البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

شيء من الفتن

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أركان الإيمان - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. التحذير من الفتن .
  2. بعض مفاسد الفتن .
  3. كثرة الفتن في العصر الحديث وبعض صورها والرد عليها .
  4. الحذر من التساهل بالفتن .

اقتباس

إنها فتن مظلمة لا نور فيها كقطع الليل المظلم، تؤثر في عقيدة المسلم، بين عشية وضحاها يصبح مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ وذلك؛ لأنها فتن قوية ترد على إيمان ضعيف أضعفته المعاصي، وأنهكته الشهوات، فلا يجد مقاومة لتلك الفتن، ولا مدافعة، فـ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وأنيبوا إليه، واثبتوا على دينه، واستقيموا إليه، فإن دين الله دين الحق ووسيلة الصلاح في الدنيا والآخرة، واحذروا الزيغ والضلال عنه، فإن في ذلك الفساد والشقاوة في الدنيا والآخرة، واحذروا الفتن، احذروا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

إن الفتن كل ما يصد عن دين الله من مال أو أهل أو ولد أو عمل: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[التغابن: 15 – 16].

اتقوا فتنة ينتشر شرها وفسادها إلى الصالحين كما أصاب الظالمين: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

احذروا فتنة العقيدة الباطلة، والآراء المنحرفة، والأخلاق السافلة، واحذروا كل فتنة في القول أو في الفعل، فإن الفتن أوبئة فتاكة، سريعة الانتشار إلى القلوب، والأعمال إلى الجماعة والأفراد، فتصيب الصالح والطالح في آثارها وعقوباتها.

فلقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته مـن الفتن، فقـال: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا" [مسلم (118)، الترمذي (2195) أحمد (2/304)].

إنها فتن مظلمة لا نور فيها كقطع الليل المظلم، تؤثر في عقيدة المسلم، بين عشية وضحاها يصبح مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا؛ وذلك؛ لأنها فتن قوية ترد على إيمان ضعيف أضعفته المعاصي، وأنهكته الشهوات، فلا يجد مقاومة لتلك الفتن، ولا مدافعة، فتفتك به فتكا، وتمزقه كما يمزق السهم رميته.

أيها الناس: إننا في هذا العصر، بما فتح علينا من الدنيا، فتداعت علينا الأمم من أجلها، فاختلطوا بنا.

إننا بهذا الفتح الدنيوي لعلى مفترق طرق، وفي دور تحول، نرجو ألا يكون تحورا، فعلى دينكم -أيها المؤمنون- فاثبتوا، ولطريق نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، وسلفكم الصالح -رضي الله عنهم-، فاسلكوا.

يقول ربكم -تبارك وتعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].

فهذه -عباد الله- وصية الله -تعالى- إليكم: أن تتبعوا صراطه المستقيم، وأن لا تتبعوا سبيلا يخالفه، فتفرق بكم الطرق عن سبيله، وتجترفكم الأهواء.

أيها الناس: إن نسمع ونشاهد في كل وقت فتنا تترى علينا بدون فتور أو ضعف؛ لأنها -وللأسف - تجد مكانا متسعا، ومربعا مرتعا، فتنا توجب الإعراض عن كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن العلم بهما والعمل.

فتنا تتوارد لا أقول من هناك فحسب، ولكن من هناك ومن ههنا من أعدائنا ومن بني جلدتنا.

نسمع "مثلا" من يدعو إلى اختلاط النساء بالرجال، وإلغاء الفوارق بينهم، إما بصريح القول، أو بالتخطيط الماكر البعيد، والعمل من وراء الستار، وكأن هذا الداعي يتجاهل، أو يجهل أن دعوته، هذه خلاف الفطرة والجبلة التي خلق الله عليها الذكر والأنثى، وفارق بينهما خلقة وخلقا، كأن هذا الداعي يتجاهل أو يجهل أن هذا خلاف ما يهدف إليه الشرع من بناء الأخلاق الفاضلة، والبعد عن الرذيلة، فلقد شرع النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يوجب بعد المرأة عن الاختلاط بالرجل، فكان يعزل النساء عن الرجال في الصلاة، ويقول: "خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"

لماذا؟ لماذا يكون شر صفوف النساء أولها أقرب إلى الرجال من آخرها، فكان شرها وآخرها أبعد عن الرجال من أولها فكان خيرها؟

إذن، فكلما ابتعدت المرأة عن الاختلاط بالرجال فهو خير، وكلما قربت من ذلك فهو شر.

