المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | عصام بن هاشم الجفري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات |
آفة العصر الربا، فأي أزمة اقتصادية تسمع بها ففتش خلفها عن الربا، فالربا لا يستحله قوم إلا لعنهم الله وأهلكهم، قال الله -جل في علاه- مخبراً عن اليهود: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمً) [النساء:161].
الخطبة الأولى:
الحمد لله خالق الأرض والسموات العلى، جاعل الجنة مثوى من اتقى، وجاعل النار موعد من أعرض وأبى. أحمده -جل شأنه- وأشكره، أحل البيع وحرم الربا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرد بالأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار النجباء.
أما بعد: فهذا ربكم يعظكم -يا عباد الله-، فاسمعوا لموعظة ربكم إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278].
أمة التقوى: آفة العصر الربا، فأي أزمة اقتصادية تسمع بها ففتش خلفها عن الربا، فالربا لا يستحله قوم إلا لعنهم الله وأهلكهم، قال الله -جل في علاه- مخبراً عن اليهود: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمً) [النساء:160-161].
الربا محرم في جميع الشرائع السماوية ولم يحل لأحد من قبل، هل علمتم -يا أمة التوحيد- أن قريشاً، القبيلة المشركة التي تعبد الأوثان والأصنام بمكة، كانت تعتقد أن الربا كسب خبيث؟ ولذا؛ يوم أن عزموا على بناء الكعبة تعاقدوا على ألا يدخلوا في بنائها شيئا من الربا.
ومما يعتصر له القلب ألماً أن من أمة التوحيد، من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، من يأكل الربا وكأنه يأكل قطعة الشوكلاتة!.
الربا ملعونٌ مَن أكله أو أكَّله أو كتبه أو شهد عليه. أتعلمون -عباد الله- معنى اللعن؟ هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. إني سمعت من زكى الله لسانه وقوله حبيبي وقرة عيني -صلى الله عليه وسلم- يخبر عن ذلك؛ فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ" أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.
فوا عجباً من قوم يستطيبون الربا بعد هذا! واعجباً من قوم يعملون بالمؤسسات الربوية ويدخلون على أهلهم من هذا الكسب الخبيث!.
يا عباد الله، ما تقولون في الزنا؟ لا شك أن الجميع يقول إنه جريمة قذرة دنيئة؛ إذاً، تعالوا واسمعوا معي، فإن الذي يتحدث هو خير الورى -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به" أخرجه الإمام البيهقي في شعب الإيمان.
يا أمة العفاف، ما موقفكم من رجل يفعل الزنا بأمه؟ لا شك أنه جريمة تقشعر منها الأبدان، وأن فاعل تلك الجريمة حق أن يحتقر وأن يُذل وأن تقام عليه أشد العقوبات. تعالوا واسمعوا معي للحبيب -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه" أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي وابن جرير. هذا أيسرها، فما بالكم بأعلاها؟.
وعجباً لمجتمع اليوم! يقدم أكَلة الربا ويحترمهم ويبجلهم، وهم قد بلغوا من الانحطاط غايته!.
يا عباد الله: الربا كبيرة من الكبائر، ما توعد الله على كبيرة بعد الشرك بالخلود في النار إلا الربا، يقول الجبار العظيم: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:275].
الربا محق في الدنيا على مستوى الأفراد والجماعات، أخبر ربي عن ذلك بقوله: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
وانظروا لحال المرابين، نعم! قد يملكون الملايين أو المليارات، أحدهم يستطيع أن يمد سفرة طعام من شرق المدينة لغربها، بيد أنه لا يستطيع أن يطعم منها شيئاً! منهم من عنده أولاد وزوجة، بيد أن الزوجة -والعياذ بالله!- منحرفة، والأولاد مدمنو مخدرات.. أو عاقّون عياذاً بالله!.
ومنهم من كدَّس في أرصدته البنكية الملايين، ثم مات فحوسب على كل قرش فيها، وورثته يبددونها، وقد يلعنونه عياذاً بالله!.
عباد الله: ماذا لو حكم القاضي على شخص بأن يمدَّد على باب المسجد يطؤه الداخلون للصلاة بأقدامهم، فمنهم من يطأ بطنه، ومنهم يطأ صدره، ومنهم من يضع حذاءه –أعزكم الله- على أنفه وفمه، كيف يكون هذا العذاب؟.
إن آكل الربا منذ أن يموت حتى يبعث مُمَدّدٌ على سابلة [طريق] آل فرعون يطؤونه بأقدامهم في الغدو والعشي في رحلتيهم إلى النار صباحاً ومساء، وحينما يحاول الهروب عن طريقهم تثقل به بطنه وتكون كالبيت -عياذاً بالله!-، فيسقط، ويطؤونه، حتى قيام الساعة! والحديث الذي يصف هذا أخرجه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار، فأين أكلة الربا؟! هل تساوي الملايين التي تغرهم في الحياة الدنيا لحظة من هذا العذاب؟.
أمة الإسلام: استجيبوا لنداء ربكم، إذ يناديكم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة:278].
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وذروا ما بقي من الربا.
أما -والعياذ بالله!- حال أهل الربا يوم الحشر يبعثون في حال من التخبط، يقول الله ربي مخبراً عن ذلك: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ) [البقرة 275].
أيها الأحبة في الله: إن الحديث عن أحكام الربا يطول، ولا تكفيه مثل هذه العجالة، لكني أدعو كل من يخشى الله واليوم الآخر ويحرص على إطعام أهله وولده من حلال، أن يسأل أهل العلم قبل أن يقدم على أي تعامل مالي يشك في حكمه.
ونحن -بفضل الله- في هذه البلاد قد تيسر لنا سبل العلم الشرعي والفتوى في أمور ديننا ودنيانا.
أحبتي في الله: هناك فئة من الناس ضعفت أمام الإغراءات، فمن تجارة الفوريكس، إلى القروض الكبيرة التي تقدمها مؤسسات الربا بشروط ميسرة، فيأتي الشيطان ليقول لهذا العبد الذي ضعف يقينه وإيمانه بربه: إنك محتاج لأخذ القرض لضرورة، خذه حتى تشتري أرضاً! خذه حتى تشتري سيارة! خذه حتى تَعْمُرَ عمارة! فينحرف ذلك العبد ويقترض في الربا فيقع في فخ نصبه له عدوه اللدود إبليس ليوبق عليه دنياه وآخرته.
نقول لمثل هذا: تذكر! كيف لو أنك أخذت هذا القرض وعَمَرتَ عِمَارتَك ثم قبل أن تدخلها جاءك ملك الموت ليقبض روحك، كيف يكون حالك؟ وبأي وجه تقابل ربك وقد تلطخت يداك بالربا؟ستحاسب عن هذا الإثم العظيم وحدك، وسيتنعم بالعمارة ورثتك.
عباد الله: إن من رحمة الله بنا أن فتح لنا باب التوبة والإياب، فمن تلطخ بشيء من ذلك فليتب لربه، ولينته، فإن الله تواب رحيم؛ ومن أبى فلا يلومن إلا نفسه، فهذا ربي وربكم يقول: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:279].
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!.