المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | مقبل بن حمد المقبل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إن أي وقيعة بين هاتين الطائفتين -الحكامِ والعلماء- فإنما هي فسق وإرهاب مبطّن يهدف إلى إثارة الناس، وزعزعة وحدتهم، والتلبيس عليهم، كما يفعله أولئك البائسون المتحررون الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها .. إنهم إرهابيون يتقمصون ثياب التحرر والانفتاح والتقدم ونبذ الرجعية .. وفي كل يوم أو مناسبة ينسفون ثوابت هذه الدولة ..
الحمد لله رب العالمين، أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، وجعل ورثتهم العلماءَ الربانيين المخلصين، أحمده تعالى وأشكره وأتوب إليه وأستغفره؛ إن الله يحب التوابين ويحب المستغفرين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، خاتم النبيين، وإمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى عباد الله .. اتقوا الله ربكم، واستعينوا بالصبر في كل أمركم (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
عباد الله: لا جدال، ولا مراء، ولا مساومة على وطنيتنا وولائنا لدولتنا وولاة أمرنا؛ لأن ذلك من صميم ديننا وعقيدتنا .. فنحن على البيعة باقون وماضون، وللسمع والطاعة ملتزمون، وأنى لنا أن نعصي أمر الكبير المتعال الذي وجهنا فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
أخوة الإسلام: إن ولاة الأمر الذين تجب طاعتهم هم الحكام والعلماء الذين يصلح باتحادهم واجتماعهم أمر الدين والدنيا.
قال ابن سعدي رحمه الله: "وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين؛ فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول؛ فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية". أهـ.
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم وأخراهم".
إن أي وقيعة بين هاتين الطائفتين -الحكامِ والعلماء- فإنما هي فسق وإرهاب مبطّن يهدف إلى إثارة الناس، وزعزعة وحدتهم، والتلبيس عليهم، كما يفعله أولئك البائسون المتحررون الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها ..
إنهم إرهابيون يتقمصون ثياب التحرر والانفتاح والتقدم ونبذ الرجعية .. وفي كل يوم أو مناسبة ينسفون ثوابت هذه الدولة وما قامت عليه من اعتماد الكتاب والسنة بأطروحاتهم المقيتة التي تخالف هدي الله وهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وبعضهم في ذلك لبعض أعوان، وقد صدق الرحيم الرحمن (المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف).
عباد الله: إن واجب العلماء هو بيان الشرع للناس، والفصل بين الحلال والحرام؛ لئلا يحتار العامة ويقعوا فيما حرم الله عليهم .. وواجب الحكام هو مساندة العلماء في ذلك ونصرهم وتأييدهم كما هو ديدن ولاة أمرنا المباركين من عهد المؤسس إلى يومنا هذا متى ما تحرروا من بطانة السوء الذين يفسدون ولا يصلحون .. ولهذا حفظ الله هذه الدولة باجتماع كلمة ولاة أمرها؛ من حكام وعلماء ..
وإننا على يقين بأن كيد خفافيش الليل ومرتزقةِ الصحافة ومنظري القنوات المنحرفين - سيؤول إلى خسار وبوار؛ لأن الله قد تكفل بالدفاع عن عباده المؤمنين (إن الله يدافع عن الذين أمنوا) ووعد أولياءه بالأمن (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم).
فمن كان مع الله كان الله معه، ومن كان الله معه لم يخف شيئاً، بل كل شيء يخافه ويهابه. وإن أولئك الفئة المتطاولة على أهل العلم تحصيلا لما يريد أعداء الدين إنما هي فئة ضالة معتدية، وشرذمة قليلة متواطئة .. ننتظر من حكامنا المباركين أن يوقفوهم عند حدهم، وأن يطفئوا جذوة حقدهم ومكرهم.
عباد الله: لقد كثر في زمننا المساس بقدر العلماء الربانيين الناصحين والحط من اعتبارهم وتنقصهم خاصة من غلمان الصحافة الحاقدين، وإنه لحري بنا أن نعرف للعلماء قدرهم وأن نحفظ لهم حقوقهم وأن نحذر من الوقيعة فيهم وأن ندافع عن أعراضهم، وأن نعلم أن هؤلاء الحاقدين إنما هم أدوات ينفذون -وبدون مقابل- مخططاً من مخططات اليهود الذين نصوا في أحد بروتوكولاتهم على هذا الأمر فقالوا: "وقد عنينا عناية عظيمة بالحط من كرامة رجال الدين في أعين الناس (ويعنون برجال الدين: العلماء من غير اليهود) وبذلك نجحنا في الإضرار برسالتهم التي كان يمكن أن تكون عقبة كؤوداً في طريقنا، وإن نفوذ رجال الدين على الناس ليتضاءل يوماً فيوماً" ا هـ .
