البحث

عبارات مقترحة:

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

تربية الأطفال بالتعويد والتكرار

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الأطفال
عناصر الخطبة
  1. معنى التكرار والتعويد في تربية الأطفال .
  2. أهمية التكرار في تربية الأطفال .
  3. أول وقت التربية بالتكرار .
  4. أمثلة مما ينبغي تكراره لدى الأطفال .
  5. آثار التخلي عن هذا الأسلوب في تربية الأطفال. .

اقتباس

حُسْنُ الْخُلُقِ بِمَعْنَاهُ الْوَاسِعِ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الطَّبْعُ وَالْفِطْرَةُ، وَالثَّانِي: التَّعَوُّدُ وَالْمُجَاهَدَةُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مَجْبُولاً عَلَى الدِّينِ وَالْخُلُقِ الْفَاضِلِ كَانَ تَعْوِيدُهُ عَلَيْهِ يُرَسِّخُهُ وَيَزِيدُهُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي عَالَمِنَا يَجِدُ أَنَّهَا تَتَأَثَّرُ بِالتَّدْرِيبِ وَالتَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ وَبِمَا تُشَاهِدُهُ حَوْلَهَا؛ وَقَدْ يَسْتَغْرِبُ مَنْ يُشَاهِدُ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ الْمُتَوَحِّشَ الَّذِي يَعِيشُ مَعَ الْإِنْسَانِ، كَيْفَ يَقُومُ بِبَعْضِ الْحَرَكَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ طَبْعِهِ، وَإِنَّمَا مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الْغَرَابَةَ سَتَزُولُ حِينَمَا يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ أَخَذَهُ صَاحِبُهُ وَدَرَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ صَغِيرًا وَرَبَّاهُ عَلَيْهَا حَتَّى أَلِفَهَا كَبِيرًا؛ فَصَارَتْ بِالتَّكْرَارِ خُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهِ؛ فَإِذَا كَانَ التَّعْوِيدُ وَالتَّكْرَارُ يَصْنَعُ بِالْحَيَوَانِ الْمُتَوَحِّشِ مَا سَمِعْتُمْ؛ فَكَيْفَ بِالْإِنْسَانِ الَّذِي مَيَّزَهُ اللهُ عَلَى سَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ فَأَكْرَمَهُ بِالْعَقْلِ وَالْإِدْرَاكِ وَالذَّكَاءِ؟ حَتْمًا إِنَّهُ أَكْثَرُ تَأَثُّرًا وَتَأْثِيرًا بِالتَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مَرْحَلَةِ طُفُولَتِهِ؛ فَالْإِنْسَانُ حِينَمَا يَكُونُ طِفْلًا يَتَأَثَّرُ بِمَا يَتَكَرَّرُ أَمَامَ نَاظِرَيْهِ.

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ: "وَتَرْجِعُ أَهَمِّيَّةُ التَّرْبِيَةِ بِالْعَادَةِ إِلَى أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ بِمَعْنَاهُ الْوَاسِعِ يَتَحَقَّقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الطَّبْعُ وَالْفِطْرَةُ، وَالثَّانِي: التَّعَوُّدُ وَالْمُجَاهَدَةُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مَجْبُولاً عَلَى الدِّينِ وَالْخُلُقِ الْفَاضِلِ كَانَ تَعْوِيدُهُ عَلَيْهِ يُرَسِّخُهُ وَيَزِيدُهُ"(كيف تربي ولدك (ص: 45) ).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي تَرْبِيَةِ النَّشْءِ هُوَ التَّعْلِيمُ وَالتَّلْقِينُ، وَلَكِنَّ هَذَا الْأُسْلُوبَ يَعْتَرِيهِ نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ النِّسْيَانَ وَالْغَفْلَةَ، وَلِتَكْمِيلِ هَذَا النَّقْصِ هُنَاكَ أُسْلُوبٌ آخَرُ هُوَ أُسْلُوبُ التَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ، وَكَأَنَّ التَّلْقِينَ جَانِبٌ نَظَرِيٌّ عِلْمِيٌّ، وَالتَّعْوِيدَ جَانِبٌ عَمَلِيٌّ تَطْبِيقِيٌّ.

