الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | أبوزيد السيد عبد السلام رزق الأزهري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات |
تجربة
يوم القيامة على المؤمنين
شِدَّةُ هَوْلِ الموقِفِ يوْمَ القِيامَةِ عباد الله :أخْبَرَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعْضِ أُمورِ الآخِرَةِ، وما فيها مِن أهْوالٍ، وبيَّن ما يُلاقيهِ المُؤْمِنُ مِن رحْمةِ اللهِ، وما يُلاقيهِ العُصاةُ والكَفَرةُ من الخِزْيِ والهَوانِ، وبين القرآن خُطورَةِ الموقِفِ يوْمَ القيامَةِ وما في هذا اليوم من الشدائد والأهوال يوم يحشر الخلائق من القبور إلى أرض المحشر فإذا الناسُ حفاةٌ عراةٌ رجالًا ونساءً كالفراشِ المبثوث ،الجبالُ كالعهنِ المنفوش، السماءُ انفطرت ومارت وانشقَّت وفُتِحت وكُشِطت وطُوِيَت ، والجبالُ سُيِّرت ونُسِفَت ودُكَّت، والأرضُ زُلِّزِلة ومُدَّت وأَلقت ما فيها وتخلَّت ، الوحوشُ حُشِرَت، البحارُ فُجِّرت وسُجِّرت ، الأمم على الرُكبِ جثت وإلى كتابها دُعيت، الكواكبُ انتثرت، النجومُ انكدرت ،الشمسُ كُوِّرت ومن رؤوسِ الخلائقِ أُدنِيت ، الأممُ ازدحمت وتدافعت، الأقدامُ اختلفت، الأجوافُ احترقت، فاض العرق فبلغ الحقوين والكعبين وشحمة الأذنين ، والناسُ بين مستظلِ بظلِ العرش، ومصهورٍ في حرِّ الشمسِ ،الصحفُ نُشِرَت، والموازينُ نُصِبَت، والكتبُ تطايرت، صحيفةُ كلٍ في يده مُخبِرةٌ بعمله، لا تُغادِرُ بليةً كتمها، ولا مخبأة أسرَّها ، اللسان كليلُ والقلبُ حسيرٌ كسير، الجوارحُ اضطربت، الألوانُ تغيَّرت لما رأت، الفرائصُ ارتعدت، القلوبُ بالنداءِ قُرعت، والموءودةُ سألت، والجحيمُ سعرت، والجنةُ أزلفت ، عظُمَ الأمر، وأشتدَ الهول، والمُرضِعةُ عمَّا أَرضعت ذُهِلت، وكلُ ذاتِ حملٍ حملها وضعت ، زاغتِ الأبصارُ وشخصت، والقلوبُ الحناجرَ بلغت ، وانقطعت علائقُ الأنسابِ ( [1] )
وَارْتَكَمَتْ سَحَائِبُ الأَهْوَالِ وَانْعَجَمَ الْبَلِيغُ فِي الْمَقَالِ
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْقَيُّومِ وَاقْتُصَّ مِنْ ذِي الظُّلْمِ لِلْمَظْلُومِ
وَسَاوَتِ الْمُلُوكُ لِلأَجْنَادِ وَجِيءَ بِالْكِتَابِ وَالأَشْهَادِ
وَشَهِدَتِ الأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ وَبَدَتِ السَّوْءَاتُ وَالْفَضَائِحُ
وَابْتُلِيَتْ هُنَالِكَ السَّرَائِرْ وَانْكَشَفَ الْمَخْفِيُّ فِي الضَّمَائِرْ
شِدَّةُ هَوْلِ الموقِفِ على الكافرين
بين الله تعالى هول يوم القيامة على الكافرين إذ قال الله عز وجل ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان:26] وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُنْصَبُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِقْدَارُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ كَمَا لَمْ يَعْمَلْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّ الْكَافِرَ لَيَرَى جَهَنَّمَ وَيَظُنُّ أَنَّهَا مُوَاقِعَتُهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً» ( [2] ) ، وقال الله تعالى ( فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) ( المدثر : 9 , 10 ) ، وقال الله جل شأنه (مّهْطِعِينَ إِلَى الدّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هََذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ) ( القمر : 8 ) وهذا يعني أن يوم القيامة يطول على الكفار ويقصر على المؤمنين .
تخفيف يوم القيامة على المؤمنين
صور الله عز وجل حال المؤمنين يوم القيامة فقال سبحانه وتعالى : (أَصْحَابُ الْجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) ( الفرقان : 24 ) : فهذه الآية الكريمة تدل على انقضاء الحساب في نصف نهار لأن المقيل القيلولة أو مكانها ، وهي الاستراحة نصف النهار في الحر ، وممن قال بانقضاء الحساب في نصف نهار : ابن عباس وابن مسعود وعكرمة وابن جبير ، لدلالة هذه الآية على ذلك ، كما نقله ابن كثير وغيره ويشهد له ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ﴿ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ مقدارُ نصفِ يومٍ من خمسينَ ألفِ سنةٍ يهُون ذلك على المؤمنِ ، كتدلِّي الشمسِ للغروبِ إلى أن تغربَ ) ( [3] ) .
