الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
نختمُ عامًا، ونستقبلُ عامًا آخرَ، أمضينَا عامًا فَرحَ فيهِ أقوامٌ، وحزنَ فيه آخرونَ، عاشَ فيه أقوامٌ، وهلكَ فيهِ آخرونَ، استصحَّ فيه أقوامٌ, ومَرضَ فيه آخرونَ، اجتمع فيهِ أحبابٌ وتفرَّقَ آخرون, كم من نفسٍ وارينا عليها التراب, وكانت تعيشُ معنا بآمالِها وطموحاتِها، فوافاهَا الأجلُ في لحظةٍ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ القهارِ الجبارِ، يُقدِّرُ الليلَ والنهارَ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ الكريمُ الغفارُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلهُ هدىً ورحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعيَن، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المؤمنونَ-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون)[آل عمران:102].
عبادَ اللهِ: تمضي اللياليَ والأيامُ، وتتصرَّمُ الأعوامُ, والناسُ بين ساهٍ وغافلٍ, ومتبصرٍ وعاقلٍ؛ الكلُّ يسيرُ في هذه الدنيا ويبحثُ عن شيءٍ قد يدركُه، وقد لا يُدركُه, وهو غافلٌ عن مطلوبهِ الحقيقي الذي فيه سعادتُه في الدنيا الآخرةِ.
وكمْ من نفسً ذاقتْ طعمَ الموتِ وهي لم تستكملْ مشروعاتِها التي تُخطِطُّ لها؛ كبناءِ بيتٍ، أو مشروعِ زواجٍ، أو إنهاءِ دراسةٍ، أو بناءِ استراحةٍ، أو سفرٍ لعملٍ, الناسُ يسيرون والأقدارُ جاريةٌ, وهم لا يعلمون!.
عبادَ اللهِ: نختمُ عامًا، ونستقبلُ عامًا آخرَ، أمضينَا عامًا فَرحَ فيهِ أقوامٌ، وحزنَ فيه آخرونَ، عاشَ فيه أقوامٌ، وهلكَ فيهِ آخرونَ، استصحَّ فيه أقوامٌ, ومَرضَ فيه آخرونَ، اجتمع فيهِ أحبابٌ وتفرَّقَ آخرون.
كم من نفسٍ وارينا عليها التراب, وكانت تعيشُ معنا بآمالِها وطموحاتِها، فوافاهَا الأجلُ في لحظةٍ!.
فهنيئًا لمن عمَّر دنياهُ بالطاعةٍ، وتقرَّبَ لخالقهِ، وحفظَ جوارحهُ من المعاصي، وسَلِمَ من حقوِقِ الخلقِ؛ فهذا هو الفائزُ الحقيقيُّ.
عبادَ اللهِ: لقدَ تَيتَّمَ أطفالٌ كانوا يعيشونَ في كنفِ آبائهم وأمهاتهِم، واهتدى أقوامٌ كانوا غارقين في معاصيهِم, واغتنى فقراءُ كانوا معدمين!.
وُلدَ في هذا العام أقوامٌ يستقبلون حياتهم، وماتَ أقوامٌ وهم مجزيون بأعمالهِم، فهل من متعظٍ ومعتبرٍ؟! وصَدَقَ اللهُ العظيمُ: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن)[الرحمن :29]، وقال -تعالى-:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام)[الرحمن:26، 27].
أيها المؤمنون: كم من أقوامٍ يتمنونَ زوالَ يومِهم؛ ليزولَ معهُ الهمُّ والحزنُ والقلقُ، وكم من أقوامٍ يتمنَّون دوام يومهم؛ ليتلذَّذوا بالفرحِ والأنسِ، وما هم فيه من النعيم!.
فسبحانَ مصرِّفُ الليالي والأيامِ، هي أيامٌ مرتْ على الناسِ في عامِهم الذي انقضى، لكنَّهم مسؤولون عنها، محاسبونَ عليهًا بما استودعوه فيها من الأعمالِ؛ إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ, قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزولُ قدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ: عنْ عمرِهِ فيمَا أفناهُ، وعنْ عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعنْ مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقَهُ؟، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ"(رواه الترمذي وصححه الألباني).
الإنسانُ يقاسُ بعطائِه وعملِه، وحصادُ عمرِه يساوي اليدَ التي سيأخذُ بها كتابَه؛ إما أن يكون باليمينِ أو الشمالِ.
