البحث

عبارات مقترحة:

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

صلوات مسنونة قل من يحافظ عليهن

العربية

المؤلف ياسر دحيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. أهمية صلاة النافلة   .
  2. حال الناس اليوم مع صلاة النافلة .
  3. من الصلوات المسنونة: السنن الراتبة, صلاة الوتر, قيام الليل, صلاة الضحى, صلاة الاستخارة .
  4. استحباب صلاة النافلة في البيت .
  5. من ثمرات صلاة النوافل. .

اقتباس

فلا تبخل على نفسك بصلاة أو سجدة تصليها من غير الفريضة, فإن نفعها يكون إليك, ولن تحتاج إلا إلى دقائق معدودة لتصليها, وكم تضيع علينا الساعات في اللهو واللعب والكلام والمحادثات؟! نضيع الكثير من أوقاتنا فيما لا ينفع, ونبخل عن دقائق معدودة نتصل بها بربنا, فإلى متى هذه الغفلة؟ وإلى متى هذا الإعراض عن الله وعن طاعته وذكره؟...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون, وبعدله ضل الضَّالون, أحمدهُ سبحانه على نعمه الغزار, وأشكره وفضله على مَنْ شكر مدرار, لا فوز إلا في طاعته، ولا عِزَّ إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا  في الافتقار لرحمته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار, المبعوث بالتبشير والإنذار, صلى الله عليه وسلم صلاة تتجدد بركاتها بالعشي والإبكار, وعلى آله وأصحابه الأطهار.

أما بعد:

أيها الأخوة المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

عباد الله: إنَّ من أظهرِ معالمِ الدين, وأعظمِ شعائره بعد التوحيد إقامةَ الصلاة, فهي ثاني أركان الإسلام, وآكد مفروضٍ وأعظم مَعْرُوض, وأجلُّ طاعةٍ وأرجى بضاعة، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ، يقول النبيّ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ". [أخرجه أحمد والنسائي والترمذي].

جعل الله الصلاة قرّةً للعيون, ومفزعًا للمحزون، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ" [أخرجه أحمد والبيهقي], وكان الرسول -صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ- إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلّى، ونادى بلالاً: "يَا بِلالُ، أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ". [أخرجه أحمد وغيره].

عباد الله: جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ" [رواه الترمذي وأبو داؤود والنسائي وصححه الألباني].

عباد الله: لقد دل هذا الحديث على أن نوافل الصلوات ترقع الخلل الحاصل في الفرائض والواجبات، فعلى المسلم أن يكثر من هذه السنن؛ حتى تسد أي خللٍ أو تقصير في صلواته المكتوبة, وتزداد حسناته, وترتفع درجاته, في حديث ثَوبانَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للهِ سَجْدَةً إلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئةً" [رواه مسلم].

وبالنوافل تنال محبة الله تعالى, وتتحقق معية الله -سبحانه- ونصره لأهل النوافل, ويرتفعون إلى مرتبة الإحسان, قال -عز وجل- في الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ" [رواه البخاري]. فَمَنْ أَحَبَّهُ اللهُ، رَزَقَهُ مَحَبَّتَهُ وَطَاعَتَهُ, وَالِاشْتِغَالَ بِذِكْرِهِ وَخِدْمَتِهِ، فَأَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ الْقُرْبَ مِنْهُ، وَالزُّلْفَى لَدَيْهِ، وَالْحَظْوَةَ عِنْدَهُ.

عباد الله: إن كثيراً من المسلمين اليوم يقتصر على الصلاة المكتوبة, فيأتي المسجد مع الصلاة أو بعد إقامتها فيضيع على نفسه صلاة النافلة القبلية, ثم ينصرف مسرعاً إذا صلى فيفوت على نفسه النافلة البعدية, وكثير من المسلمين يجهلون صلوات مسنونة سنها رسول الله ورغب في فعلها, فإذا كان الإنسان لا يحافظ على نوافل الصلوات المكتوبة فإنه لغيرها من الصلوات المسنونة أضيع.

