العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن محمد بوكيلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لاحظوا الصورة البغيضة البليدة التي نلاحظها في الكثير من الأوساط, يوفر للأطفال المأكل والملبس والملاهي, ولكن لا دين ولا إيمان ولا أخلاق، فما الفائدة؟! فهل تسمنه وتجهزه لنار جهنم؟! فالأمر خطير فعلا، فلذلك كانت المسألة التي يجب أن تطغى هي تحسين صلة الأطفال بربهم -سبحانه-, فمن...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
معلوم -أيها الإخوة الكرام- أن تناول القرآن لقضية ما يكون على حسب قيمتها وخطورتها، فكلما كانت القضية كبيرة وعظيمة, وكان أثرها على حياة المسلم أثرا بليغا؛ فإن هذا الدين -ولله- الحمد يوليها اعتبارا أكبر ويتحدث عنها بشكل مستفيض, من ذلك ما يتعلق بالقضايا الأسرية والقضايا الأخلاقية, ومن ذلك ما يتعلق بالطفل؛ ما يتعلق بحقوقه, ما يتعلق بحياته, ما يتعلق بتربيته, ما يتعلق بتوجيهه, وقد بينت فيما مضى جملة من الحقوق تحدث عنها الحق -سبحانه- وتحدثت عنها سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
من ذلك: أن هذا الدين العظيم اهتم بالطفل قبل أن يوجد، وأكرر هذه القضية لأهميتها البالغة؛ لأن الكثير من المفاسد التي نتخبط فيها ناشئ من تلك المرحلة، فكان من الممكن أن يفطن لها الإنسان منذ مدة, ولكن نظرا لتهاونه في البدايات كانت النهايات سيئة, وكانت النهايات صعبة في المعالجة, لماذا؟؛ لأن الأساس كان خربا, والبناء لم يؤسس على أساس صلب قوي, وإذا كان الأساس غير سليم فمن الصعب أن تصلح البناء أو ترقعه.
وتحدثت كذلك عن حقوق هذا الطفل وهو في بطن أمه, ثم عن حقوقه بعد أن يخرج إلى هذه الحياة, وقبل المتابعة أحب أن أنبه على أمرين لهما من القيمة ما لهما:
أولهما: ما قد يفهمه المستمع من أن كلامي موجه للوالدين؛ لأنني لما تكلمت عن اختيار الزوجة واختيار الزوج, والاهتمام بالطفل وهو في بطن أمه؛ وكأن الأمر يتعلق بالوالدين فحسب.
فأقول -أيها الإخوة- إن القضية أعظم من ذلك, وأكبر من ذلك, نعم, الأبوان لهما مسؤولية كبيرة وخطيرة, فاحتكاكهم بأبنائهم كبير, وسلطانهم على أبنائهم قوي، ولهذا اعتبر النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل الوالدين أعظم عامل محدد لمسار الأطفال, ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاّ يُولَدُ عَلَىَ الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوّدَانِهِ وَيُنَصّرَانِهِ وَيُمَجّسَانِهِ؛ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟!" ثُمّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: واقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)[الروم: 30].
وكأن هذا الحديث الشريف العظيم يرد على كثير من الآباء الذين إذا كلمتهم يقولون: إنهم مغلوبون وليست بيدهم حيلة تجاه أبنائهم, والمجتمع هو الذي له الدور الأكبر, والشارع يفسد والمدرسة تفسد, فماذا يمكننا أن نفعل؟! وكأن هذا الحديث الشريف يرد عليهم ويبرز لهم قيمتهم ومكانتهم في هذا الإطار، فليس لهم أن يستسلموا ويفشلوا, وليس لهم أن يحتقروا وظيفتهم, وليس لهم على كل حال أن يسقطوا الموضوع من أيديهم، وإنما يجب عليهم أن يتشجعوا ويقوموا بمسؤولياتهم كما يجب.
رغم ذلك -أيها الإخوة- فإن المسؤولية لا تظل مرتبطة بالوالدين فحسب, وإنما هي مسؤولية المجتمع كله, كل من موقعه, كل من جهته، فربنا -سبحانه وتعالى- لما تكلم عن المؤمنين لم يتكلم عنهم منفصلين, لم يتكلم عنهم مبعثرين, وإنما تكلم عنهم كتكتل وتجمع, فلاحظوا في خطاب كتاب الله -تبارك وتعالى- لا نجده موجها لمؤمن وحده, وإنما الخطاب في الأصل موجه للمؤمنين كافة, موجه للمجتمع والأمة ككل؛ لذلك نجد في القرآن الكريم مرارا (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)؛ لأن المؤمن لا يمكن فصله عن مجتمعه, وعن شارعه ومدرسته, وعن مؤسسات مجتمعه كلها, فبعضها يؤثر في بعض.
