البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الإعراض عن الله تعالى

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات القرآن الكريم وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. خطورة الإعراض عن دين الله تعالى .
  2. بعض مظاهر الغفلة والإعراض عن الله تعالى .
  3. وصف الله للمعرضين عن دينه وشرعه .
  4. خطورة السحرة والكهنة والدجالين. .

اقتباس

استغنى عن الله، غفل قلبه، وانشغل عن الله، الصلاة على المزاج، والمساجد عند الرغبة، وإذا صلى سرق الصلاة؛ لا يُتِم ركوعًا ولا سجودًا، وألغى السنن الرواتب وسنة الجمعة وصلاة الضحى والوتر ألغاها وألغى البر، وألغى الأخلاق، وألغى العادات والتقاليد الطيبة بل يسوء الحال ببعضهم فلا يصلي ولا يسجد لله سجدة. يعرض عن القرآن أثقل عليه من حمل الصخر، تمر الشهور ما يفتح المصحف ليس له ورد يومي...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: يقول الله -تعالى- في محكم تنزيله مصوراً حال الناس أغلبهم إلا من رحم: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ)[سورة فصلت:51]، (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ)؛ (أَنْعَمْنَا)، وكم أنعم!، وكم أعطى!، وكم أطعم!، وكم سقى!، وكم أصحّ! وكم عافى! وكم تكرم! وكم تفضل! (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ)؛ كيف أعرض وعمن أعرض؟ يُعرض عن الله؛ عمَّن أنعم عليه وأعطاه، (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ)؛ يهرب بعد النعم والخير والصحة والمُعافاة، ينأى بجانبه يهرب من الله، يبتعد عن المنعم، يتناسى، يلهو يتكاسل، يغفل يتكبر، وربما قال (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص:87]، (أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ)، والمقصود بالإعراض عن الله والهروب منه: الإعراض عن الطاعة، الإعراض عن الذكر الإعراض عن القرآن الكريم، الإعراض عن الصلاة في المساجد، الإعراض عن التفكر في آيات الله الإعراض عن العمل للآخرة.

كل هذا الإعراض بعد النعمة، بعد العطاء، في زمن الوظيفة والراتب والتجارة والسيارة والمنزل، والزوجة والجوال، والقنوات والمواقع، والبث المباشر والسناب، واستغنى؛ استغنى عن الله، غفل قلبه، وانشغل عن الله، الصلاة على المزاج، والمساجد عند الرغبة، وإذا صلى سرق الصلاة؛ لا يُتِم ركوعًا ولا سجودًا، وألغى السنن الرواتب وسنة الجمعة وصلاة الضحى والوتر ألغاها وألغى البر، وألغى الأخلاق، وألغى العادات والتقاليد الطيبة بل يسوء الحال ببعضهم فلا يصلي ولا يسجد لله سجدة.

يعرض عن القرآن أثقل عليه من حمل الصخر، تمر الشهور ما يفتح المصحف ليس له ورد يومي، لا يتدبره، لا تهزّه آيات الوعيد؛ لأنه مُعرِض عن الله، يعرض عن مراقبة الله؛ فإذا خلا بمحارم الله انتهكها لا يخشى الله بالغيب؛ (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[سورة الملك:12]، رجال ونساء شيبان شابت لحاهم مدمنون على مشاهدة المقاطع الإباحية والعري والمجون لا يستحون لا يخجلون من الله الذي يراهم.

إعراض عن برّ الوالدين لا تلبَّى طلباتهم ولا تُقضَى مشاويرهم إلا بعد الاتصال والاتصال والاتصال، وربما البكاء، وربما الدعاء على الابن والبنت الغافلين المعرضين، واسمعوا كيف وصف الله المعرضين كيف صوَّر الله حالهم وأنهم في وَضْع مُزْرٍ وفي حال متردٍّ، وفي وادٍ سحيق؛ نعوذ بالله أن نكون منهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال:20-23]، حتى لو أسمعهم الله المواعظ والخير والذكر لتركوه وتولوا عنه؛ لذلك سماهم الله الدواب بل شر الدواب (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ)؛ الذين يُعرضون عن الله ولا يسمعون الحق ولا يقولون به.

