الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
خلق الله تعالى النيِّريْنِ: الشَّمْسَ والقَمَرَ، وسخَّرَهُمَا لِلعِبادِ، وجعل فيهما مِنَ المَنافِعِ والمصالح لأهل الأرض، ومَنْ عليها ما لا يقدر قدره إلا الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وبُرْهانانِ كبيرانِ على قُدْرَةِ الخالِق سبحانه، وعلى عظيم إفضاله وإنعامه على عباده...
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسـوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد: فإنَّ أحسن الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور مُحْدثاتها، وكُلَّ مُحْدَثةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار.
أيُّها النَّاسُ: خلق الله تعالى النيِّريْنِ: الشَّمْسَ والقَمَرَ، وسخَّرَهُمَا لِلعِبادِ، وجعل فيهما مِنَ المَنافِعِ والمصالح لأهل الأرض، ومَنْ عليها ما لا يقدر قدره إلا الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: 5].
آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ، وبُرْهانانِ كبيرانِ على قُدْرَةِ الخالِق سبحانه، وعلى عظيم إفضاله وإنعامه على عباده: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء: 33]، (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) [الفرقان: 61].
إنَّهُما بِأَمْرِ الله تَعالَى وتقديرِه كانا سَبَبَ اللَّيْلِ والنَّهار، والنور والظلام، وانتظام الحياة، وعمارة الأرض، وفي اختلالهما اختلال الحياة، وفساد النظام، وذلك يكون حين يأذن الله تعالى بانتهاء الحياة الدنيا وبدء الحياة الآخرة، حينها تكور الشمس، ويخسف القمر: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [التَّكوير:1]، وقال سبحانه: (وَخَسَفَ القَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالقَمَرُ) [القيامة: 8–9].
وفي الحياة الدنيا، يحصل كسوف الشمس وخسوف القمر؛ تخويفًا للعباد وتذكيرًا، حتى يؤبوا إلى الله تعالى ويتوبوا، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إن الشمس والقمر لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ مِنَ النَّاس؛ ولكنَّهُما آيَتَانِ من آيات الله، فإذا رأيتُمُوهُما فَقُوموا فصلُّوا". متفق عليه.
فحصول الكسوف والخسوف فيه تخويف للعباد، وتذكير لهم في حال غفلتهم، والأمم السالفة عُذِّبَتْ بأنواع من العذاب الذي أرسل عليهم من السماء؛ كالغرق والريح والصيحة ونحوها، والعالم يسير بانتظام، فالشمس لها وقت شروق ووقت غروب لا تتخلف عنه، ويصدر منها إشعاع ينفع الأرض ومن عليها، والقمر له منازل مقدرة في بداية الشهر وانتصافه ونهايته، لا يتخلف عن شيء منها، وله نور جميل عند اكتماله في منتصف الشهر؛ فإذا ما ذهب إشعاع الشمس، ونور القمر أو بعضهما؛ كان هذا علامة على اختلال انتظامهما المعتاد، فيخاف العباد أن يكون ذلك بداية عذاب، وهذا من تخويف الله تعالى للعباد بهذين النيرين.
وما في الشمس والقمر من المنافع العظيمة يجعل أهل الأرض محتاجين إليهما، فلما يختل نظامهما؛ فتكسف الشمس أو يخسف القمر، يخاف العباد من ذهاب ما ينتفعون به من نورهما.
ومن التخويف بالكسوف والخسوف أيضًا: أن اختلالَ النَّيِّرَيْنِ بِالكُسُوفِ والخُسُوفِ مُذَكِّر بيوم القيامة، وما يجري فيه من اختلالهما، وذهاب نورهما؛ إيذانًا بانتهاء العالم الدنيوي؛ فيخاف العباد عند حدوث ذلك من نهاية الدنيا، أو يتذكرون يوم القيامة فيُحْدِثُ الكسوفُ والخسوفُ خوفًا منه.
