المصور
كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الحبَّ بين الرجل والمرأة أمرٌ فطريٌّ خلقه الله -تعالى- في قلوب عباده، لكن إن زاد عن حده صار عشقا، فساده أعظم من صلاحه، وضرره أكبر من نفعه، وعذابه وآلامه لا تعد ولا تحصى أمام لذائذه ومُتَعِه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قيل: العشق، هو...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد:
فإن خيرَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
إن مما ابتدعه الغرب والشرق من غير المسلمين واتبعهم على ذلك سفهاء المسلمين ما يسمى: "عيد الحب، أو فالنتاين" فيومهم كله أحمر، فيا ليت المسلمين أن تكون لهم شخصيتهم المتميزة، وكيانهم الخاص، حتى يتشبه بهم الناس، لا أن يقلدوا هم غيرهم.
إن الحبَّ بين الرجل والمرأة أمرٌ فطريٌّ خلقه الله -تعالى- في قلوب عباده، لكن إن زاد عن حده صار عشقا، فساده أعظم من صلاحه، وضرره أكبر من نفعه، وعذابه وآلامه لا تعد ولا تحصى أمام لذائذه ومُتَعِه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قيل: العشق هو فساد الإدراكِ والتخيُّل والمعرفة; فإن العاشقَ يُخَيَّل له المعشوقُ على خلافِ ما هو به، حتى يصيبَه ما يصيبُه من داء العشق" [جامع الرسائل، لابن تيمية: 2/ 243، 244].
قال ابن القيم: "وأما العشق فهو أمرُّ هذه الأسماء، وأخبثُها، ... ولا تكاد تجده في شعر -العرب- القديم، وإنما أولع به المتأخرون، ولم يقع هذا اللفظ -لفظ العشق- في القرآن، ولا في السنة الثابتة" [روضة المحبين، ص: 43].
وأنواع العشق التي تقع لا تكاد تخرج عن أربعة أنواع، وهي:
1- عشق الرجال للنساء: وهذا هو الأعم، والأغلب، وإذا ذُكِرَ العشقُ انصرف إلى هذا النوع.
2- عشق النساء للرجال: وهذا النوع يقع، ولكنه دون الأول; إذِ النساء وصْفُهن الحياء، والتخفُّر، والتمنُّع.
3- عشقُ الرجالِ للرجال: وهذا يقع كثيراً، ولكنه شذوذ وانحراف، وارتكاس، كحال من يَتَعَشَّق المردان، ويتعلَّق بهم.
4- عشق النساء للنساء: وهذا لم يكن يُعرف في السابق إلا على وجهِ الندرة النادرة، ولكنه شاع، وانتشرَ في هذا العصر الذي فُتِحَت فيه الأبواب على مصاريعها; فأصحبتَ تسمعُ أن هذه الفتاة تعلَّقت بزميلتها وعشقتْها، وتلك أخرى قد هامت بمعلمتها وشغفت بها، وثالثة متيمة بتلميذتها مستهامة بها...
وقال ابن أبي حصينة مبيناً ضرر العشق، غابطاً مَنْ لم يقع في أشراكه:
والعشق يجتذب النفوسَ إلى الرَّدى | بالطبْعِ وَاحَسَدِي لمن لم يعشقِ |
[روضة المحبين، ص: 198].
وقال عبد المحسن الصوري:
ما الحبُّ إلاَّ مسلكٌ خطِرٌ | عسِرُ النجاةِ وموطئٌ زَلَقُ |
قالوا: والعشقُ يتركُ الملكَ مملوكاً، والسلطانَ عبداً [روضة المحبين، ص: 199].
قال ابن القيم مبيناً خطر العشق على الدين: "ومحبة الصور المحرمة وعشقها من موجبات الشرك، وكلَّما كان العبدُ أقربَ إلى الشرك، وأبعدَ من الإخلاص كانت محبتُه بعشق الصور أشدَّ. وكلما كان أكثرَ إخلاصاً، وأشدّ توحيداً كان أبعد من عشق الصور.
ولهذا أصابَ امرأةَ العزيزِ ما أصابها من العشق; لشركها، ونجا منه يوسفُ الصديق -عليه السلام- بإخلاصِه -وإيمانِه وتوحيدِه-، قال تعالى: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].
