البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الإيمان بأسماء الله وصفاته وآثارها الإيمانية

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - الإيمان بالله
عناصر الخطبة
  1. حقيقة الإيمان بأسماء الله وصفاته .
  2. مكانة معرفة أسماء الله وصفاته .
  3. الآثار الإيمانية لمعرفة أسماء الله وصفاته .

اقتباس

إن معرفة أسماء الله وصفاته وإدراك حقيقتها يربي نفس المسلم على التواضع والانكسار لله -سبحانه وتعالى-؛ فإذا عرفت عزته -تعالى- فاعرف ذلتك، وإذا عرفت قوته فاعرف ضعفك، وإذا عرفت ملكوته..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المؤمنون: خلق الله الخلق ليعرفوه بأسمائه وصفاته ويعبدوه بما شرع، وهذه هي الغاية المطلوبة منهم في هذه الحياة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "مفتاح دعوة الرسل، وزبدة رسالتهم، معرفة المعبود بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها"؛ فالاشتغال بمعرفة الله اشتغال بما خُلق له العبد، وتضييعه إهمال لما خلق له، وليس معنى الإيمان هو التلفظ به فقط دون معرفة الله؛ لأن حقيقة الإيمان بالله أن يعرف العبد ربه الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة الله بأسمائه وصفاته، وبحسب معرفته بربه يزداد إيمانه، قال الله -تعالى-: (اللَّهُ لَا إله إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه:8]، وقال سبحانه: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرحمن أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الإسراء:110].

والإيمان بأسماء الله وصفاته يعني: أن نسمي الله ونصفه بأسمائه وصفاته التي وردت في كتاب ربنا -عز وجل-، وسنة نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ من دون أن نحرف الكلمَ عن مواضعه، ولا نلحد في أسمائه وصفاته، بل نثبت كل ما ثبت لله -تعالى- من ذلك؛ من غير تمثيل ولا تكييف، ولا تعطيل ولا تحريف، وقاعدتنا في ذلك قول الله -تبارك وتعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11]، وقوله: (وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف:180].

والواجب علينا ألا نحدد كيفية صفات الله -جلَّ وعلا-؛ لأنَّه -سبحانه وتعالى- لم يخبر عن كيفية صفاته، ولأنَّه لا أحد أعلم بالله -تبارك وتعالى- من نفسه، قال -تعالى-: (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ)[البقرة:140]، وقال -تعالى-: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل:74]، كما أنه لا أحد أعلم بالله من رسوله -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال -جل وعلا- عنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:4].

أيها الموحدون: إن لمعرفة أسماء الله وصفاته مكانة عظيمة وأهمية جليلة، ومما يبين مكانة وأهمية معرفة الأسماء والصفات أنها تحقق عبودية عظيمة؛ ألا وهي تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص، ووصفه بصفات الكمال، ومن ذلك: أنَّ العلم بها من أجل العلوم وأشرفها إطلاقاً، وذلك لأنَّ شرف أي علم يقاس بشرف المعلوم، والمعلوم هنا هو الله -سبحانه وتعالى-، وأسمائه وصفاته؛ فإشغال النفس بفهم هذا العلم، والبحث عنه هو اشتغال بمطلب هو أعلى المطالب، وتحصيله للعبد هو من أشرف المواهب، ولذلك وضحه رسولنا -صلى الله عليه وسلم- غاية التوضيح، ولشدة اهتمامه -عليه الصلاة والسلام- ببيانه وتوضيحه لم يختلف فيه صحابته -رضوان الله عليهم- كما اختلفوا في فروع الأحكام.

عباد الله: إن للتعبد بالأسماء والصفات آثاراً إيمانية كثيرة على قلب العبد وعمله؛ فمن هذه الآثار الإيمانية:

أن إدراك معاني الأسماء والصفات على التحقيق يحمل العبد على الإخلاص وإفراد الله بالقصد، والابتعاد عن صرف شيء من العبادة لغيره -تعالى-، ولذا كان من أعظم ما يخلص العبد من دنس الرياء ملاحظة أسماء الله وصفاته؛ فمن تأمل في اسم الله الغني دفعه ذلك إلى الإخلاص؛ لغنى الله -تعالى- عن عمله وفقره هو إلى الله -عز وجل-، قال الله -تبارك وتعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"(رواه مسلم)

