البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

إن الذين أجرموا كانوا

العربية

المؤلف حمزة بن فايع آل فتحي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. خطر السخرية من الصالحين .
  2. السخرية من الصالحين ديدن الكفار .
  3. تحذير المؤمنين من هذا الفعل المشين.
  4. الواجب على أهل الاستقامة. .

اقتباس

خذوا الحذر، واسألوا الله الهداية، ولا تكونوا مطيةً لأعداء الإسلام، ومن وُفق لسنةٍ صحيحة, ومنهج سليم؛ فالواجبُ تشجيعُه، وليس كرهه وتحطيمه، والنيل من شرع الله وأحكامه, قال الإمام النووي -رحمه الله-: "والأفعال الموجبة للكفر, هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين الصريح"...

الخطبة الأولى:

‏الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين, وخالق الخلق أجمعين، نحمده على آلائه، ونشكره على فضله وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, ونشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، اتقوا الله وراقبوه, واتقوه بفعل أوامره, واجتناب نواهيه؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2، 3].

إخوةَ الإسلام: في غزوة تبوك ولحظات الحرب والسفر والمتاعب، يتكلم بعضُ الناس في الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فيقول: "ما رأينا مثلَ قرائنا هؤلاء؛ أرغبَ بطونًا، ولا أكذب السنة، ولا أجبنَ عند اللقاء", فيُخبر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ويتنزل القرآن بها؛ فيرد على أولئك: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 65، 66]؛ فكفرهم الله بتلك السخرية!.

نعم السخرية خطيرة, والاستهزاء بأهل الإيمان ودينهم أمر شنيع وعظيم، ينزلق بصاحبه لمزالق الكفار, ومن أشد ما يؤلم المؤمن في تدينه والمستقيم في استقامته، سخرية الآخرين من دينه، وسمته وهيئته؛ كما وصفهم القرآن في غير ما موضع: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ)[المطففين: 29 - 32], وهذه حقيقة واقعة منذ القدم، ويعاني المتدينُ منها كثيرا؛ لما يشاهده من الغمز واللمز، وتمالئ الجهلة عليه.

أدينيَ مرمىً للسهام وإنني

على سنة المختار أقفو وأعملُ

زمانٌ عجيبٌ يملأ القلب حيرةً

فيا ربِّ ثبّتنا ولا نتململُ

وبعض هؤلاء المجرمين يخصصون وسائل إعلامية وإلكترونية للسخرية من المتدينين, والتقليل من أهميتهم، وأنهم سبب النكبات, ومعوقو التنمية!, وقصدهم الإسلام والسنة؛ (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)[الكهف: 5].

وقد قال قوم نوح له: (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ)[الشعراء: 111], وفي العهد النبوي كم سخر المشركون, وتهكم المنافقون من الدعوة وحاملها وصحابته! ومع ذلك ثبت الأخيار على دينهم, ونافحوا بكل ما أوتوا من قوة.

وفي هذه الأيام ستسمعون الوقيعة في اللحية, وفي الثوب القصير, وفي السواك, وفي بعض أحكام الإسلام, ولا ريب أن شناعتها وشدة وقعها على أهل الإيمان ثقيل، ولكنهم يحتملون ويصبرون، فمن كان ذَا علمٍ رُدَّ عليه بعلم وحجة، ومن كان سفيها فلا ينزلون له منازل السفهاء؛ كما قال الله: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان: 63].

وإنما يفعل ذلك أهل الباطل لقلة حيلتهم, وتضايقهم من المؤمنين, وخوفهم من ظهور الحق، وانتشار الشعائر, وذهاب مكانتهم من الناس, والسخرية والاستهزاء إنما هي حيلة العاجز, من لا يملك عقلًا ولا علمًا ولا رسالة.

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)[المطففين: 29]؛ أي: ديدنُهم الضحك والاستهزاء؛ كما كان يصنع رؤساء قريش مع ضعفاء أهل الإيمان, (وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)[المطففين: 30]؛ أي: محتقرين لهم, (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ)[المطففين: 31]؛ أي: معجبين بذلك الصنع السخيف, وذلك العمل المجانب للعدل والمروءة.

وكأن هؤلاء المجرمين وأذنابَهم من المنافقين، ليس لهم شغلٌ إلا الاستهزاء بالأخيار، والوقيعة فيهم معجبين بذلك العمل, ومفتخرين بنقدهم والطعن فيهم، وأشنع من ذلك، أن يعتقدوا أنهم على الحق, وأولئك ضالون ليسوا على الجادة؛ (وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ)[المطففين: 32]؛ أي: بسبب اتباعهم الحق، وتركهم باطل قومهم، ولياذهم بالكتاب والسنة, (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)[المطففين: 33]؛ أي: ليسوا موكلين بهم، ومراقبة أعمالهم في كل شيء, (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)[المدثر: 38], (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[الأنعام: 164].

وإذا تعاظم السخف والاستهزاء, كان ذلك اختبارًا لإيمان المؤمن، واختبارًا لثباته، واختبارًا لحُسن خلقه, (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)[يونس: 81].

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها, أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

‏الحمد لله وكفى، وسلاما على عباده الذين اصطفى، وعلى نبينا محمد خير رسول مقتفى، وعلى آله وصحبه أربابِ المجد والوفا, أما بعد:

أيها الإخوة الفضلاء: من المؤسف أن السخرية والاستهزاء لم تعد من قبَل الكفار والملاحدة، بل باتت من بعض المسلمين؛ يفعلها تقليدا، أو نفاقا، أو ضحكا، أو تقليلا لمنائر الحق, ويعتقد أن الإسلام جسم بلا روح، أو أن الصلاة والصيام والحج كافيةٌ للتدين المنضبط، ولا يبالي بمحرمات أخرى، وبواجباتٍ غيرها؛ كاجتناب الكبائر, والوفاء بالعهد, وأداء الأمانات، والمال الحلال الطيب!.

ولذلك نقول لإخواننا هؤلاء: خذوا الحذر، واسألوا الله الهداية، ولا تكونوا مطيةً لأعداء الإسلام، ومن وُفق لسنةٍ صحيحة, ومنهج سليم؛ فالواجبُ تشجيعُه، وليس كرهه وتحطيمه، والنيل من شرع الله وأحكامه, قال الإمام النووي -رحمه الله-: "والأفعال الموجبة للكفر, هي التي تصدر عن عمد واستهزاء بالدين الصريح".

والواجب على الشباب المستقيم والصغار، وكل مسلم ابتُلي بشيء من ذلك:

فأولا: الصبر على الأذى, (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)[الأحقاف: 35], (مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ)[فصلت: 43], وصفوا بنقائص عصرهم فصبروا وُتحملوا.

ثانيا: الثبات على الحق والاعتزاز به, واللهج دائما للمولى الكريم بالتثبيت؛ (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ)[الكهف: 14].

ثالثا: المحافظة على ما أنت عليه من الخير والسنن والفضائل.

رابعاً: التباعد عن مجالس هؤلاء، بعد الإنكار عليهم, وتحذيرهم غضبَ الله -تعالى-.

خامساً: تذكير الناس والآخرين بالخير المحمول, والذكر المحمود، قبل أن يفتنهم أولئك.

سادسًا: تذكر حُسن العاقبة, والفرح الكبير في جنات النعيم؛ (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ)[المطففين: 34، 35].

وصلوا وسلموا -يا مسلمون- على المعلم الصبور, والنبي الوقور، نبينا محمد, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.