وَمَعْنَى التَّعْوِيدِ: أَنْ يُدَرَّبَ النَّشْءُ عَلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ حَتَّى يَحْفَظُوهَا وَيَعْتَادُوهَا، كَمَا يُدَرَّبُوا عَلَى تَرْكِ السَّيِّئِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ كَذَلِكَ، وَبِهَذِهِ الْوَسِيلَةِ يَنْشَؤُونَ عَلَى مَحَبَّةِ الْأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ، وَكَرَاهِيَةِ الْأَفْعَالِ الْمَشِينَةِ.

وَهَذَا يُرْشِدُنَا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- إِلَى أَهَمِّيَّةِ التَّكْرَارِ، وَأَنَّهُ أُسْلُوبٌ مُهِمٌّ مِنْ أَسَالِيبِ التَّرْبِيَةِ، وَغَرْسِ الْمَبَادِئِ وَالْأَخْلَاقِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ مَسْلَكًا مَلْحُوظًا مِنْ مَسَالِكِ خِطَابِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- ذَكَرَ قَوْلَهُ: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[الرحمن:13]، أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَرَّةً فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ، وَكَرَّرَ قَوْلَهُ -تَعَالَى-: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)[المرسلات:15] تِسْعَ مَرَّاتٍ فِي سُورَةِ الْمُرْسَلَاتِ.

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا"(رواه البخاري). وَكَانَ هَدْيُهُ كَذَلِكَ إِنْ رَأَى الْحَاجَةَ إِلَيْهِ؛ كَأَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ كَثِيرًا، أَوْ بَعِيدًا لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامُهُ أَوْ كَلَامُهُ.

وَأَحْيَانًا قَدْ يَقْصِدُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ التَّكْرَارِ التَّأْكِيدَ وَالتَّحْفِيزَ؛ حَتَّى يَعِيَ السَّامِعُونَ مَا يَقُولُ؛ لِيَعْمَلُوا بِمَا يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ؛ كَقَوْلِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ"، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ"(رواه مسلم).

وَفِي مُقَابِلِ هَذَا نَجِدُ أَنَّ التَّكْرَارَ وَالتَّعْوِيدَ لِلطِّفْلِ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَحْمُودٍ قَدْ يُرَسِّخُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عِنْدَهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ بِدَافِعِ الْحُبِّ وَالرَّحْمَةِ؛ فَأَهْلُ التَّرْبِيَةِ يَقُولُونَ: "وَعَلَى الْأُمِّ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنِ الدَّلَالِ مُنْذُ وَلِادَةِ الطِّفْلِ؛ فَفِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ يُحِسُّ الطِّفْلُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ فَيْسَكُتُ، فَإِذَا حُمِلَ دَائِمًا صَارَتْ عَادَتُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ تُسَارِعُ إِلَى حَمْلِهِ كُلَّمَا بَكَى، وَلْتَحْذَرِ الْأُمُّ كَذَلِكَ مِنْ إِيقَاظِ الرَّضِيعِ لِيَرْضَعَ؛ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ تُنَغِّصُ عَلَيْهِ نَوْمَهُ وَتُعَوِّدُهُ عَلَى طَلَبِ الطَّعَامِ فِي اللَّيْلِ وَالِاسْتِيقَاظِ لَهُ.

