الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الإيمان بالله |
ومن الشبهات التي يرددها بعض الناس ممن يريدون الطعن في الإسلام، وتلبيس الأمور في ذهن المؤمنين قولهم بأن الإسلام جعل العصمة في يد الرجل؛ لكي يطلّق من شاء، متى شاء، وفي ذلك هضم لحقوق...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن محمدا عبده يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً)[النساء:1]، أما بعد:
أيها المؤمنون: لقد سنت شريعة الإسلامية مجموعة من الأسس لبقاء العلاقة الزوجية متينة طيبة مستقرة؛ كما وضعت أمام مريدي الطلاق عدة قيود، وفترات للتأمل والتفكير ومراجعة النفس، وتركت بابا لتدخل أصحاب الخير والحكمة من الأهل والأصدقاء؛ حرصا على ميثاق الزواج، وحماية الأسرة من التشتت، ودرء أسباب الفرقة، وإذا كان عقد الزواج يربط بين الزوجين برباط المحبة، والمساكنة، والمعاشرة الحسنة على سبيل الدوام والاستمرار؛ فإنه قد يطرأ على هذا الرباط ما يمنع من تحقيق الأهداف التي توخاها الشرع منه؛ فقد يعقب الحب النفور، والوفاق الخلاف، والتفاهم النزاع، بحكم الطبيعة البشريّة؛ فيأتي الطلاق حلاً أخيراً مصداقا لقوله -تعالى-: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)[البقرة: 229].
وحيث أن الأسرة هي أصل المجتمع وقوامه؛ فإن بناء هذا المجتمع على أسس سليمة ومتينة يبقى مطلبا شرعيا، وإلا فلا داع للإبقاء على ركن متهدم أو آيل للسقوط مادام ترميمه متعذرا، ومن تم شرع الطلاق لتلافي الأضرار الناجمة عن زواج فاشل، تكون لبقائه انعكاسات وخيمة على الأفراد والمجتمع؛ جريا على القاعدة الأصولية "الضرر يزال شرعا"، ورغم إباحة الطلاق؛ فإنه لا ينبغي اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى؛ ولهذا عبّر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن كراهته بقوله: "أبغض الحلال إلى الله -عز وجل- الطلاق"(رواه أبو داود)، وينبه الرسول -عليه الصلاة والسلام- المرأة إلى عواقب طلب الطلاق دون وجود مشاكل بقوله: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة"(رواه أبو داود).
والطلاق تدور عليه الأحكام التكليفية:
فتارة يكون حراما إذا كان بدعيا؛ مثل وقوع الطلاق من الزوج في حالة حيض زوجته، وأخرى يكون واجبا كما في حالة اللعان والزواج الفاسد، ويكون الطلاق مندوبا إن خشي الزوج تدنيس شرفه بخيانة والعكس صحيح، كما يكون الطلاق جائزا إن كان أحد الزوجين لا يلبيان شروط النكاح.
إخوة الإيمان: ومع هذه العناية والدقة في أحكام الإسلام في مسألة الطلاق إلا أن بعض الناس ممن يريدون الطعن في الإسلام، والتشكيك في أحكامه أوردوا بعض الشبهات في أمر الطلاق، وسنذكر بعض هذه الشبهة ليتجلى للناس بطلانها وعوارها؛ فمن تلك الشبه:
قولهم أن الإسلام جعل العصمة في يد الرجل؛ لكي يطلّق من شاء، متى شاء، وفي ذلك هضم لحقوق المرأة!
والجواب: هذه شبهة متساقطة، لا تصمد للنقد، ولا تنطلي على فرد، وإنما جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل؛ لأنه المسؤول الأول عن الأسرة وتدبير معيشتها، والرجال مختلفون في الخلقة عن النساء، وهذا مثبت علميا؛ فطبيعة النساء أنهن أكثر حساسيّة من الرجال، وأكثر تأثرا بعوارض الظروف من الرجل، حيث أنه أكثر دربة على تجاوز الضغوط وأكثر روية في معالجة العوارض، ومن جهة ثانية جعل الإسلام للمرأة الحق في المطالبة بالطلاق إن وجدت ضرورة تدعو إلى ذلك؛ فلها أن ترفع أمرها في حالة معارضة الزوج للقاضي الذي يحكم بما يراه موافقا للشرع ولمقاصده.
ومن الشبهات في أمر الطلاق كذلك: قولهم أن في إباحة الطلاق تهديد لاستقرار الأسرة وسبب لتفككها؟
والجواب على هذه الشبهة: أن الطلاق كان مشروعا قبل مجيء الإسلام؛ غير أن الإسلام بعد أن جاء أقره وأحاطه بالأحكام والضوابط التي تمنعه إلا حين تصبح مصلحة الزوجين والأسرة مرهونة به؛ فعند ذلك أباحه مع اعتباره أبغض الحلال إلى الكريم المتعال -سبحانه وتعالى-.
ومن شبهاتهم: أن في الطلاق استخفافا بالحياة الزوجية؛ حيث أقرَّ الإسلام وقوعه بكلمة واحدة!.
والجواب على هذه الشبهة الواهية يتجلى للمتأمل بعين البصيرة أن حصول الطلاق وإيقاعه بكلمة واحدة دليل على مكانة الكلمة في الإسلام وخطورتها؛ فيضبط الإنسان كلامه ويفكر فيه قبل التلفظ به.
ثم إن الإسلام لم يجعل الطلاق الخيار الأول، بل أرشد قبل الإقدام عليه إلى النصح بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم الهجران إن لم يثمر الوعظ، قال الله -تعالى-: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلً)[النساء:34].
وفي حالة وقوع الشقاق بين الزوجين يكون طلب الصلح من الزوج أو الزوجة حلا لإنهاء الخلاف؛ لأن الإنسان العاقل هو الذي يتنازل عن بعض حقوقه ويتساهل فيها حفاظا على حقوق الأسرة، قال -عز وجل-: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)[النساء: 128].
وهذه السبل التي وضعها الإسلام تبين لكل منصف أن الدين لم يجعل الطلاق خيارا سهلا، يستطيع الزوج تطليق زوجته متى شاء وكيف شاء؟، بل شجع على أساليب توقي الطلاق الذي في الغالب يعقبه ندامة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
عباد الله: ومن الشبهات حول الطلاق: قول دعاة التشكيك بأن الطلاق تعقبه آثار سلبية ونتائج غير محمودة من منع لزيادة النسل ونمو المجتمع!
والجواب -يا عباد الله-: أن دين الإسلام أحرص على زيادة النسل من هؤلاء المرجفين، بل لا مقارنة بين مقاصد الإسلام وبين ما يبثونه من الإرجاف بغية طعنهم في صلاحية نظام الإسلام الذي سبقهم بالحرص على ذلك؛ فقال خاتم رسله -عليهم الصلاة والسلام-؛ كما روى عنه أنس بن مالك: "تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ فإنِّي مُكاثرٌ الأنبياءَ يومَ القيامةِ"(رواه ابن حبان في صحيحه).
أيها المسلمون: ثقوا بتشريعات دينكم تسلموا، وتمسكوا بأحكامه تغنموا، واحذروا شبهات المرجفين ودعاوى المبطلين، واشكروا ربكم على نعمة هذا الدين العظيم الذي فيه من الأحكام والأنظمة ما تصلح به أحوالكم في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم إنا نسألك إيمانا لا يرتد ونعميا لا ينفد.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً، اللهم إننا نعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء.
وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].