قال الخطَّابي -رحمه الله تعالى-: "كانوا في الجاهلية يعتقدون أن الكسوف يوجب حدوث تغيُّرٍ في الأرض من موت أو ضرر، فأَعْلَمَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتقادٌ باطل، وأن الشمس والقمر خَلْقان مُسَخَّرانِ لله -تعالى-، ليس لهما سلطانٌ في غيرهما، ولا قدرةٌ على الدفع عن أنفسهما".
إذًا فالنيران ينكسفان تخويفًا للعباد، والتخويف إنما يكون بوجود سبب الخوف، فعُلم أن كسوفهما قد يكون سببًا لأمر مخوف، والله تعالى يخوف عبادَهُ بآياته: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، فعلم أن هذه الآيات السماوية قد تكون سبب عذاب؛ ولهذا شرع للنبي -صلى الله عليه وسلم- عند وجود سبب الخوف ما يدفعه من الأعمال الصالحة.
وليس ذلك يمنع معرِفَةَ وَقْتِ حُدوثِ الكُسوفِ من قِبَلِ أَهْلِ الهَيْئَةِ والفَلَكِ بما يعملونه من حساباتٍ، يُعرف بِها وقت حدوثه ومدته، ووقت انجلائه، وهذا ما قرَّرَهُ شَيْخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَّة -رحمه الله تعالى- بقوله: "فإذا كان الكسوف له أجلٌ مُسَمًّى لم ينافِ ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله تعالى سببًا لما يقتضيه من عذابٍ وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن يُنْزِلُ الله به ذلك، كما أنَّ تعذيبَ الله تعالى لِمَنْ عذَّبَهُ بِالريح الشديدة الباردة -كَقَوْمِ عادٍ- كانتْ في الوَقْتِ المُناسِبِ، وهو آخر الشتاء".
وقال ابن دقيق العيد: "ربما يعتقد بعضهم أن الذي يذكره أهل الحساب ينافي قوله: (يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ) [ الزمر: 16]، وليس بشيء؛ لأن لله تعالى أفعالاً على حسب العادة، وأفعالاً خارجة عن ذلك، وقدرته حاكمة على كل سبب، فله أن يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسببات بعضها من بعض، وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله تعالى لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة، وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريب حدث عندهم الخوف؛ لقوة ذلك الاعتقاد، وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقها، وحاصله أن الذي يذكره أهل الحساب حقًّا في نفس الأمر، لا ينافي كون ذلك مخوفًا لعباد الله تعالى".
وعليه فإن معرفة وقت الكسوف والخسوف ليس من الغيب؛ بل يُدرك بالحساب، "وكما أن العادة التي أجراها الله تعالى: أن الهِلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر أو ليلة إحدى وثلاثين، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، وللشمس والقمر ليالي معتادة من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أنَّ من علم كم مضى من الشهر يعلم أنَّ الهلال لا يطلع في الليلة الفُلانية أو التي قبلها، لكن العلم بالعادة في الهِلال علم عامٌّ يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف، فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب.
وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه فلا يجوز أن يصدق إلا أن يُعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه... والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنًا لكن المخبر قد يكون عالمًا بذلك وقد لا يكون، وقد يكون ثقة في خبره وقد لا يكون... ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علمٌ شرعي؛ فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تُصَلَّى إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوَّز الإنسانُ صِدْقَ المخبر بذلك، أو غلب على ظنه فنوى أن يُصَلِّيَ الكسوف والخُسوف عند ذلك، واستعدَّ ذلك الوقتَ لِرُؤْيَةِ ذلك كان هذا حثًّا من بابِ المُسَارَعَةِ إلى طاعة الله تعالى وعبادَتِه؛ فإنَّ الصلاةَ عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السُّنَنُ عنِ النبي -صلى الله عليه وسلم-" اهـ. مُلَخَّصًا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.