وَيُخْطِئُ بَعْضُ الْمُرَبِّينَ؛ إِذْ تُعْجِبُهُمْ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى لِسَانِ الطِّفْلِ فَيَضْحَكُونَ مِنْهَا، وَقَدْ تَكُونُ كَلِمَةً نَابِيَةً، وَقَدْ يَفْرَحُونَ بِسُلُوكٍ غَيْرِ حَمِيدٍ؛ لِكَوْنِهِ يَحْصُلُ مِنَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا الْإِعْجَابُ يُكَوِّنُ الْعَادَةَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ"(كيف تربي ولدك (ص: 45) ). وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ لَنَا عِظَمَ أَمْرِ التَّكْرَارِ وَالتَّعْوِيدِ فِي الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مَنْ أَرَادَ سُلُوكَ أُسْلُوبِ التَّرْبِيَةِ بِالتَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ مَعَ أَطْفَالِهِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِذَلِكَ مُبَكِّرًا، وَهُمْ مَا زَالُوا صَفْحَةً بَيْضَاءَ قَابِلَةً لِكُلِّ مَا يُنْقَشُ فِيهَا، فَيُسَارِعُ إِلَى تَكْرَارِ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ أَمَامَهُمْ، وَتَدْرِيبِهِمْ عَلَى قَوْلِ الْأَلْفَاظِ الطَّيِّبَةِ إِنْ شَرَعُوا فِي الْكَلَامِ؛ حَتَّى تَدُومَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّرْبِيَةِ: "يَبْدَأُ تَكْوِينُ الْعَادَاتِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ جِدًّا؛ فَالطِّفْلُ فِي شَهْرِهِ السَّادِسِ يَبْتَهِجُ بِتَكْرَارِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُسْعِدُ مَنْ حَوْلَهُ، وَهَذَا التَّكْرَارُ يُكَوِّنُ الْعَادَةَ، وَيَظَلُّ هَذَا التَّكْوِينُ حَتَّى السَّابِعَةِ"(كيف تربي ولدك (ص: 45) ).

وَقَالَ الشَّاعِرُ:

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ، مِنَّا

عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

وَمَا دَانَ الْفَتَى بِحِجًا وَلَكِنْ

يُعَلِّمُهُ التَّدَيُّنَ أَقْرَبُوهُ

ديوان أبي العلاء المعري (ص: 1458).

أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْمُرَبُّونَ: هُنَاكَ أُمُورٌ يَنْبَغِي تَعْوِيدُ الْأَطْفَالِ عَلَيْهَا وَتَكْرَارُهَا أَمَامَهُمْ، وَطَلَبُ قِيَامِهِمْ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَادَةً رَاسِخَةً فِي نُفُوسِهِمْ؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

ذِكْرُ اللهِ -تَعَالَى-، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَمَامَ نَاظِرَيْهِمْ؛ حَتَّى يَتَعَوَّدُوا عَلَى ذَلِكَ وَيَتَرَبَّوْا عَلَيْهِ، وَهَذَا لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى نُفُوسِ الْأَطْفَالِ؛ فَيَنْمُو عَلَى مَحَبَّةِ ذِكْرِ اللهِ وَمَحَبَّةِ كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، وَبُغْضِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى الْأَغَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ.

وَمِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَنْبَغِي تَعْوِيدُ الْأَطْفَالِ عَلَيْهَا: الصَّلَاةُ، وَيَبْدَأُ هَذَا التَّعْوِيدُ بِصَلَاةِ الْأُمِّ أَوِ الْأَبِ أَمَامَ نَاظِرَيِ الطِّفْلِ فِي الْبَيْتِ، وَمَعَ تَكْرُّرِ ذَلِكَ يَبْدَأُ الطِّفْلُ بِمُحَاكَاةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ مَرْحَلَةُ الْفِعْلِ (الأسوة الحسنة).

وَبَعْدَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ تَبْدَأُ مَرْحَلَةُ الْقَوْلِ، وَهِيَ الْأَمْرُ لِلْأَطْفَالِ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغُوا سِنَّ السَّابِعَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ"(رواه أبو داود).

