البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

نهاية العام 1426هـ

العربية

المؤلف سامي بن خالد الحمود
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. انقضاء الأعوام مقرِّب للآجال .
  2. قيمة الدنيا والتزهيد فيها .
  3. وقفة محاسبة في بداية العام .
  4. نِعَم الله علينا في العام المنصرم .
  5. أحوال المسلمين المستضعفين في العام المنصرم .
  6. الامتحانات ونتائجها تذكر باختبار الآخرة ونشر الصحف يوم القيامة .

اقتباس

وإذا كان ذهاب الليالي والأيام ليس لدى الغافلين اللاهين سوى مُضِيِّ يوم ومجيءِ آخر، فإنه عند أولي الأبصار باعثٌ حيٌّ من بواعث الاعتبار، ومصدرٌ متجدِّدٌ من مصادر العظة والادِّكار، يصوِّر ذلك ويبيِّنه أبلغَ بيانٍ قولُ الحسَن البصري -رحمه الله-: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك..

الحمد لله الواحد القهار، جعل في تعاقب الليل والنهار عبرةً لأولي الأبصار، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار، حكم بفناء هذه الدار، وأمر بالتزود لدار القرار، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار، وصحبة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

عباد الله: عام أفَل، وعـام أطـلّ، فقبل أيّام ودّعت الأمّة الإسلاميّة عاماً هجرياً، تصرمت أيامُه، وقُوِّضت خيامُه، بالأمس القريب كنا نستقبله، واليوم وبهذه السرعة الخاطفة نودعه، العام السادس والعشرين بعد الأربعمائة والألف من هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وها نحن نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا.

إن وقفة التوديع مثيرةٌ للأشجان، مهيِّجةٌ للأحزان، إذ هي مصاحبةٌ للرحيل، مؤذنةٌ بالتحويل، مضى -يا عباد الله- من عمر الزمن عام كامل، تقلّبت فيه أحوال، وتصرمت فيه آجال.

وإذا كان ذهاب الليالي والأيام ليس لدى الغافلين اللاهين سوى مُضِيِّ يوم ومجيءِ آخر، فإنه عند أولي الأبصار باعثٌ حيٌّ من بواعث الاعتبار، ومصدرٌ متجدِّدٌ من مصادر العظة والادِّكار، يصوِّر ذلك ويبيِّنه أبلغَ بيان قولُ الحسَن البصري -رحمه الله-: يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك.

إنَّا لَـَنفْرَحُ بالأيَّـامِ نقْـطَعُها

وكُلُّ يومٍ مضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ
فاعمَلْ لنَفْسِكَ قبْلَ الموتِ مُجْتَهِدَاً فإنَّما الرِّبْحُ والخُسْرانُ فِي العَمَلِ

انقضاء العام انقضاء للأعمار، قال أحد السلف: كيف يفرح في هذه الدنيا مَن يومُه يهدم شهرَه، وشهرُه يهدم سنتَه، وسنتُه تهدم عُمُرَه؟! كيف يفرح مَن عمرُه يقوده إلى أجله، وحياتُه تقوده إلى مماته؟!.

عباد الله: إن عام ألف وأربعمائة وستة وعشرين قد مضى وانقضى من أعمارنا، ولن تفتح صحيفته إلا يومَ القيامة، فهل يكون مذكِّراً لنا بسرعة زوال الدنيا؟ (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف:45].

يَنزل الماء من السماء فتخضر الأرض، ويربو النبات، وتزهو الزهور، ويحلو الثمر، ثم لا يلبث هذا الزخرف والزينة أن يكون هشيماً يابساً، وحصيداً هامداً، فينتهي شريط الحياة؛ بهذا التشبيهِ البليغِ في سرعة الفناء والزوال يضربُ المولى -جل وعلا- المثل لهذه الحياة الدنيا.

في مثلِ غمضةِ عين، أو لمحةِ بصر، أو ومضةِ برق، يُطوَى سجلُّ الإنسان، من الولادة، إلى الطفولة، إلى الشباب، إلى الشيخوخة والهرم، إلى الموت.

فوا عجباً لهذه الدنيا! كيف خُدِع بها الإنسان وغره طولُ الأمل فيها، وهي كما أخبر الله -سبحانه-: (لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) [الحديد:20]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5]، (يَا قَوْمِ إِنَّما هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39].

عباد الله: حَرِيٌّ بكلِّ مسلم ينشد الفلاح والنجاة لنفسِه أن يستفتح عامه بوقفة تأمّلٍ ومحاسبةٍ، يراجعُ فيها نفسه، وينظرُ إلى ما قدّم فيما مضى من عُمرِه، ويلقِي عن عاتقه رداءَ الغفلة، فإنّ كلَّ يوم ينقضي يدني من الأجل.

يا نفسُ للهِ تُوبِي

واسْتَغْفِرِي مِن ذُنُوبِي
فَقَدْ بَدَتْ شمسُ عَامِي تَميلُ نَحْوَ الغُرُوبِ

لنتذكَّرْ -إخواني في الله- أننا مسؤولون أمام الله عن أعمارنا وأوقاتنا، فهلموا نحاسبْ أنفسنا، وننظرْ في كتاب أعمالنا كيف طويناه، وعن وقتنا كيف قضيناه، فإن وجدنا خيراً حمدنا الله وشكرناه، وإن وجدنا شراً تبنا إلى الله واستغفرناه. لنتذكر تقصيرنا في شكر نعم الله تعالى علينا.

عبد الله: هل تعلم أنك أمضيت في العام الماضي أكثرَ من ثلاثمائة وستين يومًا؟ أي: أكثرَ من ثمانِ ألفِ ساعة؟ وما يزيد على خمسمائة ألف دقيقة؟ فيا عبد الله، كم بربك من هذا الوقت قضيتَهُ في طاعة الله؟ وكم في معصية الله؟ وكم في لهوٍ مباح؟ ناهيك عن غير المباح!.