وأجمل تشبيه لهذه القضية تشبيه السفينة الذي شبه النبي -عليه الصلاة والسلام- به المجتمع, فيبين -عليه الصلاة والسلام- أن المجتمع هو مجموعة ذات مصير واحد, فلا يمكن أن أقول: "إنني لوحدي يمكنني النجاة", وإنما المجتمع مصيره واحد, وعواقبه واحدة, فالنتائج التي يمكن أن يستفيد منها هي كذلك مشتركة, ففي صحيح البخاري وجامع الترمذي عن النّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ قال: قال رسولُ الله -عليه الصلاة والسلام-: "مثل القائم في حدود اللَّه والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا".
فلاحظوا -إخوتي الأعزاء- هذا التشبيه العظيم، فالسفينة هي المجتمع، والذين كانوا في أسفل السفينة هم من مكونات هذا المجتمع, لاحظوا ماذا يحدث لو أنهم حفروا حفرة في الطابق السفلي لهذه السفينة؟؛ فإن الماء سيغمر الطابق السفلي, وسيغمر الطابق العلوي، وسيهلك المجتمع كله، "فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا"؛ فهذا -إخوتي الأعزاء- تصور عظيم لحدود حرية الإنسان.
أما يسمى اليوم بالحرية الشخصية فهو شعار مزخرف لمقاصد خطيرة جدا، أن يفعل كل فرد ما يشاء, ولا أحد من حقه أن يتدخل في شؤونه الخاصة، فديننا العظيم لا يعرف هذا المنطق, ولا يعرف هذا الأسلوب، فأي سلوك يمكن أن تفعله أو يفعله غيرك فهو يهمّ المجتمع كلَّه, ويؤثر في المجتمع بالسلب أو بالإيجاب, فحتى الكثير من القضايا التي يسميها الغربيون شخصية, هذا الدين العظيم لا يعتبرها كذلك, مثلا: عندهم في أوربا وغيرها أن المرأة إذا زنت برضا زوجها لم ترتكب جرما؛ لأن هذا يدخل في حريتهم الشخصية، بينما في الإسلام إذا زنت المرأة, أراد زوجها أو لم يرد, أحب ذلك المجتمع أو لا؛ فقد ارتكبت جرما، وحكمها الجلد إذا كانت غير متزوجة, والرجم حتى الموت إذا كانت متزوجة, وهذا الحكم لا يقدر أحد على إسقاطه، لماذا؟؛ لأنه قضية حق المجتمع بأكمله.
من هذا المنطلق بالطبع كان من مسؤولية المجتمع في تربية الأبناء أن يوفر البيئة الصالحة، من مسؤولية المجتمع في تربية الأبناء أن يكون الشارع نظيفا، أن يتطهر من مقرات الفساد, وأن يخلو من مراكز اللهو والمجون المحرم، وتلك المتخصصة في تضييع أوقات الأبناء وأكل أعمارهم.
إن الملاحظ في واقعنا -أيها الإخوة- أن هناك تيار من الفجور والفساد يجرف ما بقي من أخلاق الشباب والشياب وأوقاتهم، ومن مسؤولية المجتمع أن يوفر مؤسسات الصلاح والإصلاح, لا مؤسسات الفساد والإفساد، فإنه لا يعقل أن ننشد الصلاح والإصلاح ومؤسسات الخمر والقمار والفاحشة والمسخ حيثما وليت وجهك.
متى يبلغ البنيان يوما تمامه | إذا كنت تبنيه وغيرك يهدمُ |
وأما الأمر الثاني الذي يستحب ذكره في هذه العجالة وهو حدود هذه المسؤولية، لا شك -إخوتي الأعزاء- أن الفرق الجوهري بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية البعيدة عن الله -تعالى- هو كون الحضارة الإسلامية حضارة لا تقف عند حدود هذه الدنيا, وإنما هي حضارة تعدّ الإنسان وتصلح أحواله؛ كي يكون من السعداء في الدنيا والآخرة, فمن ثَمَّ لا نتحدث عن حقوق الأطفال المادية فحسب, فهناك حق يسبق كل الحقوق، يسبق الأكل والصحة والتعليم, وهو حق تربيتهم تربية يحبها الله.