كأن هذا الداعي إلى اختلاط النساء بالرجال يتجاهل، أو يجهل ما حصل لأمة الاختلاط من الويلات والفساد، وانحطاط الأخلاق، وانتشار الزنا، وكثرة أولاد الزنا، حتى أصبحوا يتمنون الخلاص من هذه المفاسد، فلا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.

ونسمع من يدعو إلى سفور المرأة وتبرجها، وإبراز وجهها ومحاسنها، وخلع جلباب الحياء عنها، يحاول أن تخرج المرأة سافرة بدون حياء.

وكأن هذا الداعي يجهل أو يتجاهل أن الحياء من جبلة المرأة التي خلقت عليها، وأن الحياء من دينها الذي خلقت له، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء من الإيمان"[البخاري (24) مسلم (36) الترمذي (2615) النسائي (5033) أبو داود (4795) أحمد (2/147) مالك (1679)].

وقال: "مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت"[البخاري(5769) أبو داود (4797) ابن ماجة (4183) أحمد (5/273)].

كأن هذا الداعي إلى السفور يجهل أو يتجاهل ما يفضي إليه من الشر والفساد، واتباع النساء الجميلات، ومحاولة غير الجميلة أن تجمل نفسها لئلا تبدو قبيحة، مع من يمشي من الجميلات في السوق، فيبقي مجتمع النساء الإسلامي معرض أزياء.

ومن عجب أني قرأت لكاتب من دعاة السفور كلاما ساق فيه حديثا ضعيفا، قال فيه: إنه حديث صحيح متفق على صحته، وهذا الحديث رواه أبو داود: أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: "دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقـاق فأعرض عنها، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منهـا إلا هذا، وهذا وأشـار إلى وجهه وكفيه"[أبو داود (4104)].

لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأنه غير متصل السند، ولا موثوق بجميع رواته.

ونسمع من الفتن ما يروجه أعداء الإسلام من الدعاية الكاذبة العارمة لتفخيمهم، وترويج بضاعة مدنيتهم الزائفة، وحضارتهم المنهارة، يروجون ذلك باسم التقدم والرقي والتطور والتثقيف العالمي، وما أشبه ذلك من العبارات الفخمة الجزلة التي تنبهر بها عقول كثير من الناس، فيصدقون بما يقال، ثم يلهثون وراء هؤلاء الأعداء المروجين بالتقليد الأعمى، والتبعية غير المعقولة، بدون تأمل أو نظر في الفوارق والعواقب: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[القلم: 35 - 36].

فرويدك -أيها المخدوع- رويدك.

إن كل شيء نافع في حضارة هؤلاء الذين أغرتك دعايتهم وغرتك إن كل نافع فيها إن قدر، ففي الدين الإسلامي ما هو خير منه وأنفع، وأضبط للمجتمع وأجمع، فارجع إلى كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وسيرة خلفائه، وسلف الأمة لترى فيها كل خير نافع للعالم في معاشهم ومعادهم، في حاضرهم ومستقبلهم: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50].

ارجع إلى ذلك لترى ما يحاول هؤلاء الأعداء بكل قواهم أن يصدوك عنه؛ لأنهم يعلمون أنك لو طبقته تماما لملكت عواصم بلادهم: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة: 21].

أيها المسلمون: أيها المؤمنون إن أعداءنا ليهونون هذه الفتن في نفوسنا، فيجلبونها إلينا بعد أن أفسدتهم ليفسدونا بها كما فسدوا: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء)[النساء: 89].

وما زال الناس في عصرنا هذا يشاهدون ويسمعون كل وقت مظهرا جديدا من مظاهر الفتن كل فتنة يستنكرها الناس ويشمئزون، حتى إذا لانت نفوس بعضهم إليها جاءت فتنة أخرى أعظم منها.

وإن السعيد لمن وقي الفتن ومن ابتلي بها فليصبر على دينه، وليثبت عليه.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة فلتأته منيته، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه"[مسلم (1844) النسائي (4191) ابن ماجة (3956) أحمد (2/191)].

فاتقوا الله -عباد الله- ولا تنخدعوا بهذه الفتن، ولا بكثرة الداعين إليها، فإن الهدى هدى الله، ودين الله لا يتغير بتغير الزمن، والباطل لا ينقلب حقا بكثرة الداعين إليه، والعاملين به.

اللهم أصلح لنا ديننا ... إلخ ...