فالسوء، العشق، والفحشاء، الزنا.
فالمُخلَص قد خَلُص حُبُّه لله، فخلَّصه الله من فتنةِ عشق الصُّوَر، والمشركُ قلبُه متعلقٌ بغير الله، فلم يخلِصْ توحيدَه وحبَّه الله -عز وجل-" [إغاثة اللهفان، لابن القيم، ص: 513].
فهناك أسبابٌ تثيرُ العشقَ وتبعثُه، بل وتسوقُ إليه سوقاً، وتجرّ إليه جراًّ...
فمن هذه الأسباب: الإعراض عن الله -عز وجل-؛ ذلك أن في الله عوضاً عن كلِّ شيء، وأنَّ من عرف الله –جل جلاله- جمع قلبه عليه، ولم يلتفتْ إلى محبوب سواه.
والجهل بأضرار العشق؛ | فمن لم يعرفها أوشك أن يقع في ذلك الداء |
وقال ابن عبد البر: "سئل بعض الحكماء عن العشق، فقال: شُغلُ قلبٍ فارغ" [بهجة المجالس: 2/ 817].
وسائل الإعلام -وما أدراك ما وسائل الإعلام؟! وما أدراك ما في إثارتها للعشق-.. وسائلُ الإعلام لها قدرةٌ كبيرةٌ على الإقناعِ وصياغةِ الأفكار، ولها تأثير بالغ في قيادة الناس إلى الهاوية إذا هي انحرفت; .. -فالإعلام- يسهم في إذكاء نار العشق من خلال ما يعرضه من الصور الفاتنة، ومن خلال احتفائها بأهل العشق، وتتبع أخبارهم وشذوذاتهم.
وكذلك الكتب التي تتحدث عن الجنس صراحة، وتميط اللثام عن الحياء، والدواوين الشعرية المليئة بشعر الغزل الفاضح الصريح..." [انظر: الصحافة المسمومة، لأنور الجندي، ص: 76، وحصوننا مهددة من داخلها، ص: 31- 39، والأسرة المسلمة أمام الفيديو والتلفاز، لمروان كجك، ص: 191، وأربع مناقشات لإلغاء التلفزيون، لجيري ماندرو، ترجمة سهيل منيمنة].
إنَّ من الناسِ من يقرأُ قصصَ أهلِ العشق وأخبارَهم، أو يستمع إلى الأغاني المشتملة على ذكر العشق والهيام، والصبابة، أو يقرأ القصائد التي تنسج على منوال أهل العشق.
وقيل:
تولَّع بالعشقِ حتى عشِق | فلما استقلّ به لم يُطِقْ |
رأى لُجَّةً ظنها موجةً | فلما تمكَّن منها غرقْ |
ولما رأى أدمعاً تُستهلُّ | وأبصر أحشاءه تحترقْ |
تمنَّى الإفاقةَ من سُكْرِه | فلم يستطعْها ولم يستفقْ |
[ذم الهوى، لابن الجوزي، ص: 440].
ومن أعظم أسباب العشق: الانحرافُ في مفهومه; حيث يُظن أنْ لا عشقَ ولا حبَّ إلا ذاك الذي يُعمِي صاحبه، ويجعله سادرًا في غيّه، لا يكاد يفيق من سكره.
وكما قيل:
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى
[الجواب الكافي، ص: 509].
ولا ريب أن المتجرِّدَ من عواطفِ الحبِّ بليدٌ الطبع، قاسي القلب، متجردٌ من أسمى الفضائل.
ولكنَّ حصْرَ الحبِّ والعشقِ في زاويةِ حُبِّ الصور المحرمةِ جهلٌ وانحراف; ذلك أن مفهومَ الحبِّ أوسع، ودائرتُه أعمّ، وصُوَرُه أشمل.
لقد غابَ عن هؤلاءِ أنَّ هذا العشقَ نقطةٌ في بحر الحبِّ، وغابَ عنهم حبُّ الوالدين والزوجةِ الأولاد، وحبُّ المساكين، وحبُّ الفضائل والمكارم، والمعالي والمروءات، والطهرَ والعفَّةَ والشجاعة، والصداقةَ والطبيعة، وغاب عنهم حبُّ اللذاتِ العقلية؛... وألذُّها لذَّةُ العلم، وما يتفرع عنه.
