البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الأثرة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. معنى الأثرة وخطرها .
  2. شخصيات عرفت بهذا المرض .
  3. صور من الأثرة .
  4. الفرق بين الأثرة وحب الذات .

اقتباس

إن الأثرة هي أن يؤثر الإنسان نفسه على من حوله، ويخص نفسه أو أتباعه بالمنافع والمكاسب والمصالح الدنيوية، ويستأثر بذلك ويحجبها عمن له فيها نصيب، أو من هو أولى بها منه. هذا هي الأثرة، ولو تأملنا في تعريفها هذا؛ ثم نظرنا في واقعنا لرأينا صوراً عديدة، وأمثلة كثيرة من صور الأثرة...

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أما بعد:

أيها المسلمون: نريد اليوم أن نتحدث عن مرض خطير وخلق مذموم تفشى وانتشر في عصرنا هذا، وابتلي به كثير من الناس؛ حتى صار من كثرة انتشاره يعد من الأخلاق المحمودة؛ إنه داء دوي، وسبب كبير من أسباب الظلم والفساد، ومزيل عظيم لكثير من النعم، ومُحلٌ للعقوبات والنقم، ومعول هدم يهدم بنيان الأسر والمجتمعات والدول. إنه مرض الأنانية وحب الذات، والاستئثار بالأمور للنفس دون الآخرين

لقد حذرنا ربنا -سبحانه وتعالى- من هذا الشر المستطير؛ فقال: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات:37-39]، يحذرنا الله في هذه الآيات العظيمة من الأثرة بالدنيا وإيثارها على الآخرة، وإعطاء النفوس هواها ومناها؛ فتغتر بالدنيا، وتنسى الآخرة، وتغفل عنها. ويقول -جلّ وعلا- حول هذا المعنى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلى:14-17].

وإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد حذر أمته من هذا الخلق الذميم، وأخبر أصحابه الكرام أن هذه الصفة المذمومة ستنتشر في هذه الأمة وستبتلى بها؛ فقال: "إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ"(البخاري ومسلم)، وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْه- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ, أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا قَالَ: "سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ"(البخاري ومسلم).

عباد الله: إن الأثرة هي أن يؤثر الإنسان نفسه على من حوله، ويخص نفسه أو أتباعه بالمنافع  والمكاسب والمصالح الدنيوية، ويستأثر بذلك ويحجبها عمن له فيها نصيب، أو من هو أولى بها منه؛ وهذه هي الأثرة، ولو تأملنا في تعريفها هذا؛ ثم نظرنا في واقعنا لرأينا صوراً عديدة، وأمثلة كثيرة من صور الأثرة، في كثير من جوانب حياتنا؛ فكم من حقوق ضاعت على أصحابها بسبب الأثرة؟! وكم من أموال استأثر بها أناس وأخذوها لأنفسهم دون أن يكون لهم فيها شيء، أو أخذوا منها أكثر مما يستحقون؟! وكم من مميزات وخصائص اختص بها أناس وهي ليست لهم، وحَرموا منها غيرهم ممن هو أولى وأحق منهم؟!!.

بل تجد بعض النفوس -أعاذنا الله وإياكم- امتلأت بالأنانية، والطمع، وحب الذات، فتجده لا يعرف إلا نفسه، ويهتم بنفسه على حساب الآخرين، ولا يهتم بالآخرين، ولا يبالي بمشاعر الناس وأحاسيسهم، ولا يهمه شيء إلا نفسه، ولا يحب أحداً إلا ذاته، ولو خُير له لتمنى أن يموت الناس ويهلكوا ويبقى هو ومن يريدهم فقط.

أيها الناس: إن الأنانية والأثرة دفعت بقارون إلى أن يقول: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)[القصص: 78], ودفعت بفرعون إلى أن يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)[النازعات: 24], ودفعت بالنمرود إلى أن يقول: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)[البقرة: 258], ودفعت بإبليس إلى أن يقول: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)[الأعراف: 12], ودفعت بقابيل ابن آدم إلى قتل أخيه هابيل، عندما قدّم كل واحد منهما قربة يتقرب بها إلى الله، فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ، فقال الذي لم يتقبل منه للآخر -أنانية وأثرة- (لأقْتُلَنَّكَ)؛ فقال له الآخر -مترفقا له في ذلك-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

فالشاهد أنه يحب نفسه أكثر من اللازم، وإلا فلمَ يريد أن يقتل أخاه على أمر ليس له فيه شيء؟ فالقبول من الله، وهو-سبحانه وتعالى- لا يتقبل إلا من المتقين؛ فلماذا دفعت به نفسه إلى قتل أخيه؟ بدلاً من أن يلوم نفسه ويعاتبها على عدم قبول عمله، قام بقتل من تقبل الله عمله، فهذ يدل على أنه مصاب بالأنانية والأثرة،(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[المائدة: 27-30].

