعالى له نال الطمأنينة والسعادة, ولكي تنال هذه المرتبة العلية, فقد جعل الله تعالى لأهلها صفاتاً إن التزموها نالوا محبته, ومن هذه الصفات: صفة الاتباع لنبيه -عليه الصلاة والسلام-, قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) [آل عمران: 31]، وإن مما يضاد الاتباعَ ويناقضه الابتداعُ في الدين.
أيها المؤمنون: إن الله تعالى أكمل دينه الذي ارتضاه لنا، وقام بتبليغه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أتم بلاغ؛ بأوضح بيان، فما بقي على أمته إلا السير على خطى هديه والاتباع لمنهجه، روى البخاري ومسلم: "أن اليهود قالت لعمر بن الخطاب: إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت؛ لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال: وأي آية؟ قالوا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة: 3], قال: عمر: والله إني لأعلم اليومَ الذي نزلت على رسول الله فيه، والساعةَ التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله عشية يوم عرفة في يوم جمعة". فدين اكتمل وبُلِّغ بتمامه لا يحتاج إلى زيادة.
أيها الإخوة: مع كمال هذا الدين وإبلاغه لنا بتمامه؛ إلا أن بعض المسلمين ظنوا أنه لا مانع شرعا من الزيادة في الدين؛ رغبةً في زيادة التقرب إلى الله، وغفلوا عن أن الزيادة في دين الله بغير ما شرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم- هو طريق يبعد عن الله ولا يقرب. وهؤلاء وقعوا في مصيدةِ وخُطوة ماكرة من الشيطان؛ ألا وهي خُطوة البدعة؛ فأشغلهم الشيطان بالبدعة عن السنة، وظنوا أنهم يحسنون صنعا.
إخوة الإيمان: فما هي هذه البدع؟ ما المقصود بها؟ هل هناك تحذير من هذه البدع من القرآن والسنة؟
إخوة الإيمان: فما هي هذه البدع؟ ما المقصود بها؟ هل هناك تحذير من هذه البدع من القرآن والسنة؟
الجواب: إنها المحدثات في الدين, كل طريق وسنن تضاف للدين؛ يقصد بها التعبدُ لله؛ وهي خارجةٌ عما رسمه القرآن والسنة. وقد حذرنا منها الشرع أيما تحذير، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153]. قال التابعي المفسر مجاهد (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ): "البدع والشهوات".
وروى مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه؛ حتى كأنه منذر جيش, ويقول: أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة".
وعند أبي داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد -يعني كان رقيقا مملوكا-، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة". قال ابن رجب -رحمه الله-: "فكل من أحدث شيئاً ونسبه إلى الدين, ولم يكن له أصل من الدين يَرجع إليه فهو ضلالة؛ والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة".
أقول ما سمعتم وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, وعلى آله وصحبه وأتباعه وإخوانه.
أيها المسلمون: هل هناك مجال لقبول شيء من هذه البدع، كأن تكون نيةُ من أتى بها محبةَ الله أو محبةَ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو إرادةَ بها ابتغاءَ الثواب من الله؟ مثلاً كالاحتفال بالمولد النبوي، أو ليلة الإسراء والمعراج، أو ليلة النصف من شعبان.
والجواب: البدعة مردودة على فاعلها، والعمل المبتدع ليس فيه أجر، بل هو إلى الإثم أقرب؛ لمخالفته لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-. روى مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد". وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". فهذا الحديث يدل على أن كل عمل ليس عليه هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مردود على صاحبه.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة".
وقال الإمام مالك -رحمه الله-: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة, فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة: 3], فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً".
إخوة الإسلام: فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب؛ فكذلك كل عمل لا يكون وفق سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مردود على عامله، وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به اللهُ ورسولُه فليس من الدين في شيء.
قال ابن كثير في قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ) [الكهف: 110]؛ أي: ثوابَه وجزاءَه الصالح، (فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا) أي ما كان موافقا لشرع الله، (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وهو الذي يراد به وجهُ الله وحده لا شريك له، ثم قال -رحمه الله-: "وهذان ركنا العملِ المتقبلِ؛ لا بد أن يكون خالصا لله؛ صوابا على شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
إيَّاك والبدعَ المضلةَ إنها | ترمي بصاحبها لشرِّ الموردِ |
كزيادةٍ بعبادةٍ مشروعةٍ | أو سنِّها كالاحتفالِ بمولدِ |
أو أن تقيِّدها بوقتٍ ما أتى | في الشرعِ أو كيفيةٍ لم توردِ |
وينالُ أتباعُ النبيِّ شفاعةً | ويحالُ عنها كلُّ ضالٍ مبعدِ |
قد جاء في نصِّ البخاري أنه | عن حوضِ أحمدَ في القيامةِ يطردِ |
فإذا أردتَ عبادةً مقبولةً | فاخلص له والزم متابعة الهدي |
عباد الله: إن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ بدعة ضلالة"، يدل على أنه لا بدعة في الدين حسنة. ولذا يقول ابن عمر -رضي الله عنه-: "كل بدعة ضلالة؛ وإن رآها الناس حسنة", وقال الإمام الشاطبي: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كل بدعة ضلالة" محمول عند العلماء على عمومه؛ لا يستثني منه شيء البتة، وليس فيها -يعني البدع- ما هو حسن أصلاً". وقال الشيخ رومي الحنفي: "فمن أحدث شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى من قول أو فعل؛ فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، فعُلم أن كلَّ بدعة من العبادات الدينية لا تكون إلا سيئة".
أيها الأحبة الكرام: إنك حين تنصح من يفعل بعض البدع بتركها؛ يكون رده غالباً: "ما أردنا إلا الخير", وفعلاً هم ما أرادوا إلا الخير, وغالباً هم من أهل الصلاح والعبادة, ولكن أي خير في الابتداع, هل يكون الخير بمخالفة أمر الله ورسوله؟!.
روى الدارمي في سننه: "أن أبا موسى الأشعري جاء إلى ابن مسعود -ضي الله عنه- فقال: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ -وَالْحَمْدُ لِلَّهِ- إِلَّا خَيْرًا, قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ, قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً, فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً, وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً, قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟, قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ, قَالَ: "أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ, وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ".
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: "مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ, قَالَ: "فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ, فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ, وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ, مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُونَ, وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ, وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ", قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ".
وروى البيهقي: "أن رجلاً عطس بجوار ابن عمر, فقال بعد عطاسه: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, فما كان من ابن عمر إلا أن أنكر عليه زيادة الصلاة والسلام على رسول الله, وقال له: "وأنا أقول السلام على رسول الله, ولكن ليس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نقول إذا عطسنا, أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نقول: الحمد لله".
فما الذي فعله هذا الرجل غير زيادة الصلاة على رسول الله بعد العطاس حتى ينكر عليه ابن مسعود -رضي الله عنه- لكنه فقه الصحابة في حماية جناب الشريعة والسنة من التبديل والتغيير, ولو كانت الصلاة على رسول الله تشرع بعد العطاس؛ لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ لم يترك خيرا إلا ودل أمته عليه, ولم يدع شرا إلا وحذر منه, فاتبعوا ولا تبتدعوا, وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غنية وكفاية وسلامة لدينكم عن البدع والمحدثات.
ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ حيث أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).