فَتَرْبِيَتُهُمْ بِالتَّكْرَارِ لِلْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، وَتَعْوِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ يَجْعَلُهُمْ يُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا، وَقَلَّ أَنْ يَتْرُكَ الصَّلَاةَ جِيلٌ تَرَبَّى عَلَى الصَّلَاةِ أَوْ يُضَيِّعَهَا عِنْدَ كِبَرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلِفَهَا مُنْذُ صِغَرِهِ فَأَصْبَحَتْ مَغْرُوسَةً فِي قَلْبِهِ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَنْبَغِي تَعْوِيدُ الْأَطْفَالِ عَلَيْهَا، وَتَرْبِيَتُهُمْ بِالتَّكْرَارِ عَلَى لُزُومِهَا: التَّعْوِيدُ عَلَى الصِّيَامِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَمْرِينًا يُوصِلُ إِلَى عَادَةٍ رَاسِخَةٍ عِنْدَ الْكِبَرِ، وَلَوْ كَانَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ وَلَيْسَ إِلَى آخِرِهِ، فَتَعْوِيدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَكَرُّرُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فِي الْبَيْتِ يُرَبِّي الْأَطْفَالَ عَلَى مُمَارَسَتِهَا كِبَارًا، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَنِ الرُّبَّيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رِضَيَ اللهُ عَنْهَا- وَهِيَ تَحْكِي صِيَامَهُمْ عَاشُورَاءَ قَالَتْ: "فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ"(متفق عليه).

وَمِنَ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يَنْبَغِي تَعْوِيدُ الْأَطْفَالِ عَلَيْهَا، وَتَرْبِيَتُهُمْ بِالتَّكْرَارِ عَلَى لُزُومِهَا: الْآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ؛ كَآدَابِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالنَّوْمِ، وَآدَابِ التَّعَامُلِ مَعَ الضُّيُوفِ وَالْجِيرَانِ، وَسَائِرِ النَّاسِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ لِهَذَا أَثَرَهُ الْحَسَنَ فِي نَشْأَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ أَثَرِ التَّعْوِيدِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّنَا قَدْ لَاحَظْنَا بَعْضَ الْأَطْفَالِ إِذَا رَأَوْا مَنْ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ بِشِمَالِهِ يَقُولُونَ لَهُ: كُلْ بِيَمِينِكَ! لِأَنَّهُمْ تَعَوَّدُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَمِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي تَعْوِيدُ الْبَنَاتِ عَلَيْهَا: لُبْسُ الْحِجَابِ، وَدَوَامُ التَّسَتُّرِ؛ فَإِنْ تَرَبَّتِ الْبِنْتُ عَلَى ذَلِكَ كَرِهَتِ التَّبَرُّجَ وَالْمُتَبَرِّجَاتِ، وَأَبْغَضَتِ الْعُرْيَ وَالْأَلْبِسَةَ الشَّفَّافَةَ وَالْقَصِيرَةَ، وَصَارَتْ تُحِبُّ الْحِشْمَةَ وَالْحَيَاءَ، فَإِذَا رَأَتِ التَّعَرِّيَ وَالسُّفُورَ انْقَبَضَتْ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَرَبَّ عَلَى تِلْكَ الْمَنَاظِرِ النَّائِيَةِ، وَلَمْ تَأْلَفْ تِلْكَ الصُّوَرَ الْعَارِيَةَ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعِينَنَا عَلَى تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا تَرْبِيَةً قَوِيمَةً، وَتَنْشِئَتِهِمْ تَنْشِئَةً مُسْتَقِيمَةً.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ التَّخَلِّي عَنْ أُسْلُوبِ تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ بِالتَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ يُورِثُ آثَارًا سَيِّئَةً فِي نُفُوسِ أُولَئِكَ النَّشْءِ الَّذِينَ فَقَدُوا هَذِهِ الْوَسِيلَةَ التَّرْبَوِيَّةَ فِي صِغَرِهِمْ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ:

ظُهُورُ الِانْحِرَافِ فِي أَخْلَاقِهِمْ وَسُلوُكِهِمْ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصَّفْحَةَ الْمُشْرِقَةَ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَخُطُّ عَلَيْهَا جَمِيلَ الْأَعْمَالِ، وَالطَّيِّبَ مِنَ الْأَقْوَالِ؛ فَجَاءَتِ الْبِيئَةُ السَّيِّئَةُ وَالْجُلَسَاءُ السَّيِّئُونَ فَكَتَبُوا فِيهَا مَا شَاءُوا مِنِ انْحِرَافٍ.