ومن ذلك: أن معرفة أسماء الله وصفاته وإدراك حقيقة معناها يربي نفس المسلم على التواضع والانكسار لله -سبحانه وتعالى-؛ فإذا عرفت عزته -تعالى- عرفت ذُلَّك، وإذا عرفت قوته عرفت ضعفك، وإذا عرفت ملكوته عرفت فقرك، وإذا عرفت كماله عرفت نقصك، وإذا عرفت كمال أوصافه وجمال أسمائه عرفت كمال فقرك وافتقارك وذُلَّك وصغارك؛ فما أنت إلا عبد وقد أمرك أن تدعوه بأسمائه، قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأعراف:180]

ومن ذلك: أن في تدبر معاني أسماء الله -عز وجل- وصفاته أكبر عون على تدبر كتاب الله؛ حيث أمرنا الله -تعالى- بتدبر القرآن في قوله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[ص:29].

وقد ذكر الله -عز وجل- في كتابه الكثير من أسمائه وصفاته؛ ليتعرف العبد إلى هذا الإله العظيم والرب القدير، فيقوم بواجباته تجاهه فتحصل له خيرية الدنيا والآخرة.

عباد الله: ومن هذه الآثار الإيمانية: أنَّ العلم بأسماء الله وصفاته سبب عظيم من الأسباب التي تزيد الإيمان في القلب وتقويه؛ وذلك لما تورثه في القلوب من المحبة والخوف والرجاء والإخبات والإنابة وتعظيم ا لله -عز وجل- وتقديره حق قدره، وتكسبه الثقة وحسن الظن بخالقه، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج:73-74] .

قال العز بن عبد السلام: "اعلم أن معرفة الذات والصفات مثمرة لجميع الخيرات العاجلة والآجلة، ومعرفة كل صفة من الصفات تثمر حالا علية، وأقوالا سنية، وأفعالا رضية، ومراتب دنيوية، ودرجات أخروية؛ فمثلُ معرفة الذات والصفات؛ كشجرة طيبة أ صلها -وهو معرفة الذات- ثابت بالحجة والبرهان، وفرعها -وهو معرفة الصفات- في السماء مجدا وشرفا تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ من الأحوال والأقوال والأعمال بِإِذْنِ رَبِّهَا وهو خالقها إذ لا يحصل شيء من ثمارها إلا بإذنه وتوفيقه، منبت هذه الشجرة القلب الذي إن صلح بالمعرفة والأحوال صلح الجسد كله".

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما

سمعتم وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، أما بعد:

عباد الله: ومن الآثار الإيمانية لمعرفة الله بأسمائه وصفاته: أنها تزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه؛ فالأدب مع الله -عز وجل- هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا.

ومنها: الرِّضا من ثمرات المعرفةِ بالله؛ فمَن عرف اللهَ بعدله وحلمِه وحكمته ولطفِه أثمر ذلك في قلبه الرِّضا بحكم الله وقدَرِه في شرعه وكونه؛ فلا يعترض على أمره ونهيه ولا على قضائه وقدَرِه، بل تراه: قد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعضَ طعمها الرَّاضي، أمَّا العارِف فتقلُّ عنده المرارات لقوَّة حلاوة المعرفة، فإذا ترقَّى بالمعرفة إلى المحبَّة صارت مرارة الأقدار حلاوةً.

ومنها: قوة الرجاء في الله -سبحانه- وعدم اليأس من رحمته، والتضرع بين يديه؛ فمن صفاته القرب والنصرة والرحمة والعفو والمجيب لمن ناجاه و لمن دعاه، وهذا يثمر الأمل والرَّوح في القلب، قال -تعالى-: (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فاطر:14]؛ فالمجيب في كل الأحوال والظروف، ومن بيده الملك والملكوت هو الله -سبحانه وتعالى-.

فتدبروا -رحمكم الله- أسماء الله وصفاته كما أراد سبحانه، واملأوا قلوبكم إخلاصاً وحباً وتعظيماً لله -سبحانه وتعالى- المتفرد بالبقاء والعظمة والكبرياء، الغني بذاته عن جميع مخلوقاته؛ فكل شيء مفتقر إليه وهو الغني على الدوام.

ألا صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].