فلنحترم علماءنا ولنجلهم، ولنحذر من رميهم بالجهل بفقه الواقع، أو المداراة والمداهنة، ولنحذر من غيبتهم والطعن فيهم، فإن نظرهم بعيد، ورأيهم بإذن الله رشيد .. قال ابن عساكر رحمه الله: "اعلم -وفقني الله وإياك لمرضاته- وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته، أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وقَلَّ من اشتغل في العلماء بالثلب، إلا عوقب قبل موته بموت القلب (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ا هـ .
ولنحذر من تتبع أخطائهم وزلاتهم إن وقعت، أورد فتاواهم إذا خالفت ما في نفوسنا من رغبات فإنما هم مجتهدون؛ نحسبهم والله حسيبهم لا يتكلمون عن هوى أو لطلب دنيا وإنما يقولون وفق ما ظهر لهم من أدلة الكتاب والسنة ...
عباد الله: إن تمادي رويبضات القوم في النيل من العلماء، وتحجيم دورهم وأثرهم في الناس ليحملنا على النصح للأمة بهذا الخطاب الذي أرجو أن يكون قد وصل مضمونه إلى قلوبكم أيها العقلاء النجباء .. ولا عزاء للموتورين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .. فيناطحون بقرونهم صخورا صلدة لا تهزها الرياح العاتية مهما بلغت في سرعتها وقوتها:
متى كنتم أهلاً لكل فضيلة
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ..
أخوة الإسلام: إنني عندما أصف أولئك النائحين المستأجرين بالإرهاب فأنا أعني ما أقول؛ لأن خطر الإرهاب ليس في كون صاحبه يحمل رشاشاً يقتل به مئات الأبرياء ثم يقف عند ذلك، كلا، وإنما في كونه فكراً يمتد في عقول الشباب كل يوم بآثاره وأخطاره , ويظل ينخر في جسد الأمة مع تقادم الأيام.
وهو ذات الخطر الذي يحمله روّاد الصحافة على عقول أبناء الأمة وشبابها؛ وإلا فما الفرق بين صاحب فكر يحمل رشاشاً، وبين صاحب فكر يحمل قلماً مسموماً؟! .. لا فرق بل إن الثاني هو الأرض الخصبة لنماء الأول بقوة.
عباد الله: إن علينا أن ندرك أن الإسلام هو المنهج الذي ارتضاه الله تعالى لعباده على الأرض، وهو المنهج الذي ستتم المحاكمة عليه يوم القيامة، قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) ولن يكون الإنسان مؤمناً حق الإيمان حتى يستسلم لكل أحكامه مهما كانت، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)؛ فكل من حاول أن يعيق هذا الدين أو يقفَ في طريقه إنما هو في مقام من يعترض على منهجه، ويرضى لنفسه طريقاً ومنهجاً غير الطريق الذي ارتضاه الله تعالى له.
ولنعلم أن سنة الله -تعالى- ماضية في المدافعة بين الحق والباطل لا تتوقف في زمن، ولا تنتهي في حقبة منه، قال -تعالى-: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) وسيظل الصراع الذي نشهد لحظاته هذه الأيام بين الحق والباطل مستمراً، وسيكون دولاً بين أصحاب كل فريق على قدر ما معهم من الأسباب التي تمكن كل فريق.
ومعايير النصر والهزيمة ليست هي المعالم الظاهرة التي يراها الناس اليوم، وتعارف عليها القوم، وإنما هي ما سيكون عليه الأمر في النهاية، وما ستؤول إليه النتائج في أرض الواقع، وقد قال الله تعالى: (ولينصرنّ الله من ينصره).
وإن مواقف القيامة هي المواقف التي يجد فيها الصابرون أعظم صور النصر، ويجد فيها المنافق أكبر صور الهزيمة في تاريخ حياته، قال تعالى: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون).
الحرب سجال والأيام دول .. والعاقبة في كل الأحوال للمتقين.. وإن غداً لناظره قريب ..!
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم..