الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
سبحان مقلب القلوب، ومبدل الأحوال، لا يخفى عليكم ما نمر به من بلاء، شعر به العالم كله، تعطلت الطرق وانقطعت السبل، وانهار الاقتصاد، وأصاب الناسَ ذعر وخوف، واستنفرت الدول، ومكث الناس في بيوتهم، حتى علقت الجمعة والجماعة في بعض الدول
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد فيا أيها الناس: إن البلاء سنة ماضية في الحياة، لا ينفك عنه الإنسان مهما بلغ صلاحه أو فساده بل حتى الكافرين.
عباد الله: سبحان مقلب القلوب، ومبدل الأحوال، لا يخفى عليكم ما نمر به من بلاء، شعر به العالم كله، تعطلت الطرق وانقطعت السبل، وانهار الاقتصاد، وأصاب الناسَ ذعر وخوف، واستنفرت الدول، ومكث الناس في بيوتهم، حتى علقت الجمعة والجماعة في بعض الدول، وهذا والله بلاء عظيم، إن لم يُفق العبد مع هذا كله فمتى يفيق؟!
فهذا الواقع يجب أن يحدث لنا ردة فعل، ويوجب علينا وقفة مع النفس، ويتحتم على العبد أن يعود إلى ربه تائبًا من كل ذنوبه، ولا يستثنى من هذا أحد، كل الخلق الصالحون والطالحون بل حتى الكفار، وهذه سنة الله في الكون، فقد ضرب للناس المثلات، وللناس معتبر بالأمم التي سبقتهم، كما قال سبحانه: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[يوسف:109]، بل أمرهم بذلك فقال: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[النمل:69].
عباد الله: هل من متّعظ أو متذكّر لما يحدث في العالم بأسره، والله إنها لآية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإن الواجب علينا جميعًا أن نبتهل إلى الله أن يرفع عنا وعن الأمة هذا الوباء، فلا بد أن يسمع الله تضرعنا، ويعلم من قلوبنا صدق التوبة، وأن نبدل من حالنا، حتى يبدل الله هذه الحال؛ قال -جل ذكره-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد:11].
معاشر المسلمين: إن ما حل بالناس من وباء اجتاح العالم بأسره نستفيد عند التأمل فيه فوائد، فمن ذلك: عظمة الله، أرسل الله هذا المرض الصغير داهم العالم ولم يفرق بين صغير وكبير، ولا جليل ولا حقير، ولا رئيس ولا مرؤوس، والكل استنفر لمحاربة هذا الكائن الصغير، حتى استسلمت دول، وذلت أنوف المتكبرين في أيام قلائل.
ومنها: تبدل الحال، فبين طرفة عين وانتباهتها يُغيِّر الله من حال إلى حال، الغني يفتقر، والعافية تزول، والأعمال تتوقف، والطرق تغلق، في لحظات، لعلم الجميع أن الحال لا يدوم، وأن الله يقلب الأمور كما يشاء سبحانه.
ومنها: ضعف ابن آدم، وأنه قليل الحيلة، عاجر عن حفظ نفسه ودفع الضر عنها، فكيف بغيره؟!
ومنها: أن الله يمهل ولا يهمل، فبدأ الوباء بالظالمين، الذين يظلمون الناس بغير حق، ثم ثنى بالعصاة والمقصرين.
ومنها: أن هذا البلاء، رجز من عذاب الله، وعذاب الله يدفع بالرجوع إليه والتوبة بين يديه، وتعلق القلب به؛ قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأنعام:42-43].
ويقول -سبحانه-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال:33]؛ فبالتضرع والاستغفار يرفع البلاء ويزول العذاب.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وتب علينا وارحمنا، وارفع عنا الوباء عاجلاً غير آجل.
أقول قولي هذا ……….
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: فلا يزال الحديث موصولاً عن وباء كورونا، وما يُستفاد منه، فمن ذلك: ألَّا يتعلق قلب العبد بغير الله، فالبعض بتعلق بالماديات، من عقاقير، ومضادات، وقوة طب وتقدم.
ومنها: أن العبد يعلم علم اليقين أن تلك الأشغال التي كان يحتج بها على ترك طاعة الله، ما هي إلا أشغال ضخمت فسدت باب العمل الصالح، وأضاعت الأوقات هدرًا، فالواجب علينا الآن ترتيب الأوقات، والمسارعة في المهمات.
ومنها: أن كثرة الخروج من المنزل خصوصًا للنساء ما هي إلا إضاعة للوقت، ومخالفة للشرع، فها نحن الآن نمكث الأسابيع بدون خروج، بل بدون أسواق ومستشفيات وحدائق وتنزهات ومطاعم واستراحات، وكل شيء يمر طبيعيًّا.
ومنها: أن العمل عن بُعد يقوم بالأمر وزيادة، خصوصًا عمل النساء، وعدم اختلاطهن بالرجال.
ومنها: أن العبد بإمكانه الاستغناء عن الكماليات في المآكل والمشارب، واللباس.
ومنها: معرفة عظمة الله التي لا يَدَان لأحد من الخلق بردّها، ولا الهروب منها، وأن الله -سبحانه- وحده الذي يفر الناس منه إليه.
ختامًا -عباد الله- أوصيكم ونفسي المقصرة بالرجوع إلى الله، والتضرع بين يديه، والتوبة النصوح؛ علَّ الله أن يرحم ضعفنا، ويغيّر من حالنا إلى حال يرضاه لنا، ويرفع عنا الوباء الذي أقضّ مضاجعنا، وعطّل حياتنا.
اللهم كاشف الهم وفارج الغم، ارفع عنا الوباء، واجعل عاقبة أمرنا إلى خير يا رب العالمين.