وَمِنَ الْآثَارِ السَّيِّئَةِ لِفَقْدِ تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ بِالتَّعْوِيدِ وَالتَّكْرَارِ: صُعُوبَةُ تَقَبُّلِ السُّلُوكِ الْحَسَنِ بَعْدَ ذَلِكَ، إِلَّا بَعْدَ جَهْدٍ وَكَدٍّ، وَالسَّبَبُ أَنَّ الصِّغَرَ لَمْ يَكُنْ أَرْضًا خَصْبَةً لِزَرْعِ ذَلِكَ السُّلُوكِ وَالتَّعْوِيدِ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُقَابِلِ كَذَلِكَ عَسُرَ تَغْيِيرُ السُّلُوكِ السَّيِّئِ وَذَلِكَ عِنْدَ افْتِقَادِ التَّرْبِيَةِ عَلَى الْبُعْدِ عَنْهُ مُنْذُ الصِّغَرِ؛ فَمَنْ شَبَّ عَلَى شَيْءٍ شَابَ عَلَيْهِ.

وَمِنَ الْآثَارِ: قِلَّةُ أَصْحَابِ الْفَضَائِلِ، وَكَثْرَةُ أَهْلِ الرَّذَائِلِ، فَقِلَّةُ الْمُصَلِّينَ فِي صُفُوفِ الشَّبَابِ وَالشَّابَّاتِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ بُعْدِهِمْ عَنِ التَّعْوِيدِ عَلَى الصَّلَاةِ صِغَارًا، وَالتَّبَرُّجُ وَضَعْفُ الْحَيَاءِ فِي صُفُوفِ بَعْضِ الْفَتَيَاتِ نَتِيجَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِلْبُعْدِ عَنْ تَكْرَارِ تَرْبِيَتِهِنَّ عَلَى الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ فِي صِغَرِهِنَّ.

فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، احْرِصُوا عَلَى مُسْتَقْبَلِ أَفْلَاذِ أَكْبَادِكُمْ، وَاعْتَنُوا بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِكُمْ بِالتَّكْرَارِ وَالتَّعْوِيدِ عَلَى مَحَبَّةِ الْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ، وَبُغْضِ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ، كَرِّرُوا أَمَامَ أَنْظَارِهِمْ آدَابَ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامَهُ، وَكَرِّرُوا الْأَوَامِرَ لَهُمْ بِخِصَالِ الْخَيْرِ، وَالنَّهْيِ عَنْ صِفَاتِ الشَّرِّ، وَلَا تَفْتُرُوا وَلَا تَيْأَسُوا؛ بَلِ اسْتَمِرُّوا وَاجْتَهِدُوا، وَلَنْ تَضِيعَ جُهُودُكُمْ عِنْدَ اللهِ سُدًى، وَلَنْ تَجْنُوا مِنْ غَرْسِكُمْ بِإِذْنِ اللهِ إِلَّا أَحْسَنَ الْجَنَى.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِحُسْنِ تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا، وَاجْعَلْهُمْ لَنَا قُرَّة أَعْيُنٍ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ الْمُرَبِّينَ الْمُصْلِحِينَ لِتَرْبِيَةِ أَبْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ التَّرْبِيَةَ الْحَسَنَةَ؛ حَتَّى يَكُونُوا ذُخْرًا لِدِينِهِمْ وَوَالِدِيهِمْ وَأُمَّتِهِمْ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَشَرِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].