لاحظوا الصورة البغيضة البليدة التي نلاحظها في الكثير من الأوساط, يوفر للأطفال المأكل والملبس والملاهي, ولكن لا دين ولا إيمان ولا أخلاق، فما الفائدة؟! فهل تسمنه وتجهزه لنار جهنم؟! فالأمر -إخوتي الأعزاء- خطير فعلا، فلذلك كانت المسألة التي يجب أن تطغى هي تحسين صلة الأطفال بربهم -سبحانه-, فمن الصغر تبدأ هذه القضايا تترسخ, فهي الهدف الأسمى الذي يؤطر الحياة الأسرية وحياة المجتمع.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أيها الإخوة، إذا كان الإسلام قد ضمن للأطفال جميعا جملة من الحقوق فإنه نبه المجتمع على واجبه نحو المحرومين منهم والمشردين والأيتام, وللأسف فإن هذا النوع كثير في مجتمعنا، لماذا؟؛ لأن صلة مجتمعاتنا بالله ضعفت؛ ففشو الزنا, وسوء التصرف في الثروات, واضطراب الأسر, كل ذلك يسهم في إنتاج آلاف الأطفال المشردين والمحرومين, وهؤلاء -إخوتي الأعزاء- يحتاجون لعناية متميزة.
ولعل أول مسألة يثيرها هذا الدين العظيم هي أن وجود الضعفاء والمحرومين ليس بمشكلة في المجتمعات عادة, وإنما المشكلة في كيفية التعامل معهم, وفي كيفية النظر إليهم، فإنه لا يخلو مجتمع مسلم من ثلاث فئات؛ الفئة الأولى: فئة العاملين، الفئة الثانية: فئة الذين يقاتلون في سبيل الله، الفئة الثالثة: فئة المرضى والمحرومين, قال -تعالى-: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[المزمل: 20], والمفروض أن المجتمع كله من الناحية الاقتصادية يعتمد على العاملين، فالمقاتلون في حاجة إليهم، والمرضى والضعفاء في حاجة إليهم أيضا.
إن القرآن الكريم يقرر أن لهؤلاء المحرومين حقا، ليس إحسانا ولا تطوعا، وإنما هو حق معلوم، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[المعارج: 24، 25]؛ فالفرق بين الحق المعلوم الذي يتحدث عنه القرآن الكريم وبين غيره معلوم، فالحق المعلوم حق محدد للسائل والمحروم، ليس لأحد أن يأخذه منه، أو يحرمه منه، فهو ملك له.
فكان على المجتمع كله أن يتعاون لكي يصل إليه، فإذا أخذته وأكلته فقد أكلت أموال الناس بالباطل, وأبرز هذا الحق المعلوم الزكاة؛ (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 60], فهؤلاء لهم حق مضبوط وحق لا يناقش.
والمجتمع ما دام أنه لا يهتم به ولا يجمع مال الزكاة ولا يوصله إليهم فهو مجتمع آثم، فهو مجتمع لا يستحق رحمة الله، وهذا للأسف من الواجبات العظيمة التي ضيعتها المجتمعات المسلمة, الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، لمن تركناه؟! تركناه للناس، تركناه للأغنياء، في حين أن الأمر ليس هكذا، فهذا ليس من حقهم، وإنما ينبغي أن يجمع منهم، وأن يؤخذ رغما عنهم إذا امتنعوا، ويعاقبوا بأخذ شطر من أموالهم, فهذا حقهم المعلوم على مجتمعهم، أن يسخر مال الزكاة لرعايتهم والقيام بشؤونهم، من مطعم مشرب وتعليم وتربية.
كما رغب هذا الدين العظيم في التنافس في الإحسان إلى المحرومين من الناس عموما، وإلى الصغار منهم بالخصوص؛ فإنه لا يجوز قهر اليتيم ولا القسوة عليه، قال -تعالى-: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)[الضحى: 9], وكافله من مرافقي النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجنة, أخرج البخاري وغيره عن سَهْلٍ أَنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قالَ: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ في الْجَنّةِ", وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالّتي تَلِي الإبْهَامَ.
إن المطلوب في مجتمعات المسلمين أن يؤدَّى هذا الحق في أحسن أحواله، وأن لا يبقى موكولا للأفراد، وذلك بتأسيس مؤسسات الرعاية والتربية والإيواء، وأن ينفق عليها بسخاء، وأن تهتم بالتربية الشاملة الصحية والإيمانية والعلمية والخلقية، وأن لا يقتصر فحسب على توفير بعض الحاجيات المادية وإهمال التربية الخلقية والإيمانية، كما هو سائد للأسف في الخيريات ودور الأيتام.
فنسأله -سبحانه- وتعالى أن يصلح أحوالنا ويتولى أمرنا، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والحمد لله رب العالمين.