البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

تكريم الإسلام للمرأة ورعايته لحقوقها

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الإيمان بالله
عناصر الخطبة
  1. المرأة بين ظلم الجاهلية لها ورعاية الإسلام لحقوقها .
  2. مقارنة بين المرأة في بلاد الإسلام وبلاد الغرب .

اقتباس

أكرمَها الإسلامُ أُختاً وبنتاً، بل جعلَ الجنَّةَ لمن أحسنَ إليهِنَّ؛ كما قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لاَ يَكُونُ لأَحَدٍ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، أو ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أو أُخْتَانِ؛ فيتقي الله فِيهِنَّ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إلا دخل الْجَنَّةَ"؛ فهي الأختُ...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المسلمون: وقفَ النبي -صلى اللهُ عليه وسلمَ- في حجَّةِ الوداعِ أمامَ أكثرِ من مائةِ ألفٍ من العَربِ في أعظمِ وأكبرِ اجتماعٍ للنَّاسِ في زمانِه؛ فخطبَهم ووعظَّهم موعظةَ مُودِّعٍ، وكان مما قالَ فيها: "فَاتَّقُوا اللهِ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللّهِ، أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ؛ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ؛ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ".

هكذا خاطبَ النَّبيُّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- قوماً كانوا لا يعتبرونَ المرأةَ شيئاً؛ كما قَالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ -رضيَ اللهُ عنه-: "كُنَّا فِي الجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا؛ فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ، رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا".

لقد كانتْ المرأةُ في الجاهليةِ متاعاً من المَتاعِ يتصرَّفونَ فيها كيفَ شاؤوا، ولم تكنْ المرأةُ تَرثُ بل كانتْ تُورثُ، ولم يكن لطلاقِها عددٌ محدودٌ، وكانتْ عِدَّتَها حولاً كاملاً في أسوأِ حالٍ، وكانَ أحدُهم إذا بُشِّرَ بالأنثى أصابَه الهَمُّ العظيمُ، كما وصفَ اللهُ -سبحانَه- حالَهم بقولِه: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)[النحل: 58-59]، بل كانَ البعضُ يَدفنُ ابنتَه في التُّرابِ خشيةَ العارِ؛ كما قالَ -تعالى-: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8- 9].

وأما في الأديانِ الوثنيةِ والمُحرَّفةِ فلم يكنْ وضعُها بأحسنَ من هذا، بل الذِّلُ والعبوديةُ والهوانُ، ثُمَّ جاءَ الإسلامُ ليُكرِّمَ المرأةَ مخلوقاً وإنساناً وأُنثىً وأمَّاً وأُختاً وبِنتاً وزوجةً؛ فتُسمى سورةً من السَّبعِ الطِّوالِ بسورةِ (النِّساءِ) فيها تكريمُها وحقوقُها وأحكامُها، وتنزلُ سورةٌ كاملةٌ باسمِ امرأةٍ، ألا وهي سورةُ (مريمَ)، ثُمَّ تأتي الآياتُ لتُرسيَ الحُقوقَ الإنسانيةَ للأُنثى والتي تشتركُ بِها مع الرَّجلِ، بل قد تفوقُه أحياناً بالتَّقوى؛ كما قالَ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13].

لقد كرَّمَها الإسلامُ أمَّاً؛ فقرنَ اللهُ -تعالى- حقَّها بحقِّه؛ فقالَ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23]، وقَرَنَ شُكرَه بشُكرِها وشُكرِ الأبِّ؛ فقالَ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان:14]، وجعلَها النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- أحقَّ النَّاسِ بحُسنِ الصُّحبةِ والمعروفِ؛ فقد جَاءَ رَجلٌ إلى رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-؛ فقالَ: "يا رسولَ اللهِ من أحقُّ النَّاسِ بحُسنِ صَحابتي؟، قالَ: (أُمُّك)، قالَ: ثم مَنْ؟، قال: أُمُّك، قالَ: ثم مَنْ؟، قالَ: أُمُّك، قَالَ: ثم مَنْ؟، قَالَ: أَبوك"؛ فهي أمٌّ لها مقامٌ كريمٌ، وحقٌّ في البِّرِّ عظيمٌ.

وأكرمَها الإسلامُ أُختاً وبنتاً، بل جعلَ الجنَّةَ لمن أحسنَ إليهِنَّ؛ كما قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لاَ يَكُونُ لأَحَدٍ ثَلاَثُ بَنَاتٍ، أو ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ، أَوِ ابْنَتَانِ، أو أُخْتَانِ؛ فيتقي الله فِيهِنَّ، وَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إلا دخل الْجَنَّةَ"؛ فهي الأختُ الغاليةُ، والبنتُ الحبيبةُ، من أحسنَ إليهِنَّ كانتْ الجنةُ له قريبةً.

وأكرمَها الإسلامُ ورفعَ قدرَها زوجةً، وجعلَ الخيريةَ فيمن أكرمَها؛ كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي".

ولقد استجابَ اللهُ -تعالى- من فوقِ سبعِ سماواتٍ لشكوى امرأةٍ، ونزلَ جبريلُ -عليه السَّلامُ- بحلٍّ لمشكلتِها مع زوجِها، (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[المجادلة: 1].

دافعَ اللهُ -تعالى- عن عِرضِ امرأةٍ، وأنطقَ عيسى -عليه السَّلامُ- رضيعاً ليشهدَ ببراءةِ أمِّه، وتنزلُ الآياتِ في الدِّفاعِ عن عِرضِ عائشةَ الطَّاهرةِ -رضيَ اللهُ عنها-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النور: 11].

وها هي امرأةٌ تستقبلُ سَلاماً خاصاً لعظيمِ فضلِها؛ ففي الحديثِ: "أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-؛ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ؛ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ".

وتَنزلُ الآياتُ المُتتابعةُ بتقريرِ حقوقِ المرأةِ في الحِمايةِ والمالِ والزَّواجِ والمَهرِ والنَّفقةِ والسَّكنِ والميراثِ والحضانةِ والرِّضاعةِ، بل وحقوقُها العامةُ كما للرَّجلِ تَماماً؛ كما قالَ -تعالى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)[النساء: 32].

وجاءتْ الآياتُ تنهى عمَّا كانَ يفعلُه الجاهليةُ من توارثِ النِّساءِ بعدَ وفاةِ أزواجِهنَّ، ومن عضلِهنَّ عن الزَّواجِ؛ كما في قولِه -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].

عبادَ اللهِ: إنَّ ما يحدثُ في بلادِ الإسلامِ من أخطاءٍ وتجاوزاتٍ في حقِّ المرأةِ، إنما هي أخطاءٌ فرديةٌ، وعاداتٌ قبليةٌ، وبقايا جاهليةٌ، ليستْ من الدِّينِ في شيءٍ، والحكمُ والمرجعُ هو كتابُ اللهِ -تعالى- وسنَّةُ نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فقط، وقد حدثَ مثلَ هذا في عهدِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- حينَ قالَ: "لا تُنكَحُ الأيِّم -أيْ: الثَّيِّبُ- حتى تُستأذنَ؛ فجاءتْ امرأةٌ اسمُها خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ وكَانَ زوجُها قد قُتلَ يومَ أُحدٍ؛ فقالتْ: "أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ؛ فانتصرَ لها النَّبيُّ وَرَدَّ نِكَاحَهُ".

وهكذا لا زالتْ المرأةُ في بلادِ الإسلامِ ينتصرُ لها الولاةُ والقُضاةُ والدُّعاةُ والصَّالحونَ من الآباءِ الجائرينَ، أو الأزواجِ الظَّالمينَ، وكذلكَ ينتصرونَ لها من أهلِ الفسادِ العابثينَ، ومن الذِّئابِ المُخادعينَ المُجرمينَ.

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ؛ فاستغفِروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، الرحمنِ الرحيمِ، مالكِ يومِ الدِّينِ، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له القويُّ المتينُ، وأشهدُ أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، أما بعد:

عباد الله: فعندما نعلمُ عِلمَ يقينٍ بأنَّ الإسلامَ قد كرَّمَ المرأةَ وحَفظَ لها حُقوقَها؛ فعلينا بالحذرِ الشَّديدِ ممَّن يُنادي بحقوقِ المرأةِ، والنَّظرِ في حقيقةِ دعوتِه؛ فإن كانَ يقصدُ حُقوقَها التي أقرَّها الإسلامُ؛ فنَعم وألفُ نعم، وإن قصد تحريرَها من أحكامِ الإسلامِ؛ فلا وألفُ لا.

انظروا إلى حالِ المرأةِ في تلكَ البلادِ؛ فإن كانوا يفتخرونَ برئيسةِ دولةٍ، ووزيرةٍ، وثلاثِ عُضواتٍ في البرلمانِ، وخمسِ مُديراتٍ لشركاتٍ كُبرى، وعشرِ سيداتِ أعمالٍ، ومائةِ ألفِ موظفةٍ مُحترمةٍ، ثُمَّ أخبروني: أينَ بقيةُ النِّساءِ في مجتمعاتِهم؟، ألا ترونَ إلى الأجسادِ التي تُعرضُ لترويجِ السِّلعِ، ألا ترونَ إلى الجمالِ الذي يُمتهنُ لترويجِ الأفلامِ والمُجلاتِ، ألا ترونَ إلى الأعراضِ التي تُنتهكُ في الليالي الحمراءِ، ألا تسمعونَ إلى ميزانياتِ تجارةِ الجِنسِ والبِغاءِ، ألا تسمعونَ إلى بُكاءِ اللُّقطاءِ، ألا تسمعونَ إلى صَرخةِ العُقلاءِ.

فأيُّ حضارةٍ هذه التي حرَّرتْ جسدَ المرأةِ وجمالَها، ولم تُحرِّرْ عقلَها ولا روحَها، بل أرجعوها إلى جاهليةِ التَّبرجِ؛ كما قالَ -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)[الأحزاب: 33]، ولم تتعاملْ معها كمخلوقٍ كرَّمَه اللهُ -تعالى- بالحِشمةِ والسِّترِ والعفافِ، بل نزعوا لباسَها عنها باسمِ الموضةِ الأزياءِ والأناقةِ؛ كفعلِ إبليسِ الخبيثِ؛ يقولُ -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)[الأعراف: 27].

فكيفَ لعاقلٍ أن يُقارنَ بينَ ما أرادَه اللهِ -تعالى- للمرأةِ، وبينَ ما يريده هؤلاءِ لها، (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ)[فاطر: 12].

اللهم احفظ نساءَنا من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، اللهم اجعلهنَّ تقيِّاتٍ نَقياتٍ خَفياتٍ، وحبِّـب لهنَّ السِّترَ والحِجابَ، واغرس فيهنّ الحيــاءَ والعفـافَ.

اللـهمَّ واحرسهنَّ من دعواتِ المُـفسدينَ، اللهم استرهنَّ بسترِك الجميلِ، وأجعلهنَّ لأمرِك طائعينَ، ومن شَيطانِ الإنسِ والجِنِّ محفوظينَ.

وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم الله في كتابه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].