قلب المؤمن يحزن عندما نرى أحوال بعض الشباب؛ نجدهم في المطارات، وفي الأسواق، وفي الملاعب قد حلق نصف رأسه، ولبس الجينز المخرق الضيق الذي يصف العورات، وربى الشنب أو الشارب، ولبس الخواتم والربطات، وأطال الأظافر والجوال في جيبه والسماعة في أذنه، وتراه لا تدري ما الذي غيَّره وما الذي دهاه؛ جسده موجود وعقله مفقود.

والله تعمدتُ أن ألقي السلام على ثلاثة أو أربعة منهم قابلتهم في أماكن مختلفة ما ردَّ واحد منهم السلام، مستغربون متعجبون من تحية الإسلام؛ لأن تحيتهم اللعن إذا تقابلوا كل منهم يلعن الآخر، إعراض عن آداب الشرع وعن سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وترْك للعادات والتقاليد الحميدة التي تميزنا عن غيرنا، ولا تجعلنا نذوب في الآخرين؛ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[سورة ق:37].

إن مَن يعرض عن الله، وعن طاعته، وعن كتابه ومراقبته يضرب الله قلبه وسمعه فتراه ضالاً تائهاً لا يعرف للحق طريق (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)[سورة الكهف:57]، وإنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بيْنَما هو جَالِسٌ في المَسْجِدِ والنَّاسُ معهُ إذْ أقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، فأقْبَلَ اثْنَانِ إلى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وذَهَبَ واحِدٌ، قالَ: فَوَقَفَا علَى رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فأمَّا أحَدُهُمَا: فَرَأَى فُرْجَةً في الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وأَمَّا الآخَرُ: فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وأَمَّا الثَّالِثُ: فأدْبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: "ألَا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلَاثَةِ؟ أمَّا أحَدُهُمْ فأوَى إلى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ منه، وأَمَّا الآخَرُ فأعْرَضَ فأعْرَضَ اللَّهُ عنْه"(صحيح البخاري).

اللهم اجعلنا عند النعماء من الشاكرين، وعند الضراء من الصابرين، اللهم لا تجعلنا من المعرضين وثبت قلوبنا على الدين يا أرحم الراحمين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى.

عباد الله: ما ذكر الله أهل الترف إلا بالشر والبُعد والإعراض؛ لأنه مع الترف يغفل القلب ويعرض عن الله، يلهو بما عنده من نعم، ولذلك ليس المال والغنى كله خير، فربما يكون معه الفتنة والمحنة، قال الله -تعالى- عنهم: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)[سورة الزخرف:23]، ويقول -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ)[سورة سبأ: 34].

وإن اتيان السحرة أهل الشعوذة إعراض عن الله وإعراض عن دينه وكتابه وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، من زار السحرة لمجرد زيارة فقط لا تُقبل له صلاة أربعين يوماً، ومن ذهب إليهم مُصدّقاً لهم وطالباً منهم أعمالاً وأسحاراً وشعوذة؛ فقد كفر بالله، وكفر بالقرآن وكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-؛ خسر دين باع دينه ببلاش على أعتاب السحرة؛ لأن الساحر -لعنه الله- لا يستطيع أن يسحر إلا بعد أن يكفر بالله، ويكفر بالقرآن ويدنس القرآن في الحمام، ويضع عليه القاذورات، ويذبح للجن، ويسجد لهم من دون الله؛ عند ذلك يخدمونه، ويفتكون بعباد الله شرقاً وغرباً، فلعنة الله على السحرة ومن علّمهم السحر؛ كم فرّقوا من أزواج! وكم شتّتوا من أُسر! وكم أشقوا من أبرياء! وكم أفسدوا في الأرض.

إنه إعراض عن الله وانتهاك لحدود الله، وكفر وخروج من الدين، طرق جلب الحبيب، وفتح باب الرزق، وطرق الحصول على وظيفة، وغيرها كلها من شعوذة وسحر تغضب الله الواحد الأحد، ليس أغلى من الدين فلا نفرّط فيه من أجل جوال أو موقع أو نعمة أو مال أو ساحر أو مشعوذ؛ قربك من الله هو ربحك ورأس مالك، بقربك من الله تنال الدنيا والأخرى، بقربك من الله تدخل الجنة وتنجو من النار؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[سورة فاطر:5].

ثبّتنا الله على الدين وعلى هدي سيد المرسلين.

وصلوا وسلموا..