عباد الله: إن من الصلوات المسنونة التي رغب النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته في المحافظة عليها:

السنن الراتبة: وهي اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة, وقد ورد في فضلها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ" [رواه  ومسلم وغيره], وقد جاءت مفسرةً في رواية أخرى في [سنن الترمذي]: "من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بُني له بيتٌ في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر".

وقد جاء التخصيص بفضل بعضها وأهميتها كسنة الفجر, فقد وردت عدة أحاديث في فضلها والترغيب في المحافظة عليها, من ذلك حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الركعتين قبل صلاة الفجر, قال: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا" [رواه مسلم], وعن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ" [رواه أحمد وأبو داود]. أي لا تتركوا ركعتي الفجر مهما اشتد العذر حتى ولو كان مطاردة العدو.

ونافلة الظهر جاء في فضلها عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ" [رواه أبو داود والترمذي]. 

عباد الله: وإضافة إلى هذه السنن الرواتب جاء الترغيب بالمحافظة على صلوات مستحبات أخرى, فعنْ ‏‏ابْنِ عُمَرَ ‏قَالَ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏-صلى الله عليه وسلم-‏: "‏رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا‏" [أخرجه أبو داؤود والترمذي وحسنه الألباني]. وحث -عليه الصلاة والسلام- على نافلة قبلَ المغربِ، فقال: "صَلُّوا قبلَ المغربِ، صَلُّوا قبلَ المغربِ ركعتين، صَلُّوا قبلَ المغربِ ركعتين" ثم قال في الثالثة" :لِمنْ شاءِ"  كراهيةَ أن يَتَّخِذَها الناسُ سنة. [رواه أبو داؤود وصححه الألباني].

وصلاة الوتر سنة مؤكدة, وفضلها عظيم؛ لذا وجه الرسول بالمحافظة عليها, فعن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ" [رواه داؤود والنسائي وابن ماجه, صححه الألباني]. ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ" [رواه الطبراني وصححه الألباني]. وأقل الوتر ركعة لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الوِترُ حق على كُلِّ مسلم، فَمَن أَحَبَّ أَن يُوتِرَ بخمس فَلْيَفْعَلْ، وَمَن أحبَ أَن يُوتِرَ بِثَلاث فَليفعل، وَمَن أَحبَ أَن يُوتِرَ بِوَاحِدة فَليفعل" [رواه أبوداؤود وابن ماجة وصححه الألباني].

وصلاة الوتر من قيام الليل وقد أثنى الله على من يقوم الليل ومدحهم بقوله: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: 16، 17] وهي من علامات المتَّقين أصحاب الجنة, الذين قال الله فيهم: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات: 15 - 18].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ". [رواه الترمذي وحسنه الألباني] وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ" [رواه مسلم] وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ" [رواه أبو داود  وصححه الألباني].

إننا كثيراً ما نسهر إلى منتصف الليل وربما آخره في مشاهدة الأفلام والمسلسلات واللهو واللعب, أو تضييع الأوقات في برامج المحادثات, ومتابعة ما ينشر من الكلمات, ثم ننام ولم نصلِ لله ركعة, وربما نام بعضنا والجوال في يده يتجول من هذه الصفحة إلى الأخرى, فلنتق الله في أوقاتنا, فإنا محاسبون عنها يوم القيامة, فبأي جواب سنجيب السؤال: وعن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه!.

أيها المؤمنون: ومن الصلوات المسنونة التي رغب فيها الحبيب -عليه الصلاة والسلام- صلاة الضحى, وهي صلاة الأوابين, عن أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ، لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ" [رواه البخاري ومسلم] وعند ابن خزيمة بلفظ "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَسْتُ بِتَارِكِهِنَّ، أَنْ لَا أَنَامُ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ، وَأَنْ لَا أَدَعَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" وقد صح أيضاً عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب". والأوَّاب: هو كثير الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة.

وورد في فضلها عن أبى ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَيجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى" [رواه مسلم].

ويبتدئ وقتها بارتفاع الشمس قدر رمح وينتهي حين الزوال, ولكن المستحب أن تؤخر إلى أن ترتفع الشمس ويشتد الحر, ويكون ذلك قبل الظهر بنحو ساعة لما ثبت في الحديث عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إِذَا رَمِضَتِ الْفِصَالُ". [رواه ومسلم] وأقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات.