ومما يلاحظ -أيها الإخوة- أن العلم بوقت حدوث الكسوف والخسوف هوَّن وقعه على النفوس، حتى صار أكثر الناس يَشْتَغِلُ بالفرجة على الكسوف، ووقت بدايته وانجلائه عن الخوف من الله تعالى، والفزع إلى الصلاة والذكر، والدعاء والاستغفار، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لما كسفت الشمس خاف، وفزع إلى الله تعالى بالصلاة.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: انخسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقام قيامًا طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلّت الشمس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله"، قالوا: يا رسول الله: رأيناك تناولت شيئًا من مقامك، ثم رأيناك كعكعت، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إني رأيت الجنة فتناولت عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع...". متفق عليه.
وفي حديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- جعل يبكي في سجوده وينفخ ويقول: "رب لم تعدني هذا وأنا أستغفرك، لم تعدني هذا وأنا فيهم".
ألا فاتقوا الله ربكم: واعتبروا بالآيات والنذر، واحذروا الذنوب والغفلة، وإذا رأيتم آيات الله تعالى في الشمس والقمر بالكسوف والخسوف، فاهرعوا إلى الصلاة، وأكثروا الدعاء والاستغفار.
أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآَيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآَيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- بفعل ما أمر، واجتنبوا الفواحش ما بطن منها وما ظهر، واعلموا أن الله مع المتقين.
أيها الناس: ظاهرة كسوف الشمس وخسوف القمر -وإن كانت ظاهرة فَلَكِيَّة تعرف بالحساب في وقت الابتداء والانجلاء- إلا أنه يجب أن لا يكون العلم بها سببًا لذهاب هيبتها من النفوس؛ بل الواجِبُ على المسلم أن يخاف من كل تغيُّر في الظواهر الفَلَكِيَّة، خشية أن يكون عذابًا؛ كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل.
فقد ذكرت عائشة -رضي الله عنها- أنه -عليه الصلاة والسلام-: كان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف في وجهه، قالت: يا رسول الله: الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيتَهُ عُرِفَ في وَجْهِكَ الكَرَاهِيَةُ، فقال: "يا عائشة: ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟! عُذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [الأحقاف: 24]". رواه الشيخان.
وقد جاء في أحاديثَ كثيرةٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمر بالفزع إلى الصلاة، وذكر الله تعالى، ودعائه واستغفاره، وذلك عند رؤية الكسوف أو الخسوف.
كما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة". متفق عليه.
وفي رواية: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا"، ثم قال: "يا أمة محمد: والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا".
قال الطيبي: "لما أُمروا باستدفاع البلاء بالذكر والدعاء والصلاة والصدقة ناسب ردعهم عن المعاصي، التي هي من أسباب جلب البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها في ذلك".
وإذا انتهى المصلون من صلاة الكسوف ولما ينجلِ بعد فعليهم بذكر الله تعالى حتَّى ينجليَ؛ لما رَوَتْ عائشة -رضي الله عنها- عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فإذا رأيتم كسوفًا فاذكروا الله حتى ينجليا". رواه مسلم.
ولم يأمر -عليه الصلاة والسلام- بالانشغال برصد هذه الظاهرة، ومشاهدتها، ومتابعة بدء الكسوف وانجلائه عن الصلاة والذكر والاستغفار؛ كما هو واقع كثير من الناس الذين حولوا آيات التخويف وأمارات العذاب إلى ما يشبه مواسم الفرح والعيد والفُرْجَة.
فالواجب على المسلمين أن يهرعوا عند الكسوف إلى الصلاة، ويكثروا من الاستغفار والصدقة والذكر حتى ينجلي، ولا يكون شأنهم شأن ضُلال أهل الأرض من الكفار ومن تبعهم في طريقتهم؛ إذ يشتغلون عن ذلك بما لا يدفع عذابًا، ولا يجلب رحمة، نسأل الله الهداية والعافية.
ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله؛ كما أمركم ربكم بذلك.