الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهوس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
وَجَاءَ اسْمُ اللهِ الْكَبِيرُ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ حَيْثُ غَالِبُ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلاَةٍ وَحَجٍّ وَذِكْرٍ وَجِهَادٍ جَاءَ التَّكْبِيرُ فِيهَا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ), وَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرْيَةَ خَيْبَرَ، قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ! خَرِبَتْ خَيْبَرُ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَو مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى الْكَبِيرُ؛ الَّذِي لَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
فَاللهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ذَاتًا وَقَدْرًا، وَعِزَّةً وَجَلاَلَةً، فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ فِي ذَاتِهِ, وَصِفَاتِهِ, وَأَفْعَالِهِ، كَمَا هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج: 62].
وَجَاءَ اسْمُ اللهِ الْكَبِيرُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا مَقْرُونًا بِاسْمِهِ الْعَلِيِّ، وَبِاسْمِهِ الْمُتَعَالِ، لِمُنَاسَبَةِ صِفَةِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ لِعُلُوِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)[الرعد: 9]، وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[سبأ:23]، وَقَدْ فَسَّرَتِ السُّنَّةُ هَذِهِ الآيَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ؛ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا) لِلَّذِي قَالَ: (الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَجَاءَ اسْمُ اللهِ الْكَبِيرُ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ؛ حَيْثُ غَالِبُ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلاَةٍ وَحَجٍّ وَذِكْرٍ وَجِهَادٍ جَاءَ التَّكْبِيرُ فِيهَا، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِفْتَاحُ الصَّلاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ), وَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرْيَةَ خَيْبَرَ، قَالَ: "اللهُ أَكْبَرُ! خَرِبَتْ خَيْبَرُ, إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ)[الصافات: 177]".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مِنَ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟" قالَ رَجُلٌ مَنِ الْقَوْمِ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ", قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَما تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ ذَلِكَ".
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الإِخْلاَصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ,
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلإِيمَانِ بِاسْمِ اللهِ الْكَبِيرِ أَثَرًا فِي عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ وَأَخْلاَقِهِ، مِنْهَا:
تَحْقِيقُ مُطْلَقِ الْعُبُودِيَّةِ للهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَاعْتِقَادُ أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ وَأَنْ نُحِيطَ بِهِ عِلْمًا.
وَمِنْهَا: زِيَادَةُ إِيمَانِ الْعَبْدِ بِمَعْرِفَةِ عَظَمَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلاَ- الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ دُونَهُ، وَلاَ شَيْءَ أَعْظَمَ مِنْهُ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى)[محمد: 17].
وَمِنْهَا: مَحَبَّةُ اللهِ -تَعَالَى-، وَذِكْرُهُ، وَشُكْرُهُ، وَالتَّقَرُّبُ لَهَا بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)[البقرة: 165].
وَمِنْهَا: تَوَاضُعُ النَّفْسِ وَانْكِسَارُهَا للهِ -تَعَالَى-، فَإِذَا عَرَفْتَ قُوَّتَهُ وَكِبْرِيَاءَهُ فَاعْرِفْ ضَعْفَكَ وَنَقْصَكَ وَفَقْرَكَ، وَافْتِقَارَكَ لِرَبِّكَ؛ فَمَا أَنْتَ إِلاَّ عَبْدٌ لِسَيِّدِكَ وَخَالِقِكَ، وَلَوْ مَلَكْتَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- وَحَقِّقُوا أَعْظَمَ الْمَقَاصِدِ، وَأَجَلَّ الْغَايَاتِ، وَأَنْبَلَ الأَهْدَافِ فِي تَوْحِيدِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَالإِقْرَارِ لَهُ -جَلَّ وَعَلاَ- بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَإِفْرَادِهِ جَلَّ وَعَلاَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ؛ فَمَا أَوْجَدَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا إِلاَّ لِهَذَا؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).