وثبت في صحيح بن حبان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَيَقُومُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، ابْتُلِينَا فَصَبَرْنَا، وَولَّيْتَ الْأُمُورَ وَالسُّلْطَانَ غَيْرَنَا، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: صَدَقْتُمْ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَتَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الْأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ"، قَالُوا: (فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟) قَالَ: "يُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُورٍ، مُظَلَّلٌ عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ، يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ ) ( [4] ) .
وفي صحيح بن حبان وحسنه الحافظ بن حجر عن أبي سعيد الخدري قال قِيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يَومًا كان مِقدارُه خَمسينَ أَلْفَ سَنَةٍ، ما أطوَلَ هذا اليَومَ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والَّذي نَفْسي بيَدِه، إنَّه لَيُخفَّفُ على المُؤمِنِ حتَّى يَكونَ أخَفَّ عليه من صَلاةٍ مَكتوبةٍ يُصلِّيها في الدُّنيا ) ( [5] )
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( يومُ القيامَةِ على المؤمنينَ كقدْرِ ما بينَ الظٌّهرِ والعصرِ ) ( [6] ) .
لله قوم لدارِ الخلد أخلصهم وخصهم بجزيل الملك مولانا
فلو تراهم غدا في دار ملكهم قد توجوا من حلي الجنة تيجانا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدُهم إلى الزيارة والتسليم ركبانا
على نجائب دركا تطير بهم والخيل من جوهر والسرج مرجانا
حتى إذا جاوزوا دار السلام وقد أبدى لهم وجهه الرحمن سبحانه
خروا سجودا فناداهم بعزته إني رضيت بكم قربا وجيرانا
إني خلقت لكم دار النعيم فلا ترون بؤسا ولا تخشون أحزانا
الخطبة الثانية
عباد الله : إن مما يخفف شدة هول القيامة على المؤمنين لقاء رب العالمين جل في علاه وهم أسعد الخلق بهذا اللقاء كما قال الله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [43] تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [44]﴾ [الأحزاب: 43- 44] ، لذا كان نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي حَيَاتِهِ يَدْعُو بِالشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وإلى لقائه يوم القيامة وَمِنْ مَأْثُورِ دُعَائِهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دُعَاءٍ طَوِيلٍ: «وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ»( [7] ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وسنده صحيح .
ومما يهون يوم القيامة على المؤمنين أن الله تعالى يدخل من أمة النبي صلى الله عليه وسلم سبعين ألفا مع كل واحد سبعون ألفا الجنة بغير حساب ففي (مسند أحمد) بإسناد صحيح عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعطيت سبعين ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً))( [8] ) وهذا الحديث يبين أن من يدخل الجنة من أمة النبي صلى الله عليه وسلم بغير حساب أربعة مليارات وتسعمائة مليون مسلم 70000 X70000 =( 4.900.000.000 ) يضاف إلى هذا العدد قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما تكلم عمن يدخل الجنة بغير حساب قال (وثلاثُ حَثياتٍ من حَثياتِ ربِّي ) فما أكرم الله تعالى .
وَاعْلَمْ عبد الله : أَنَّ مَنْ طَالَ انْتِظَارُهُ فِي الدُّنْيَا لِلْمَوْتِ لِشِدَّةِ مُقَاسَاتِهِ لِلصَّبْرِ عَنِ الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ انْتِظَارُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَاصَّةً، فَاحْرِصْ أَنْ تَكُونَ مِنْ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا دَامَ يَبْقَى لَكَ نَفَسٌ مِنْ عُمُرِكَ فَالأَمْرُ إِلَيْكَ وَالاِسْتِعْدَادُ بِيَدَيْكَ، فَاعْمَلْ فِي أَيَّامٍ قِصَارٍ لأَِيَّامٍ طِوَالٍ تَرْبَحُ رِبْحًا لاَ مُنْتَهَى لِسُرُورِهِ، وَاسْتَحْقِرْ عُمُرَكَ بَلْ عُمَرَ الدُّنْيَا فَإِنْ صَبَرْتَ عَنِ الْمَعَاصِي فِي الدُّنْيَا لِتَخْلُصَ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ مِقْدَارُهُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ يَكُنْ رِبْحُكَ كَثِيرًا وَتَعَبُكَ يَسِيرًا.
هذا وصلى الله وسلم علي الهادي البشير والسراج المنير
[1] ـ من خطبة الحقيقة لفضيلة الشيخ على بن عبد الخالق القرني حفظه الله .
[2] ـ المصدر : تخريج المسند رقم:( 11714) وقال شعيب الأرناؤوط : حسن لغيره
[3] ـ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 6/769 ) .
[4] ـ صحيح بن حبان (7419)، صَحِيح التَّرْغِيبِ (3187).
[5] ـ صحيح ابن حبان حديث رقم : ( 7334 ) وحسنه الحافظ بن حجر في فتح الباري .
[6] ـ صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم ) 8193 ) .
[7] ـ صححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم : ( 1301 ) .
[8] ـ رواه أحمد (1/6) (22). وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1484): صحيح بشواهده.