واعلموا أن صلاة الرجل للنوافل في بيته هو الأفضل قال -صلى الله عليه وسلم-: "صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الْمَكْتُوبَة "[متفق عليه]. وفي صحيح البخاري أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا", وبيَّن -عليه الصلاة والسلام- فضل ذلك حين قال: " تَطَوُّعُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ يَزِيدُ عَلَى تَطَوُّعِهِ عِنْدَ النَّاسِ ، كَفَضْلِ صَلاَةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلاَتِهِ وَحْدَهُ " [مصنف أبي شيبة وعبدالرزاق وصححه الألباني].

(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء: 78 - 80].

أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: يتعرض المرء في حياته لكثير من الأمور القضايا مجهولة العواقب, لا يدري خيرها من شرها, ولا نفعها من ضرها. ويصاب بالحيرة والتردد: أيقدم على هذه العمل, أم لا؟ قضايا تكون مصيرية أحياناً, تتعلق بمستقبله كالزواج والعمل والوظيفة والسفر والتجارة ونحو ذلك, ولذلك شرع لنا رسول الله –عليه الصلاة والسلام- صلاة الاستخارة فالعبد إذا همَّ بأمر، أو عزم على موضوع، أو خطرت بباله قضية فأحب فعلها، أو عُرض عليه عمل، فعليه أن يستخير ربه، ثم يقدم بعد ذلك متوكلاً على الله -تبارك وتعالى-.

جاء في البخاري عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: "إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ, وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ, وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ, اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي. أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ. وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ".

وصلاة الاستخارة تؤدى ركعتين من غير الفريضة، ليس لها وقت محدد، تُصلى في كل الأوقات في الليل أو النهار، ومن الأفضل تحري الأوقات التي يجاب فيها الدعاء, وصلاة الاستخارة من أهم الوسائل التي تعين المسلم على المضي فيما عزم, وتكشف له طريق الخير؛ لأنه يتوكل على الله دون غيره، ويسلم أمره إلى الله -سبحانه وتعالى-, فـــ"إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ اسْتِخَارَتُهُ لِرَبِّهِ، وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى، وَإِنَّ من شَقَاوَةِ الْعَبْدِ تَرَكُهُ الاسْتِخَارَةَ، وَسَخَطُهُ بِمَا قَضَى".

فأكثروا من صلاة النوافل لأننا بأمَسِّ الحاجةِ إلى كُلِّ وسيلةٍ تدنينا من ربنا، وتقربنا إليه, ففي يومٍ ستكون أحوج إلى ركعةٍ أو سجدة يرفع الله بها درجتك, ويعلي بها منزلتك في الجنة, فلا تبخل على نفسك بصلاة أو سجدة تصليها من غير الفريضة, فإن نفعها يكون إليك, ولن تحتاج إلا إلى دقائق معدودة لتصليها, وكم تضيع علينا الساعات في اللهو واللعب والكلام والمحادثات؟! نضيع الكثير من أوقاتنا فيما لا ينفع, ونبخل عن دقائق معدودة نتصل بها بربنا, فإلى متى هذه الغفلة؟ وإلى متى هذا الإعراض عن الله وعن طاعته وذكره؟.

إن الموتى في قبورهم يتمنون أن يعودوا للحياة ليصلوا ركعتين اثنتين فقط, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا, فَقَالَ:" رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ, أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ" [رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني] لقد أدرك هذا الميت حقيقة الصلاة وعظيم الثواب عليها, فتمنى لو يرجع ليصلي ركعتين لله يزيد بهما صحيفة حسناته, فهل نغتنم نحن فرصة الحياة قبل أن يباغتنا الأجل؟!.

اغتنم في الفراغ فضل ركوع

فعسى أن يكونَ موتك بغتة 
كم صحيح رأيتَ من غير سُقم ذهبتْ نفسه الصحيحة فلتة

ألا صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم والقائد الكريم, الذي أمركم ربكم -جل جلاله- بالصلاة والسلام عليه، فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.