ولهذا يجد أهل العلم من اللذة في العلم، ما لا يحاط به، أو يُقدَرُ على وصفه.
يقول الإمام الشافعي مبينًا عظيم اغتباطه بالعلم، ولذته، وفرحه به:
سهرِي لتنقيحِ العلومِ ألذُّ لي | من وصْلِ غانيةٍ وطيبِ عناقِ |
وصريرُ أقلامي على صفحاتِها | أحلى من الدوكاء والعشاق |
-الدوكاء: الجماع-
وألذُّ من نقْرِ الفتاةِ لدُفِّها | نَقريْ لأُلْقيْ الرملَ عن أوراقي |
وتمايُلي طرباً لحلِّ عويصةٍ | في الدرسِ أشهى من مُدامة ساقِ |
وأبيتُ سهرانَ الدُّجى وتبيتَه | نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي |
[ديوان الشافعي، تحقيق: د.محمد عبد المنعم خفاجي، ص: 113- 114].
بل لقد غاب عنهم أعظمُ الحبِّ وأشرفُه، وأنفعُه وأجملُه، وأجلُّه وأكملُه وأبهاه، وهو حبُّ الله –جل في علاه-، فهو أصل المحابِّ المحمودة، بل كلُّ محبةٍ محمودةٍ إنما هي متفرعةٌ عن ذلك.
إن التهتُّكَ والتبرُّجَ والسفورَ، من أعظمِ محركاتِ العشق; فهو سببٌ للنظرات الغادرة، التي تعمل عملها في القلب -وتجلب الحسرات-.
فبداية العشق في الأغلب تكون عند النظر إلى المحاسن; فإذا أطلق الإنسان بصره أطلق القلب شهوته، ومن أطلق بصرَه دامت حسرتُه; فأضر شيء على القلب إرسال البصر: "إن النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس" كما جاء في الحديث الضعيف.
وشأن السهم: أن يسري في القلب، فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر، واستفرغه، وإلا قتله ولابد.
إن المعاكساتِ الهاتفية، والاتصالَ عبر الشبكات المعلوماتية، من أعظم ما يجر إلى العشق; فقد تكون الفتاة حَصَانًا رزاناً لا تُزَنُّ بريبة، ولا تحوم حولها شبهة، وهي من بيت طهر وفضيلة، قد جلله العفاف، وأُسْدِل عليه الستر.
وربما زاد الأمر عن ذلك، فاستجر الفتاة، حتى إذا وافق غرتها مكر بها، وتركها بعد أن يلبسها عارها.
وفيما يلي ذكر لبعض الأسباب المعينة على ترك العشق:
أولا: الإخلاص الله -عز وجل-، أنفعُ الأدوية، فإذا أخلص المبتلى بداء العشق، وصدق في توجهه إلى ربه؛ أعانه الله، وأمده بألطاف لا تخطر له ببال، وصرف عنه كلَّ ما يصده عن توبته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله، والإخلاص له لم يكن عنده شيء قطُّ أحلى من ذلك، ولا ألذُّ ولا أمتع ولا أطيب.
والإنسان لا يترك محبوباً إلاَّ بمحبوبٍ آخر يكون أحبَّ إليه، أو خوفاً من مكروه; فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح، أو بالخوف من الضرر، قال الله -تعالى- في حق يوسف -عليه السلام-: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف: 24].
فالله يصرف عن عبده ما يسوؤه من الميل إلى الصور، والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله.
ولهذا يكون قبل أن يذوقَ حلاوةَ العبودية لله، والإخلاصِ له بحيث تغلبه نفسه على اتباع هواها; فإذا ذاق طعم الإخلاص، وقوي في قلبه انقهر بلا علاج [العبودية، ص: 99].
ثانيا: الدعاء، إن الدعاءَ والتضرعَ إلى الله -عز وجل- وصدق اللجأ إليه، والإخلاصَ له، وسؤالَه السلوَّ; فإن المبتلى بهذا الداء مضطر، والله يجيب المضطر إذا دعاه، والدعاء عدو البلاء، يدافعه، ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل.