وكذلك إخوة يوسف دفعت بهم الأثرة وحب الذات إلى إلقاء يوسف -عليه السلام- في البئر، ورميه فيها، وتعرضه للمذلة والإهانة والبيع كما يباع الأرقاء والعبيد؛ فما الذي دفع بهم إلى هذا كله؟ إنها الأثرة لأنفسهم دون أخيهم، حتى يستأثروا بمحبة أبيهم (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ)[يوسف:8-9].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ،  أما بعد:

عباد الله: إن مجتمعنا اليوم مليء بهذا المرض العضال، الذي ترتب على هذا الخُلق، والشر المستطير شروراً كثيرة؛ حيث أعطي الغني حق الفقير، وأعطي الجاهل حق المتعلم، واستأثر أصحاب الجاه والغلبة بالوظائف والحقوق وغيرها، وحرموا منها من يستحقها، ومن هو أهلاً لها، وذهبت القيادات والمناصب إلى أيدي الظلمة والفجرة ومن لا يخافون الله واستأثروا بذلك، ولم يتركوا لمن هو أهلٌ القيادة وإدارة الأمور شيئاً.

وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ خُوَيْصَّةَ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ"(رواه ابن ماجه).

وحتى على مستوى البيوت والأسر، تجد أحياناً الأب أو غيره يؤثر نفسه على الآخرين في كل صغيرة وكبيرة، ويتشبث هو وحده بكل شؤون البيت وأموره، فلا يبقي لأحد شيئاً، ولا يحب أحداً أن يتقدمه بشيء، أو يضع رأياً آخر غير رأيه، أو يفعل أي شيء ولو كان فيه مصلحة للجميع، وهذه هي الأثرة وحب التفرد.

أو تجده يتعامل في البيت بأثرة وأنانية واضحة، فيفضل بعضهم على بعض، ولا يساوي بينهم في الحقوق، ولا يتعامل معهم معاملة فيها شيء من التوازن والمساواة، وربما يخص أحداً من أبنائه بشيء دون الآخرين، والمصيبة عندما يؤثر من لا يستحق على من يستحق.

وهكذا تجد بعض الرؤساء، والمدراء، والمسؤولين، فيه من الأثرة وحب التفرد والأنانية ما فيه، ويسعى دائماً إلى تحقيق المكاسب الشخصية من وراء مرؤوسيه، ويقوم بتثبيط معنوياتهم، وتحطيم هممهم، وفقدان الثقة بهم، حتى ينسب العمل لنفسه ولو لم يكن هو فاعله، ويقدم مصلحته الشخصية على حساب مصالحهم وحقوقهم.

وربما يقول قائل: إنَّ الإنسان مجبول على حُبِّ ذاته، وحرْيص على جلْب الخير لها، ودفْع الضر عنها، وهذا أمرٌ عادي؛ فلماذا تلومونا عليه؟.

والجواب: إن هناك فرق بين بين الأنانية وبين حب الذات؛ فالأناني تجده منكمشاً على نفسه، مقتصراً على شهواته ولذائذه وتفكيره، لا يتعدى تفكيره التفكير في نفسه فقط، وتزين له نفسه فعل ما يريد طالما أن فيه مصلحة له، حتى لو كان فيه مفاسد على الآخرين، فهذه هي الأنانية المذمومة.

أما المحب لنفسه فهو الذي يتحكم في نفسه وانفعالاته، ويرى فضل الله عليه في كل شيء، ويفكر في الآخرين ويحب لهم ما يحبه لنفسه، ويزن الأمور كلها بميزان الشرع الحنيف.

والمؤمن دائماً ينبغي عليه أن يوصي نفسه وإخوانه بالإيثار، وحب الخير للغير، وأن يحب للآخرين ما يحبه لنفسه، كما قال تعالى عن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الحشر:9]؛ فالإيثار صفة محمودة، وعكسها الأثرة فهي صفة قبيحة مذمومة.

هذا وصلوا وسلموا على رسول الله...

--------------

مصدر الخطبة: الأثرة: معناها - صورها - موقف الشرع منها