الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
شريعة الإسلام ليس فيها ظلم ولا جور, بل هي شريعة كاملة عادلة كلها محاسن, فيها حث على الإحسان بين الناس والإحسان إلى الحيوان, توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها, قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30]..
الخطبة الأولى:
الحمد لله القويِّ العزيز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، فإنَّ التقوى مفتاح لكل خير، ومغلاق لكل شرٍّ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطلاق:2].
عباد الله: إنَّ الصراع بين الحق والباطل مستمرٌّ، وهما في سجال دائم، وتسلُّط الأعداء على أهل الإسلام من زمن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والقرون التي بعده إلى عصرنا وما بعده، ذلك أنَّ الأعداء على مختلف مِلَلهم يجتمعون في حربهم على المسلمين؛ لأنَّ الإسلام كامل، وشريعته سمحة، كلها رحمة، قال -تعالى- عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107].
شريعة الإسلام ليس فيها ظلم ولا جور، بل هي شريعة كاملة عادلة كلها محاسن، فيها حثّ على الإحسان بين الناس والإحسان إلى الحيوان، توافق الفطرة التي فطر الله الناس عليها، قال -تعالى-: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:30]؛ قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة، ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض عرض لفطرته أفسدها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" متفق عليه(تفسير السعدي: ص641).
أيها المسلمون: إنَّ من بغي أهل الباطل وتسلطهم على أهل الحق، ما وقع من جريمة إرهابية نكراء على معمل النفط في بقيق وخريص، وما نتج عنها من آثار سيئة ليس علينا فحسب، بل على شعوب العالم أجمع، ذلك أنَّ اهتزاز الاقتصاد واضطرابه، يعود آثاره السلبية على البشرية جمعاء، وهؤلاء الإرهابيون إيران وأجندتها ومن يقف خلفها؛ الذين تولوا إثم هذه الجريمة المنكرة هم ألدُّ أعداء الأمم والشعوب على اختلاف لغاتهم وأديانهم، فالواجب على العالم عموماً، وعلى المسلمين خصوصاً عربهم وعجمهم؛ الوقوف في وجه هؤلاء المعتدين، وكسر شوكتهم، لئلا يجترئوا على عمليات عدائية مماثلة، كلها ظلم وإفساد في الأرض، وهؤلاء الإرهابيون الذين يوقدون نيران الحرب في بلاد المسلمين، يجب القضاء عليهم لتسلم البشرية، ويسلم المسلمون وتسلم بلدانهم من شرِّهم وعدوانهم.
وعلينا -يا عباد الله- أن لا نلتفت للشائعات ولا نُرعِ لها أسماعنا، فإنَّ من وسائل الأعداء في حربهم على الإسلام نشر الشائعات والأخبار الكاذبة؛ فالحذر الحذر من تداول الشائعات أو سماعها أو نشرها.
عباد الله: إنَّ حرب الأعداء على بلادنا إنَّما هي حرب على الإسلام وأهله، ذلك أنَّ أعداء دين الله تعالى، غاظهم ما تنعم به هذه البلاد وأهلها من نعمة الأمن والاستقرار والقوة والمنعة، وقوة المحبة والتلاحم والترابط بين الراعي والرعية، وقوة تمسكها بالدين إذ لا مظاهر للشرك فيها، وما حباها الله من بحور الذهب الأسود في باطنها، وما فتح الله عليها من أرزاق دارَّة ومقوِّمات اقتصادية كبرى، ولما لها من مكانة كبرى على المستوى العالمي عموماً وعلى المستوى العربي والإسلامي خصوصاً، فحسدها الأعداء وكاد لها الأشقياء وعاداها البعداء وأشدهم عداوة أولئك الذين سمى الله في كتابه المبين وهم اليهود والذين أشركوا، قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)[المائدة:82].
أيها المسلمون: إنَّ النصر على الأعداء لا يكون إلا من عند الله -تعالى-، قال -عز وجل-: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)[آل عمران:126]؛ فهو -سبحانه- الذي ينصر عباده المؤمنين، ومن نصره الله فلا غالب له، قال -تعالى-: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آل عمران:160].
والمسلمون المهتدون بهدي الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة فإنَّ الله ينصرهم على عدوهم قال -تعالى-: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم:47]، والله -عز وجل- ينصر من نصر الدين ودعا الناس إليه وجاهد أعداء الله قاصداً بذلك وجه الله؛ قال –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)[محمد:7-8].
عباد الله: إنَّه مهما طال الزمان أو قصر، ومهما طال البلاء واشتد، ومهما تسلط الأعداء وطغوا وتجبَّروا، فإنَّ العاقبة الحميدة في هذه الأرض لعباد الله المتقين؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الأعراف:128].
عباد الله: إنَّ الله -تعالى- أمر عباده المؤمنين بإعداد العدة بما يستطيعون، قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)[الأنفال:60]؛ قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "أي: وَأَعِدُّوا لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك؛ مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي: والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير"(ينظر تفسير السعدي: ص324).
معاشر المسلمين: ومن أعظم مقوِّمات التمكين في الأرض: تحقيق التوحيد لله وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال -تعالى-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج:40-41]؛ فاحرصوا -يا عباد الله- على إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وعلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوبوا إلى الله واستغفروه، ولا تغرنكم الدنيا فتصيبكم الغفلة وإياكم والملاهي المحرمة والأغاني الملهية، واعملوا على إصلاح أنفسكم وإصلاح أهل بيوتكم، انصحوا لهم وحاسبوا أنفسكم، فإنَّ الذنوب والمعاصي من أسباب الشقاء والتعاسة ومن أسباب تسلُّط الأعداء قال -تعالى-: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النور:55-56].
وفي زمن الفتن -يا عباد الله- نتذكر أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لحذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- عندما سأله عن الفتن إن أدركته، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، قال: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"(أخرجه الشيخان).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.