وغض البصر يورث الراحة، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور: 30].
قال ابن تيمية: فجعل سبحانه غض البصر وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفوس، وزكاة النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب وغير ذلك [العبودية، ص: 100- 101].
ثالثا: البعد عن المحبوب المعشوق، فكل بعيد عن البدن يؤثِّر بعدُه في القلب; فليصبر على البعد في بداية الأمر صبر المصاب في بداية مصيبته، وليبتعد عن المحبوب، فلا يراه، ولا يسمع كلامه، ولا يرى ما يذكِّره به.
ثم إن مرَّ الأيام يهوِّن الأمر، قال زهير بن الحباب الكلبي:
إذا ما شئت أن تسلُوَ حبيباً | فأكثرْ دونه عددَ الليالي |
فما سلّى حبيبَك غيرُ نأيٍ | ولا أبلى جديدَك كابتذالٍ |
[ذم الهوى، ص: 473].
وقال امرؤ القيس:
وَإّنكَ لمْ تَقْطَعْ لُبَانَةَ عَاشِقِ | بمِثْلِ غُدُوّ أوْ رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ |
[ديوان امرئ القيس، ص: 39].
رابعا: الاشتغال بما ينفع، فإن من أسباب العشق الفراغَ; لذلك فكل ما يشغل القلب من المعاش، والصناعات، والقيام على خدمة الأهل، ونحو ذلك فإنه يسلِّي العاشق; لأن العشق شغل الفارغ.
فهو يمثل صورة المعشوق في خلوته; لشوقه إليها; فيكون تمثيله لها إلقاءً في باطنه; فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب درس الحبُّ وذهب، ودُثِرَ العشق، وحصل التناسي.
خامسا: الزواج: -أيها العاشق الولهان -عليك بالزواج ولو بغير من عشقتها; فإن في الزواج كفايةً وبركة وسلوة.
وإن كان متزوجاً فليكثر من الجماع; فإنه دواء.
ووجه كونه دواءً أنه يقلل الحرارة التي منها ينتشر العشق، وإذا ضعفت الحرارة الغريزية حصل الفتور، وبرد القلب; فخمد لهب العشق [ذم الهوى، ص: 476].
خامسا: عيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، والنظر إلى الموتى، والتفكر في الموت وما بعده; فإن ذلك يطفئ نيران الهوى، كما أن سماع الغناء واللهو يقويه; فما هو كالضد يضعفه.
سادسا: مواصلة مجالس الذكر، ومجالس الزهاد، وسماع أخبار الصالحين.
سابعا: قطع الطمع باليأس، وقوة العزم على قهر الهوى، فإن أول أسباب العشق الاستحسان، سواء تولَّد عن نظر، أو سماع، فإن لم يقارنه طمع في الوصال، وقارنه الإياس من ذلك لم يحدث له العشق.
فإن اقترن به الطمع، فصرفه عن فكره، ولم يشتغل قلبه به لم يحدث له ذلك.
فإن أطال مع ذلك الفكرَ في محاسن المعشوق، وقارنه خوفُ ما هو أكبر عنده من لذة وصاله، إما خوف من دخول النار، وغضب الجبار، وادخار الأوزار، وغلب هذا الخوف على هذا الطمع لم يحدث له العشق.
فإن فاته هذا الخوفُ، فقارنه خوف دنيوي كخوف إتلاف نفسه أو ماله، أو ذهاب جاهه، وسقوط مرتبته عند الناس، وسقوطه من عين من يعزّ عليه، وغلب هذا الخوف لداعي العشق دفعه.
وكذلك إذا خاف من فوات محبوب هو أحب إليه، وأنفع من ذلك المعشوق، وقدم محبته على محبة المعشوق اندفع عنه العشق.
ثامنا: والمحافظة على الصلاة، وإعطاؤها حقها من الخشوع، والتكميل لها ظاهراً وباطناً.
قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45].
يذهب العشقَ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الصلاة فيها دفع مكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله" [العبودية، ص: 100].