عباد الله: ومع مغيبِ شمسِ هذ اليوم نودِّعُ عامًا تنقضي معهُ إجازةٌ طويلةٌ، قضاهَا أبناءُ المجتمعِ كلٌّ حسبَ ما هداهُ إليه عقلُه؛ منهم الجادُّ المتحفِّزُّ، ومنهم الكسولُ المتأخرُ، ومنهم المخطِّطُ المنفذُ، ومنهم الفوضويُ المثبطُ، والكلُّ سيجازى حسَّب ما قدَّم.
فاللهم يسِّر حسابنَا، ويمِّن كتابَنا، وتقبَّل منَّا يا كريم, وصدق الله العظيمِ: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)[الزلزلة:7، 8].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ, ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والعظاتِ والذكرِ الحكيمِ, أقولُ ما سمعتمْ فاستغفروا اللهَ يغفر لي ولكم؛ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وليُّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على إمامِ المتقين، وسيِّدِ المرسلين محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، صلى اللهُ عليه وآلهِ وصحبِه, وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا اللهّ -عبادَ اللهِ-.
أيها المؤمنون: وبعد غدٍ يستقبلُ الطلابُ والطالباتُ والمعلمونُ والمعلماتُ عامَهم الدراسيَّ الجديدَ، ومعهُ ستتغيَّرُ كثيرٌ من الأمورِ، وسيبدأُ الجدُّ والمتابعةُ، وينتهي السهرُ وقلةُ النومِ بالليلِ، وتُعلنُ الأسرُ حالةَ الطوارئ في متابعةِ الأبناءِ والبناتِ.
وهذا محمودٌ ومطلوبٌ، لكنْ ينبغي أن يصاحبَ ذلك متابعةٌ في أمورِ دينهِم، ولا سيمًا الصلاةَ؛ فالخيرُ والفوزُ والفلاحُ في استقامتهِم وعلاقتهِم مع ربَّهم.
أحبابي الطلاب: اطلبوا العلم؛ فمن جدَّ وَجَدَ، ومن زَرَعَ حَصَدَ، واحرصوا على احترامِ معلميكم؛ فلهم من الحقوقِ عليكم الشيءُ الكثيرُ.
واعلموا -أيُّها الطلابُ- أنَّ من لم يتحمَّل ذُلَّ التعلمِ في قاعاتِ الدراسةِ تجرَّعَ مُرُّ الجهلِ طولَ حياتهِ.
واحرصوا -أيُّها الطلابُ والطالباتُ- على الرفقةِ الصالحةِ التي تدلُّكم على الخيرِ وتعينُكم عليه، واحذروا رفقةَ السفهاءِ فهي طريقُ الهلكةِ والشقاءِ، وكلُّ قرينٍ بالمقارنِ يقتدي.
إخواني وأخواتي المعلمون والمعلمات: أنتمْ بناةُ المجدِ، وموجهوا جيلِ المستقبلِ، على قدرِ عطائكم تكونُ النتائجُ في المستقبلِ، كونوا قدوةً لطلابكم وطالباتكم، احرصوا على التوجيهِ واملأُوا الوقتَ بالجدِّ والعطاءِ والبذلِ، وأبشروا بالخير؛ فكمْ لكم من الفضلِ على هذا الجيلِ، أنتمْ أصحابُ السبقِ في بنائِه، فاحمدُوا اللهَ واشكروه على هذهِ النعمةِ العظيمةِ، واسألوه المزيدَ من فضلِه.
عباد الله: واعلموا أنَّهُ تنتشرُ في نهايةِ كل عامٍ عَبْرَ وسائلِ التواصلِ ختمُ العامِ، أو آخر جمعةٍ فيه بكذا وكذا، وهذا لا أصلَ له، فليس لآخر العامِ مزيةٌ في ختم أيامِه بصيامٍ أو صدقةٍ أو أيِّ عملٍ، بل آخرُ العامِ كسائرهِ، ينبغي أن يُشغلَ بالطاعةِ والعبادةِ.
فاحرصوا باركَ اللهُ فيكم على السنةِ، واحذروا من البدعة, وأسألُ الله -جل وعلا- لي ولكم التوفيق والصلاح في العاجلِ والآجلِ.
هذا وصلُّوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم اللهُ بذلكَ فقال جلَّ من قائلٍ عليمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].