عبد الله: هل تعلم أنك شهقت في العام المنتهي نحوَ أحدَ عشرَ مليونَ شهقة، وزفَرْتَ مثلها؟ في كل شهقة وزفرة تأخذُ من الهواء الأوكسيجينَ النافع الذي أودعه الله فيه، وتُخرِج إليه كلَّ ضار، ولم يتوقف نَفَسُك لحظةً واحدة!.

هل تعلم أن قلبك قد نبض في العام المنصرم نحو أربعين مليونَ نبضة، بدقة متناهية، وانتظام لا مثيل له؟ فمن الذي صانه؟! ومن الذي حفظه، وهل سيستمر في النبض في هذا العام أم أنه سيتوقف فتتوقف الحياة؟ ثم هل أعددت العدة للحظة التوقف، نسأل الله حسن الختام؟.

عباد الله: كم ودَّعْنا في العام المنصرم من إخواننا وأحبابنا، وجيراننا وقرابتنا، بل ومن علمائنا وملوكنا؟! وإنا إن شاء الله بهم للاحقون، وفي الطريق سائرون، وعلى ما قدِمُوا إليه قادمون.

الدنيا أيامٌ معدودة، وأنفاسٌ محدودة، وآجالٌ مضروبة، وأعمالٌ محسوبة، وإنه لَجديرٌ بالعاقل الذي يرى ويسمعُ حوادثَ الموت، أن يفيق من سباته، وأن يستيقظ من رقاده، وأن يتدارك لحظاته، فإن الموت الذي تخطانا اليوم إلى غيرنا، سيتخطى غداً غيرنا إلينا.

تمُرَّ ساعاتُ أيامي بلا ندمٍ

ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حَزَنِ
ما أحلمَ اللهَ عني حيثُ أمْهَلَنِي وقد تمادَيْتُ في ذَنْبِي ويسْتُرُني
أنا الِّذِي أغْلَقَ الأبوابَ مجتهِدَاً على المعاصِي وعينُ اللهِ تنظُرُني
دَعْنِي أنُوحُ عَلَى نفْسِي وأندُبُها وأقطَعُ الدَّهْرَ بالتسبيحِ والحزَنِ
دعْنِي أسحُّ دُمُوعاً لا انْقَطاعَ لَها فهَلْ عَسَى عَبرةٌ منِّي تُخَلِّصُنِي

عباد الله: تعالَوا بنا نتساءل عن أحوال أمتنا خلال العام المنصرم، فلا تزال مآسي المسلمين مستمرةً في كثير من البقاع، ما هي أخبار المسجد الأقصى المبارك؟ ما هي أحوال إخواننا في العراق والشيشان وكشمير؟ مذابح رهيبة، ومجازر شنيعة، ودماء جارية، وأعراض منتهكة، مساجد هُدمت، وبيوت خُرّبت، وأموال انتُهبت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

نسأل الله ان يفرغ على إخواننا صبراً، وأن ينزل عليهم نصراً، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله مسيِّرِ الأزمان، ومدبِّرِ الأكوان، (يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَـاوتِ وَلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ) [الرحمن:29]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الكريمُ المنان، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيدُ ولد عدنان، صلّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: أيها الأحبة: ومع نهاية هذا العام، كانت نهاية الفصل الدراسي، وفي يوم غد، يتوجه كثير من أبنائنا إلى مدارسهم ليروا نتائج الامتحانات وحصائد الأعمال، بعد أن كانوا قبل أيام في قاعات الامتحان، يجلس الواحد منهم يُسأل، وحيداً فريداً لا معين له ولا مُسدد إلا الله، ثم ما بذله من جهد في الاستعداد والاستذكار.

وما أشبه هذا الموقف بيوم غد! أتدرون أي غدٍ أعني؟ إنه يوم الامتحان الأكبر الذي أمرنا الله تعالى أن نستعدَّ له ونحاسبَ أنفسنا قبل أن نحاسَب فيه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
إنه اليومُ العظيم، يومُ السؤال عن الصغير والكبير، والجليل والحقير، السائلُ رب العزة والجلال، والمسؤولُ هو أنت، ومحل السؤال كلُّ ما عملته في حياتك، من صغيرة أو كبيرة، فيا له من امتحان! ويا له من سؤال!.

روى الإمام مسلم عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّم،َ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِه، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".

عباد الله: تذكروا الامتحان العظيم في القبر، في تلك الحفرةِ المظلمة، تذكروا إِذَا وُضِعَ الواحد منا فِي قَبْرِهِ، وتولى عنه أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، وجاءه الممتحِنون، وما أدراك ما الممتحِنون؟! "مَلَكَانِ يُقْعِدَانه فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ"،ِ هذِه حال الفائز الناجح.

أما الراسب الخاسر، "فَيَقُول: لَا أَدْرِي! كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَال: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْن".

تذكر -يا عبد الله- السؤال العظيم، عندما يدنيك الله يوم القيامة ويسألك وهو أعلم: "تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟".

وإذا رأيت توزيع الشهادات على الطلاب، فتذكر يا عبد الله ذلك اليوم العظيم الذي توزع فيه صحائف الأعمال، فآخِذٌ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بالشمال .

فاتقوا الله عباد الله، ولْيكُن لكم من مُرور الأيام وتصرُّم الأعوام حسنُ الاعتبار، واعلموا أن الأوقات خزائن، فلينظر كل امرئ ماذا يضع في خزائنه، وما تضعون اليوم في خزائنكم سترونه في يومٍ تشخص فيه الأبصار، يوم يقوم الناس لِرَبِّ العالمين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...