تاسعا: زجر الهمة الأبية؛ عن مواقف الذلِّ -الدنية-، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل; فمن لم تكن له همة أبية، لم يكد يتخلص من هذه البلية; فإن ذا الهمة -العلية- يأنف أن يملك رقَّه شيء، وما زال الهوى يذل أهل العز.
وقال ابن تيمية: ومن العجب: أن الرجل الذي لا بأس بلُبِّه ورأيه، يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصور لها في قلبه الحسن، والجمال، حتى تَعْلَقَ بها نفسه من غير رؤية، ولا خبر مُخبر، ثم لعله يهجم منها على أدَمِّ الدمامة، فلا يعظه ذلك، ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفاً بما لم يَذُق حتى لو لم يَبْقَ في الأرض غيرُ واحدة لظن أن لها شأناً غير ما ذاق.
وهذا هو الحُمْق، والشقاء، والسفه [الأدب الصغير والأدب الكبير، ص: 150].
عاشرا: النظر في حال العشاق، وما هم عليه من العذاب، وكيف كانوا يعيشون على هامش الحياة، وكيف انفرطت عليهم مصالح دينهم ودنياهم; فإن ذلك يوقف العاقل على حقيقة العشق; فما الذي خبَّل الْمُلَوِّحَ أَبا قَيْسٍ مجنون ليلى? وما الذي غدا بلبِّ جميل بثينة? وما الذي تيَّم كثير عَزَّة? -وعنترة وعبلة، وتوبة وليلى الأخيلية، ونصيب وزينب، وذُو الرُّمَّةِ وَمَيَّةُ، والْعَبَّاسُ بْنُ الأَحْنَفِ الذي كان يَعْشَقُ فَوْزًا؟!-
إنه العشق الذي ألبسهم ثوبه، وكساهم حُلَّته، وربط اسم كل واحد منهم باسم معشوقته; فأصبحوا لا يُذكرون إلا ويذكر معهم العشق، وضعة النفوس، ودنو الهمم، فهذا جميل بثينة -على سبيل المثال؛ لما دعي للجهاد في سبيل الله في وقت كانت الفتوحات الإسلامية تتسع، وتعظم- قال:
يقولون جاهد يا جميلُ بغزوةٍ | وأيّ جهاد غيرَهنَّ أريد |
لكل حديث بينهن بشاشةٌ | وكل قتيلٍ عندهن شهيد |
[شرح ديوان جميل بثينة، ص: 21].
فانظر كيف قصر همته على ملاحقة النساء، ومطاردتهن; فهذا هو جهاده، وتلك هي شهادته!.
أين هذا وأمثاله من أولي الهمم العلية، والعزائم القوية? أين هم من صقر قريش عبد الرحمن الداخل -مثلا-? هذا الرجل الذي أهديت له جارية بارعة الجمال أول قدومه الأندلس، فلما رآها قال: إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا شغلت عنها بما أهِمُّ به ظلمتُها، وإن أنا اشتغلت بها عما أهِمُّ به ظلمْتُ همتي; فلا حاجة لي بها الآن، وردَّها على صاحبها.
فانظر إلى هذا الرجل لما عصى هواه، ولم يسترسل مع شهوته؛ كيف نال ما نال؟!
هذا الرجل الذي ولي الأندلس، وهي ولاية تميد بالفتن، وتشْرَقُ بالدماء، فما لبث أن قرَّت له، وسكنت لهيبته، ثم خرج في طليعة من جنده، فافتتح سبعين حصناً في غزوة واحدة، ثم أمعن في قلب فرنسا، وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطرافاً من إيطاليا، حتى ريَّض كل أولئك له.
وبعد أن كانت قرطبة دار إمارة يذكر فيها الخليفة العباسي على منابرها، وتمضي باسمه أحكامها أصبحت مقر خلافته، يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.
قال أبو جعفر المنصور لأصحابه يوماً: أخبروني عن صقر قريش، فذكروا له طائفة من الخلفاء، وهو يقول: "لا" فقالوا: من يا أمير المؤمنين? فقال: صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية الذي عبر البحر، وقطع القفر، ودخل بلداً أعجمياً مفرداً، فمصرَّ الأمصار، وجنَّد الأجناد، ودوَّن الدواوين، وأقام مُلْكاً بعد انقطاعه; لحسن تدبيره، وشدة شكيمته" [انظر: رسائل الإصلاح: 1/ 69].
هذه بعض الأسباب المعينة على علاج العشق، الواقية -بإذن الله- لمن لم يقع فيه.
فحري بمن أخذ بها أن يُعان، ويوفَّق; فإن جاهد، وصابر، ثم بقي بعد ذلك في قلبه ما بقي فإنه لا يلام عليه.
يقول الجنيد: "الإنسان لا يعاب بما في طبعه، إنما يعاب إذا فعل بما في طبعه" [ذم الهوى، ص: 497].
"فَأَمَّا إذَا اُبْتُلِيَ بِالْعِشْقِ وَعَفَّ وَصَبَرَ؛ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى تَقْوَاهُ اللَّهَ" [مجموع الفتاوى: 10/ 133، بتصرف؛ العشق لمحمد بن إبراهيم الحمد، والمراجع كما في حواشيه].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.
وبعد:
انظر إلى الحبِّ الحقيقي عند العرب الأقحاح: "كَانَ الرَّجُلُ يُحِبُّ الْفَتَاةَ، فَيَطُوفُ بِدَارِهَا حَوْلًا يَفْرَحُ أَنْ يَرَى مَنْ رَآهَا، فَإِنْ ظَفَرَ مِنْهَا بِمَجْلِسٍ تَشَاكَيَا وَتَنَاشَدَا الْأَشْعَارَ، وَالْيَوْمَ يُشِيرُ إِلَيْهَا وَتُشِيرُ إِلَيْهِ، فَيَعِدُهَا وَتَعِدُهُ، فَإِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَشْكِ حُبًّا، وَلَمْ يُنْشِدْ شِعْرًا، وَقَامَ إِلَيْهَا كَأَنَّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نِكَاحِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ" [اعتلال القلوب، للخرائطي: 1/ 63، رقم: 115].
عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: "كَانُوا يَعْشَقُونَ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ، كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَتَحَدَّثُ عِنْدَهُمْ، لَا يُسْتَنْكَرُ لَهُ ذَلِكَ" قَالَ هِشَامٌ: "لَكِنِ الْيَوْمَ لَا يَرْضُونَ إِلَّا بِالْمُوَاقَعَةِ" [اعتلال القلوب، للخرائطي: 1/ 64، رقم: 116].
وكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَثِيرًا يَتَمَثَّلُ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ:
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا | مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْوِزْرُ وَالْعَارُ |
تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا | لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدَهَا النَّارُ |
[اعتلال القلوب، للخرائطي: 1/ 71، رقم: 131].
وعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ يَوْمًا: "هَلْ تَعْرِفُونَ بَيْتًا شَرِيفًا فِي امْرَأَةٍ خَفِرَةٍ؟ -أي حَيِيَّة-، قُلْنَا: نَعَمْ، بَيْتٌ لِحَاتِمٍ فِي زَوْجَتِهِ مَاوِيَّةَ ابْنَةِ عَفْذَرٍ:
يُضِيءُ لَهَا الْبَيْتُ الظَّلِيلُ خَصَاصَةً | إِذَا هِيَ يَوْمًا حَاوَلَتْ أَنْ تَبَسَّمَا |
قَالَ: مَا صَنَعْتُمْ شَيْئًا، قُلْنَا: فَبَيْتُ الْأَعْشَى:
كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا | مَرُّ السَّحَابَةِ لَا رَيْثٌ وَلَا عَجِلُ |
قَالَ: قَدْ جَعَلَهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ، قُلْنَا: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، فَأَيُّ بَيْتٍ هُوَ؟ قَالَ: قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْأَسْلَتِ:
وَيُكْرِمْنَهَا جَارَاتُهَا فَيَزُرْنَهَا | وَتَعْتَلُّ عَنْ إِتْيَانِهِنَّ فَتُعْذَرُ |
[اعتلال القلوب، للخرائطي: 1/ 77، رقم: 142].
وهذه قصة حب قد حدثت في عهد النبوة، بل تدخَّل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمِّ الشمل، فقد "كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ، يُقَالُ لَهُ: مُغِيثٌ" عندما أعتقتها عائشة -رضي الله تعالى عنها- فصارت حرة وزوجها عبد، والعبد لا يجوز له أن يتزوج الحرة، فصار "يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ المَدِينَةِ" [البخاري: 5282].
ودموعه تسيل على لحيته على فراق حبيبته!.
فرحمه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتوسط له عند بريرةَ، لعلَها تحن وترجع إليه، ولكنها لا تحبه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا، يُقَالُ لَهُ: "مُغِيثٌ" كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعبَّاسٍ: "يَا عَبَّاسُ! أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا؟!" فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ رَاجَعْتِهِ" قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَأْمُرُنِي؟" قَالَ: "إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ" قَالَتْ: "لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ" [البخاري: 5283].
ويرحمُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المحبين ولو كانوا غير مسلمين، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ سَرِيَّةً، قَالَ: "فَغَنِمُوا، وَفِيهِمْ رَجُلٌ" فَقَالَ لَهُمْ -الرجل-: "إِنِّي لَسْتُ مِنْهُمْ، عَشِقْتُ امْرَأَةً فَلَحِقْتُهَا، فَدَعُونِي أَنْظُرُ إِلَيْهَا نَظْرَةً، ثُمَّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ" قَالَ: "فَإِذَا امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ أَدْمَاءُ" فَقَالَ لَهَا: "أَسْلِمِي حُبَيْشُ، قَبْلَ نَفَادِ الْعَيْشِ.
أَرَأَيْتِ لَوْ تَبِعْتُكُمْ فَلَحِقْتُكُمْ بِحِلْيَةٍ | أَوْ أَدْرَكْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ |
أَلَمْ يَكُ حَقًّا أَنْ يُنَوَّلَ عَاشِقٌ | تَكَلَّفَ إِدْلَاجَ السُّرَى والْوَدَائِقَ؟ |
قَالَتْ: "نَعَمْ! فَدَيْتُكَ" قَالَ: "فَقَدَّمُوهُ" -أي المسلمون بأمر من خالد بن الوليد -رضي الله تعالى عنه- "فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ، فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ، ثُمَّ مَاتَتْ"
-وفي رواية: "فَقَامَتْ إِلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ، فَمَا زَالَتْ تُقَبِّلُهُ حَتَّى مَاتَتْ عِنْدَهُ"- فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ" [السنن الكبرى، للنسائي: 8/ 46، ح 8610, وانظر: الصحيحة: 6/ 184، ح 2594].
"وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ -في طوق الحمامة- عَنْهُ: "أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ عِشْقًا، فَقَالَ: قَتِيلُ الْهَوَى لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا قَوَدَ" وَرُفِعَ إِلَيْهِ بِعَرَفَاتٍ شَابٌّ قَدْ صَارَ كَالْفَرْخِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: "الْعِشْقُ" فَجَعَلَ عَامَّةَ يَوْمِهِ يَسْتَعِيذُ مِنَ الْعِشْقِ" [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص: 243].
أمَّا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يحبُّ نساءه رضي الله -تعالى- عنهن، وأكثرهن لها حبًّا خديجة -رضي الله تعالى عنها- فكان يَقُولُ: "إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا" [مسلم: 2435].
وكذلك عائشة -رضي الله تعالى عنها- فقد سأله عَمْرُو بْنُ العَاصِ: "أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟" قَالَ: "عَائِشَةُ" قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: "أَبُوهَا" [البخاري: 4358، مسلم: 2384].
وورد عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أُخْتِي أُمُّ حَبِيبَةَ؛ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ حَبِيبَهَا أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَهَا، قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الظُّهْرِ فَتَمَسُّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-" [سنن النسائي: 1813].
عباد الله: لا يخلون رجل بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما، ومن ساءته سيئته وسرته حسنته، فهو أمارة المسلم المؤمن، وشر الأمور مبتدعاتها، وأن الاقتصاد في سنّة خير من الاجتهاد في بدعة، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية.
عليكم بهذا القرآن، فإن فيه النورَ والشفاء، وفي غيره الشقاء، وقد قضيت الذي عليَّ في تبليغكم، وموعظتي هذه نصحًا لي ولكم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وأقم الصلاة.